الدرس 100: باب صفة الحج والعمرة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 14 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 1780 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

أي الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج والعمرة ، فيسن للمحلين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية ، والمحل هو المتمتع لأنه أحل من إحرامه أو من كان من أهل مكة فإنه محل لأنه باق في مكة حلال فيسن لهم الإحرام بالحج يوم التروية لا قبله ولا بعده ويوم التروية هو اليوم الثامن وسمي بذلك لأن الناس كانوا فيما سبق يتروون الماء فيه لأن منى في ذلك الوقت لم يكن فيها ماء وكذلك مزدلفة وعرفة فهم يتأهبون بسقي الماء للحجاج في المشاعر في هذا اليوم الثامن ومن الثامن إلى الثالث عشر كلها لها أسماء فالثامن يوم التروية والتاسع يوم عرفة والعاشر يوم النحر والحادي عشر يوم القر والثاني عشر يوم النفر الأول والثالث عشر يوم النفر الثاني

ويحرم من مكانه الذي هو نازل فيه قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منسكه ص40: والسنة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه وكذلك المكي يحرم من أهله ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الطواف والسعي خرج لظاهر مكة الأبطح ونزل هناك وأحرم الناس من هذا المكان . أخرجه البخاري ومسلم

وعلى هذا فنقول يسن أن يحرم من المكان الذي هو فيه سواء في مكة أو في غيرها ، قال ابن باز رحمه الله في التحقيق والإيضاح ص35: ويستحب أن يغتسل ويتنظف ويتطيب عند إحرامه بالحج يفعل عند إحرامه من المقيات ويبيت بمنى ليلة التاسع ويصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء كلها في منى قصراً بلا جمع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجمع في منى وإنما جمع في عرفة وينزل في نمرة ونمرة قرية قرب عرفة وليست من عرفة

فينزل في نمرة والنزول بها سنة وينزل إلى أن تزول الشمس قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منسكه ص 40: ويسيرون منها إلى نمرة على طريق ضب من يمين الطريق ونمرة كانت خارجة عن عرفات من جهة اليمين فيقيمون بها إلى الزوال كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم أهـ

فإذا زالت الشمس ركب من نمرة إلى عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ركب من نمرة حتى أتى بطن الوادي بطن عرفة فنزل في بطن الوادي والله أعلم أن نزوله في بطن الوادي لأن بطن الوادي في الغالب يكون رملياً فيكون فيه لين وسهولة على الناس للجلوس وللصلاة ثم خطب الناس خطبة بليغة قرر فيها قواعد الإسلام وشيئاً كثيراً من أحكامه وأعلن في تلك الخطبة أن ربا الجاهلية موضوع وأن أول ربا يضعه ربا العباس بن عبد المطلب لأنه عمه وفي هذا دليل على أن الربا الثابت في ذمم الناس يجب وضعه ولا يجوز أخذه حتى وإن عقد قبل الإسلام

أما ما قبض من قبل من ربا وأتى الإنسان موعظة من الله فإنه له لكن ما بقي في ذمم الناس فإنه لا تتم التوبة منه إلا إذا تركه ولم يقبضه وبعد أن خطب الناس وذلك في عرفة أمر بلالاً فأذن وأقام وصلى الظهر ثم أقام وصلى العصر ولم يسبح بينهما شيئاً كما في حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفي تقديمه الخطبة على الأذان والجمع بين الظهر والعصر دليل على أنه لم يقصد بذلك صلاة الجمعة لأن صلاة الجمعة تكون الخطبة فيها بعد الأذان وإلا فإن ذلك يوم كان هو يوم الجمعة في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ثم ركب حتى آخر عرفة من الناحية الشرقية فوقف هناك وقال وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف . أخرجه مسلم

ويسن يوم عرفة أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم وإن لم يجمع فلا حرج

مسألة : لماذا كانت السنة الجمع مع أن الناس نازلون والمسافر النازل لا يسن له أن يجمع

الجواب: يقال إنما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر لاجتماع الناس واجتماع الناس على العبادة له شأن كبير في الشريعة لأنهم لو تفرقوا بعد صلاة الظهر ما اجتمعوا هذا الجمع الكبير والجمع لأجل تحصيل الجماعة مشروع كما يشرع في أيام المطر المؤذي الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من أجل تحصيل الجماعة وإلا فبالإمكان أن يصلي الظهر ويقال للناس صلوا العصر في رحالكم أو يصلي المغرب ويقال للناس صلوا العشاء رحالكم والرسول صلى الله عليه وسلم وقف على بعيره راكباً وأخذ بخطامها أي بالزمام رافعاً يديه يدعوا الله عز وجل ولما انفلت الزمام أخذه بإحدى يديه وهو رافع الأخرى . أخرجه أحمد

والمراد بالوقوف المكث لا الوقوف على القدمين فالقاعد يعتبر واقفاً ومعلوم أن الراكب على البعير جالس عليها ليس واقفاً عليها

مسألة : هل الأفضل أن يقف راكباً كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أو أن يقف غير راكب ، والمراد بالوقوف أي المكث

الجواب : الأفضل أن يقف راكباً في السيارة إلا إذا كان وقوفه على الأرض أخشع له وأحضر لقلبه وهذا لا ينافي القواعد الشرعية لأن من القواعد : أن مراعاة الكمال الذاتي للعبادة أولى بالمراعاة من الكمال في المكان ، وقال ابن تيمية يجوز الوقوف ماشياً وراكباً أما الأفضل فيختلف باختلاف الناس ويقف عند جبل الرحمة ويقال له جبل الدعاء والمناسبة ظاهرة أن هذا المكان أعني عرفة كلها موطن رحمة وموطن دعاء ولكن لم يكن هذا الاسم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم معروفاً لكن العلماء رحمهم الله جعلوا له هذا الاسم جبل الرحمة أو جبل الدعاء لهذه المناسبة

قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى 26/132 وعرفة كلها موقف ولا يقف في بطن عرنه وأما صعود الجبل هناك فليس من السنة ويسمى جبل الرحمة . أهــ

والرسول صلى الله عليه وسلم وقف عند الصخرات الكبار تحت الجبل وتستقبل القبلة حتى ولو كان الجبل خلف ظهرك لأن الكعبة أفضل من الجبل

مسألة : صعود الجبل ؟

أما من صعده تعبدا فصعوده ممنوع لأنه يكون بدعة وكل بدعة ضلالة قال ذلك الإمام النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وأما من صعده تفرجاً فهذا جائز ما لم يكن قدوة يقتدي به الناس فيكون ممنوعاً

وأما من صعده إرشاداً للجهال فصعوده مشروع أو واجب حسب الحال

وينبغي للإنسان أن يكثر من الدعاء في عرفة وإذا لحق الإنسان ملل فلا حرج أن يستريح إما بنوم أو بقراءة قرآن أو بمذاكرة مع إخوانه أو بمدارسة القرآن أو في أحاديث تتعلق بالرحمة والرجاء والبعث والنشور والآخرة حتى يلين ويرق قلبه والإنسان طبيب نفسه في هذا المكان لكن ينبغي أن يغتنم آخر النهار بالدعاء ويتفرغ له تفرغاً كاملاً

مسألة : هل الأفضل أن يدعو كل واحد لنفسه أو أن نجعل إماما يدعو بنا ؟

الجواب : الأفضل أن كل إنسان يدعو لنفسه لكن لو جاءك إنسان وقال ادع الله لنا ورأيت منه التشوق إلى أن تدعو له وهو يؤمن فإنه لا بأس في هذا الحال أن تدعو له تطيباً لقلبه وربما يكون في ذلك خشوعاً أيضاً

وإذا شعر الإنسان أن الناس كلهم يلتفون حوله ويؤمنون وربما يكون بعضهم قريب الخشوع فيخشع ويبكي فيخشع الناس فلا بأس والدليل أنه لم يرد منع وهذا يحصل أحياناً من الصحابة يطلبون من الرسول أن يدعوا لهم لكن في هذا الموقف لا أعلم أنه دعا بالناس ولهذا نقول الأفضل أن يدعو كل إنسان لنفسه والأفضل للحاج أن يذهب من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس من اليوم التاسع من شهر ذي الحجة قالت ذلك اللجنة الدائمة وجمهور العلماء على أن وقت الوقوف يبدأ من الزوال وحجتهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف قبل الزوال كما في حديث جابر الذي أخرجه مسلم . انظر كتاب المبسوط وأحكام القرآن لابن عبد البر والأم والفروع والمحلى وفتاوى ابن باز حيث يحمل حديث عروة بن المضرس على ما بعد الزوال

فمن وقف أدنى وقفة من بعد الزوال من اليوم التاسع إلى فجر يوم النحر وهو أهل للحج صح حجه

والذي هو أهل للحج ما يلي

أولاً: المسلم فغير المسلم ليس أهلاً للحج

ثانياً: أن يكون محرماً لأن غير المحرم ليس أهلاً للحج

ثالثاً: أن يكون عاقلاً فإن كل مجنوناً لم يصح وقوفه

رابعاً: ألا يكون سكراناً

خامساً: ألا يكون مغمى عليه ، مثال المغمى عليه أن يحصل له حادث وهو متجه إلى عرفة فأغمي عليه قبل أن يصل إلى عرفة وبقي مغمى عليه حتى انصرف الناس وانصرفوا به فنقول هذا الرجل لم يصح وقوفه لأنه مغمى عليه وفاته الحج فإذا أفاق تحلل بعمرة ثم قضاه إذا كان فرضاً من العام القادم وفي عرفه يشرع الإكثار من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله

ويرفع يديه بالدعاء ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء

ويستقبل القبلة وعرفة كلها موقف

يكثر من الدعاء بسؤال الجنة والتعوذ بالله من النار وسؤال العفو اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى وسؤال قبول الحج والمغفرة للذنوب والأوزار وسؤال الله لولاة الأمر أن يصلحهم الله وأن يوفقهم للقيام بحقه وأن يعينهم على أداء الواجب وأن يصلح أحوالهم وبطانتهم وأن يوفقهم لتحيكم شريعة الله في عباد الله والحذر من تحكيم القوانين الباطلة وقال صلى الله عليه وسلم : إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعوا بما شاء

والرسول صلى الله عليه وسلم رفع يديه في عرفة وفي مزدلفة

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-6 -14

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي