الدرس 99: باب دخول مكة 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 14 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 1861 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

بعد الطواف بالبيت سبعاً وصلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم يعود ويستلم الحجر كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الذي أخرجه مسلم وهذا الإستلام لمن أراد أن يسعى ولا يسن تقبيله في هذه المرة ولا الإشارة إليه بل إن تيسر أن يستلمه فعل وإلا انصرف من مكانه إلى المسعى ويسن إذا دنا من الصفا أن يقرأ :" إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم " سورة البقرة آية 158

ويرقى الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويقول الله أكبر وهو رافع يديه ثلاث مرات ويقول ما ورد ومنه : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم يدعوا ثم يعيد الذكر مرة ثانية ثم يدعو ثم يعيد الذكر مرة ثالثة لحديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبر وقال لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة

ثم ينزل ماشياً إلى العلم الأول ثم يسعى شديداً إلى الآخر والسعي هنا بمعنى الركض فيسعى سعياً شديداً بقدر ما يستطيع لكن بشرط ألا يتأذى أو يؤذي فإن خاف من الأذية عليه أو على غيره فليسع بقدر ما تيسر له والحكمة في ذلك أنه في هذا المكان واد أي مسيل مطر والوادي في الغالب يكون نازلاً وأصل السعي أن يتذكر الإنسان حال أم إسماعيل فإنها رضي الله عنها لما خلفها إبراهيم عليه السلام هي وابنها في هذا المكان وجعل عندها سقاءً من ماء وجراباً من تمر فجعلت الأم تأكل من التمر وتشرب من الماء وتسقي اللبن لولدها فنفذ الماء ونفذ التمر فجاعت وعطشت ويبس ثديها فجاع الصبي وجعل يتلوى من الجوع فأدركتها الشفقة فرأت أقرب جبل إليها الصفا فذهبت إلى الصفا وجعلت تتحسس لعلها تسمع أحدا ولكنها لم تسمع فنزلت إلى الاتجاه الثاني إلى جبل المروة ولما هبطت في بطن الوادي نزلت عن مشاهدة ابنها فجعلت تسعى سعياً شديداً حتى تصعد لتتمكن من مشاهدة ابنها وبقيت لتسمع وتتحسس على المروة ولم تسمع شيئاً حتى أتمت هذا سبع مرات ثم أحست بصوت ولكن لا تدري ما هو فإذا جبريل نزل بأمر الله عز وجل فضرب بجناحه أو برجله الأرض فكان زمزم الآن فنبع الماء في الحال ففرحت بذلك فرحاً شديداً وجعلت تحجر الماء وخافت أن يتسرب وينفذ قال النبي صلى الله عليه وسلم " يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكان عيناً معيناً ولكن من رحمة الله عز وجل أنها حجرته ولو كان عيناً معيناً لصار فيه ضيق على الناس لأن هذا المكان صار مسجداً وشربت من هذا الماء وصار هذا الماء شراباً وطعاماً ودرت على الولد وهيأ الله لها قوماً من جرهم مروا بمكة فتعجبوا أن يكون الطيور تأوي إلى هذا المكان وقالوا لا يمكن أن تأوي إلى هذا المكان إلا وفيه ماء ولم يكونوا على عهد بماء في هذا المكان فجاؤا نحو هذه الجهة فوجدوا إسماعيل وأمه ونزلوا عندهم والقصة مطولة في صحيح البخاري في كتاب الأنبياء 3364

فهذا هو السبب في كون الناس يسعون سعياً شديداً إذا وصلوا هذا المكان والآن ليس فيه واد لكن فيه علامة على هذا الوادي وهو هذا العلم الأخضر

ثم يمشي إلى المروة ويقول ما قاله على الصفا أي يقول الله أكبر وهو رافع يديه ثلاث مرات مستقبلاً القبلة لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم يدعوا ثم يعيد الذكر مرة ثانية ثم يدعوا ثم يعيد الذكر مرة ثالثة ثم يتجه إلى الصفا وهكذا يمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه يفعل ذلك سبعاً ذهابه سعية ورجوعه سعية

والرقي على المروة ليس بشرط وإنما الشرط أن تستوعب ما بين الجبلين ما بين الصفا والمروة والذي بينهما هو الذي جعل ممراً للعربات هذا الذي يجب السعي فيه وأما ما بعد مكان الممر فإنه من المستحب وليس من الواجب فلو أن الإنسان اختصر في سعيه من حد ممر العربات لأجزأه لأن الذين وضعوا هذه العربات وضعوها على أن منتهاها من الجنوب والشمال هو منتهى المسعى

ولو بدأ السعي بالمروة سقط الشوط الأول لأنه يشترط أن يبدأ بالصفا ولو أن المعتمر سعى قبل الطواف فلا يصح فيجب عليه إعادته بعد الطواف لأنه وقع في غير محله

وتسن في السعي الطهارة من الحدث وهذا هو المذهب

فلو سعى محدثاً أو سعى وهو جنب أو سعت المرأة وهي حائض فإن ذلك مجزئ لكن الأفضل أن يسعى على طهارة لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة " افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت " وهو في الصحيحين

ويسن ستر العورة في السعي ومن المعلوم أن الإنسان لا يمكن أن يسعى عرياناً عرياً كاملاً لكن ربما يكون إزاره أو قميصه في سعيه للحج بعد التحلل الأول خفيفاً ترى من ورائه البشرة أو يكون فيه خرق ترى من ورائه العورة

ففي هذه الحال سعيه صحيح لأن الستر فيه سنة والموالاة في السعي شرط كما أنها شرطاً في الطواف وهذا رأي المذهب والدليل على أن الموالاة شرط في صحة السعي

أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى سعياً متوالياً كما في حديث جابر الذي أخرجه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم : خذوا عني مناسككم

لكن لو فرض أن الإنسان اشتد عليه الزحام فخرج ليتنفس أو احتاج إلى بول أو غائط فخرج يقضي حاجته ثم رجع فهنا نقول لا حرج لأن الموالاة هنا فاتت للضرورة وهي حين ذهابه قلبه معلق بالمسعى ثم إن كان الساعي متمتعاً قصر من شعره والتقصير هنا أفضل من الحلق من أجل أن يتوفر الحلق للحج

ومن كان قارناً أو مفرداً وطاف وسعى فإن سعي القدوم يكفيه عن سعي الحج

والمتمتع إذا شرع في الطواف قطع التلبية وكذا المعتمر لأنه شرع في الركن المقصود والتلبية إنما تكون قبل الوصول إلى المقصود فإذا وصل إلى المقصود فلا حاجة إلى التلبية

والمفرد والقارن يقطعان التلبية عند رمي حمرة العقبة يوم العيد لما أخرج البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كانا قارنا

ولأنه برميه جمرة العقبة شرع فيما يحصل له التحلل وهو الرمي

نسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا وأن يلهمنا رشدنا وأن يفقهنا في أمور ديننا وأن يكون عملنا خالصاً صائباً وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وأن يجعلنا من الراشدين وأن يوفقنا من العمل ما يرضيه وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه إنه جواد كريم

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-6 -14

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة