الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛
قوله:"باب جزاء الصيد".
أي باب المثل في جزاء الصيد.
قوله:" في النعامة بدنة وحمار الوحش وبقرته والأيل والثيتل والوعل بقرة والضبع كبش والغزالة عنز والوبر والضب جدي واليربوع "
الصيد نوعان: نوع لا مثل له، ونوع له مثل.
النوع الذي لا مثل له نوعان أيضاً: نوع قضت الصحابة به فيرجع إلى ما قضوا به، ونوع لم تقض به الصحابة فيحكم فيه ذوا عدل من أهل الخبرة ويحكمان بما يكون مماثلاً.
ونقل ابن قدامه في المغني، وابن تيمية في شرح العمدة لابن قدامة : إجماع الصحابة: عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وابن الزبير أنهم حكموا في النعامة ببدنة وفي حمار الوحش ببقرة وفي الإبل ببقرة وببقر الوحش ببقرة وفي الضبع بكبش وفي الغزال بعنز والجربوع بجفرة وفي الأرنب بعناق .
وفي التمثيل وهو نوع من الظباء بقرة وفي الوعل بقرة والوعل تيس الجبل. (انظر القاموس 4/65)
وأخرج أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم جعل في الضبع شاة ولولا أنها حلال لم يكن لها قيمة.
قوله:"... والوبر والضب جدي واليربوع جفرة".
وفي الوبر والضب جدي والوبر دويبة كحلاء اللون دون السنور لا ذنب لها والجدي هو الذكر من أولاد المعز له ستة أشهر وكذلك الضب فيه جدي والضب معروف.
قوله:"... واليربوع جفرة "
وفي اليربوع جفرة واليربوع حيوان يشبه الفأر لكنه أطول منها رجلا وله ذنب طويل وفي طرفه شعر كثير وهو من أذكى الحيوانات التي تشبهه لأنه يحفر له جحران في الأرض ويجعل له باباً ثم يحفر في طرف الجحر حتى لا يبقى إلا قشرة رقيقة فإذا حشره أحد من عند باب الجحر خرج من القشرة الرقيقة.
قوله:".. الأرنب عناق والحمامة شاة"
وفي الأرنب عناق وهي أصغر من الجفرة أي لها ثلاثة أشهر ونصف تقريباً.
وأن الحمامة شاة ووجه المشابهة في الحمامة للشاة في الشرب فقط لا في الهيكل أو الهيئة، لما روى الشافعي في الأم: أن عمر رضي الله عنه حكم في الحمامة شاة، فهذا كله قضى به الصحابة، فإذا وجدنا شيئاً من الطيور لم تحكم به الصحابة أقمنا حكمين عدلين خبيرين وقلنا ما الذي يشبه من بهيمة الأنعام فإذا لم نجد له شبيه ولم يحكم به الصحابة ففيه قيمة الصيد
قوله:" باب صيد الحرم " أي: يحرم صيد الحرم.
قوله:" يحرم صيده على المحرم والحلال وحكم صيده كصيد المحرم ولا يلزم المحرم جزاءان ويحرم قطع شجرة وحشيشه "الأخضرين" إلا الإذخر".
يحرم صيد الحرم على المحرم ومن لم يحرم، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن هذا التحريم عام فتح مكة فقال :" إن الله حرمه يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ". متفق عليه عن ابن عباس وفي هذا الخبر المؤكد دليل على أنه لا يمكن نسخ تحريم مكة لأنه جعل الغاية يوم القيامة.
والصيد إذا دخل به الإنسان من الحل فهو حلال لأنه ليس صيدا للحرم بل هو صيد لمالكه
والصيد البحري يجوز صيده في الحرم وهذه هي الرواية الثانية في المذهب . (انظر الإنصاف 3/490)، لقوله تعالى :" أحل لكم صيد البحر وطعامه " ( المائدة 96) وهذا عام، فلو فرض أن هناك بركة ماء أو نحوها وفيها سمك غير مجلوب إليها بل توالد فيها فلا يحرم.
قوله:"ويحرم قطع شجرة وحشيشه "الأخضرين" إلا الإذخر".
ويحرم قطع شجره وحشيشه ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه قال :" لا يعضد شجرها ولا يحش حشيشها ولا يختلي خلاها " . متفق عليه
وكل هذا تأكيد لحرمة هذا المكان وأنه حتى الجماد بل حتى الأشجار محترمة والطيور محترمة ولولا رحمة الله عز وجل لكانت كل الحيوانات محترمة لكن فيه مشقة على الناس فحرم الصيد فقط
والمحرم ما كان من شجر الحرم لا من شجر الآدمي وعلى هذا فما غرسه الآدمي أو بذره من الحبوب فإنه ليس بحرام لأنه ملكه ولا يضاف إلى الحرم بل يضاف إلى الله
وكذلك الحشيش الذي ينبت بفعل الآدمي ليس حرام ويستثنى من الشجر والحشيش الإذخر وهو نبت معروف يستعمله أهل مكه في البيوت والقبور والحدادة
أما الحدادة فلأنه سريع الاشتعال فيشعلون به النار من أجل أن تشعل الفحم والخشب
وأما في القبور فإنهم يجعلونه ما بين اللبنات ليمنع تسرب التراب إلى الميت وأما في البيوت فيجعلونه فوق الجريد لئلا يتسرب الطين من الجريد فيختل السقف.
فالناس في حاجة إليه وسبب الاستثناء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم حشيشها قال:" يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لبيوتهم وقبورهم" . أخرجه البخاري ومسلم
وفي لفظ لبيوتهم وقينهم أي حدادهم فقال إلا الإذخر وعلى هذا فيستثنى من الشجر والحشيش الإذخر، والكمأة والعساقل وبنات الأوبر وما أشبهها فليس بحرام؛ لأنه ليس من الأشجار والكمأة والعساقل وبنات الأوبر أنواع داخلة تحت جنس واحد وهو الفقع فهذه حلال؛ لأنه ليس بأشجار ولا حشيش فلا يدخل في التحريم وهذه الأشجار أو الحشائش ليس فيها جزاء وهذا مذهب مالك وابن المنذر وجماعة من أهل العلم وهو الحق لأنه ليس في السنة دليل صحيح يدل على وجوب الجزاء فيها.
وإذا كانت الأشجار وكان هناك ضرورة بحيث لا يمكن العدول بالطريق إلى محل آخر فلا بأس بقطعها وإن لم يكن ضرورة فالواجب عدول الطريق عنها لأنه يحرم قطعها بلا ضرورة
وإذا كانت الشجرة خارج الطريق لكن أغصانها ممتدة إلى الطريق وتؤذي المارة بشوكها وأغصانها فلا تقطع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" لا يعضد شوكها" . والشوك يؤذي ومع ذلك نهى عن عضده أي قطعه وبإمكان الإنسان أن يطأطئ رأسه حتى لا تصيبه الأغصان.
وإذا وطئ الإنسان على الحشيش بلا قصد فلا شيء عليه كما لو انفرش الجراد في طريقه ومر عليه فإنه لا شيء عليه كما لو احتاج الإنسان إلى وضع فراش في منى أو مزدلفة وكان فيها نبات، فإنه لا يحرم عليه وضع الفراش في منى على الأرض وإن أدى ذلك إلى تلف ما تحته من الحشيش أو أصول الشجر لأن ذلك غير مقصود
ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت إبلهم تمشي على الأرض ولم يقل توقوا عن المشي على الأرض وفرق بين ما قصد وما لم يقصد.
قوله:"ويحرم صيد المدينة ولا جزاء فيه ويباح الحشيش للعلف واتخاذ آلة الحرث ونحوه وحرمها ما بين عير إلى ثور".
وصيد حرم المدينة حرام، لكن حرمته دون حرمة حرم مكة، قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله (في منسكه ص29): والحرم المجمع عليه حرم مكة وأما المدينة فلها حرم أيضاً عند الجمهور كما استفاضة بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا جزاء فيه والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل فيه جزاء وإذا لم يجعل فيه جزاء فالأصل براءة الذمة وعدم الوجوب.
ويباح أن تحش الحشيش في المدينة لتعلف بهائمك كما قال المؤلف .
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين