الدرس 96: باب دخول مكة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 12 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 1690 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الأفضل للحاج أن يدخل مكة في أول النهار قال ذلك أكثر الفقهاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم: دخلها ضحى . أخرجه البخاري ومسلم

ولكن إذا لم يتيسر له ذلك فليدخلها على الوجه الذي يتيسر له

ويسن له دخول مكة من أعلاها إذا كان ذلك أرفق لدخوله لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم : إذا دخل مكة دخل من الثنية العليا التي في البطحاء وإذا خرج خرج من الثنية السفلى

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أن يدخل الناس من أعلاها دل على أنه يدخل من أعلاها إذا كان ذلك أرفق له

ويدخل المسجد من باب بني شيبة وباب بني شيبة عفا عليه الدهر ولا يوجد له أثر الآن لكننا أدركنا مكاناً قريباً من مقام إبراهيم يقال إن هذا هو باب بني شيبة وهو باب السلام فمن يدخل معه ويتجه إلى الكعبة يدخل من باب بني شيبة

يقول الشيخ ابن باز رحمه الله في كتابه التحقيق والإيضاح . أذكر ذلك مختصرا ثم أفصل فإذا وصل المحرم إلى مكة استحب له أن يغتسل قبل دخولها لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فإذا وصل إلى المسجد الحرام سن له تقديم رجله اليمنى :ويقول بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم اللهم افتح لي أبواب رحمتك . ويقول ذلك عند دخول سائر المساجد وليس لدخول المسجد الحرام ذكر يخصه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم فإذا وصل إلى الكعبة قطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف إن كان متمتعاً أو معتمراً ثم قصد الحجر الأسود واستقبله ثم يستلمه بيمينه ويقبله إن تيسر له ذلك ولا يؤذي الناس بالمزاحمة ويقول عند استلامه بسم الله والله أكبر وإن شق التقبيل استلمه بيده أو عصا وقبل ما استلمه به فإن شق استلامه أشار إليه وقال الله أكبر ولا يقبل ما يشير إليه ويجعل البيت عن يساره حال الطواف وإن قال في ابتداء طوافه اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك وإتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فهو حسن لأن ذلك قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يطوف طواف القدوم مضطبعاً والإضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر والحكمة من ذلك الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولفظه عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم : لما قدم طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له حضرمي. وقال الترمذي حسن صحيح

إضافة إلى إظهار القوة والنشاط إذ هو أنشط للإنسان مما لو التحف والتف برداءه

ولا يفعل الإضطباع إلا إذا شرع في الطواف وليس من حين أن يحرم كما يفعل البعض يبتدئ المعتمر بطواف العمرة ولا يصلي تحية المسجد لأن من دخل المسجد للطواف أغناه الطواف عن تحية المسجد ومن دخله للصلاة أو الذكر أو القراءة أو ما أشبه ذلك فإنه يصلي ركعتين كما لو دخل أي مسجد آخر

ويطوف القارن والمفرد للقدوم وليس هذا بواجب أعني طواف القدوم في حقهما

ودليل ذلك حديث عروة بن مضر رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الفجر في مزدلفة فأخبره أنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقدتم حجة وقضى تفثه . أخرجه الإمام أحمد وقال الترمذي حديث حسن صحيح

ولم يذكر طواف القدوم فدل هذا على أنه ليس بواجب

وسمي طواف القدوم لأنه أول ما يفعل عند قدوم الإنسان إلى مكة ولهذا ينبغي أن يبدأ به قبل كل شيء قبل أن يحط رحله فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة عمد إلى البيت وأناخ راحلته وطاف

ولكن إذا شق على الإنسان هذا العمل وأراد أن يذهب إلى مكان سكناه ويحط رحله فلا حرج فالمسألة مبناها السنية فقط فعند ابتداء الطواف يحاذي الحجر الأسود أي يوازيه

والحجر الأسود هو الذي في الركن الشرقي الجنوبي من الكعبة ويوصف بالأسود لسواده وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نزل من الجنة أشد بياضاَ من اللبن ولكن سودته خطايا بني آدم . أخرجه أحمد وصححه الترمذي فلا ينبغي أن يخطو الإنسان خطوة واحدة قبل الحجر الأسود بل يبتدئ من الحجر

ويستلمه أي يمسه بيده وهذا هو الاستلام لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال :" لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين . أخرجه البخاري ومسلم

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من فاوضه . أي الركن الأسود فإنما يفوض يد الرحمن . حسنه بعض المشائخ وأورده الحافظ المنذري وعن ابن عباس قال إن هذا الركن الأسود يمين الله عز وجل . أخرجه عبد الرزاق في المصنف وقال شيخ الإٍسلام في شرح العمدة 2/435 بإسناد صحيح ويقبل الحجر الأسود لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبله . أخرجه البخاري ، فنقبله تعظيماً لله عز وجل ومحبة له سبحانه

وقد قال مجنون ليلى

أمر على الديار ديار ليل*** أقبل ذا الجدار وذا الجدار

وما حب الديار شغفن قلبي***ولكن حب من سكن الديارا

فالإنسان إذا أحب شخصاً أحب مسكنه

وأحب القرب منه فكذلك كان تقبيله للحجر الأسود محبة لله عز وجل وتعظيماً له ومحبة للقرب منه سبحانه وتعالى

وإن شق عليه تقبيل الحجر فإنه يستلمه بيده ويقبل يده لما روى نافع قال رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. أخرجه مسلم

وإن شق اللمس أشار إليه وإذا أشار إليه فإنه لا يقبل يده لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم: على بعير كلما أتى على الركن أِشار إليه بشيء في يده وكبر

ويقول عند ابتداء الطواف بسم الله والله أكبر لما روى ابن عبد الرازق والبيهقي أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا استلم الركن قال بسم الله والله أكبر

ويقول يعد البسملة والتكبير اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك وإتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم كما كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول ذلك

ولما روى أبو داود في مسائله من طريق المسعودي عن ابن اسحاق قال كان علي إذا استلم الحجر يقول :" تصديقاً بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم . أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس

أما الطوافات الأخرى فإنه يكبر كلما حاذى الحجر إذ أن البسملة في الشوط الأول فقط أما البقية فيكبر فقط إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والإشارة باليد اليمنى كما أن المسح باليد اليمنى لا أن تشير إليه كأنما تشير في الصلاة أي ترفع اليدين قائلاً الله أكبر لا يفعل ذلك وعند الإِشارة يستقبله لأن هذه الإشارة تقوم مقام الاستلام والتقبيل

والاستلام والتقبيل يكون الإنسان مستقبلاً له لكن إذا شق لكثرة الزحام فلا حرج أن يشير وهو ماشي إذا الحجر له سنتان سنة فعليه وسنة قوليه

وإذا طاف يجعل البيت عن يساره والدليل على ذلك ما يلي

أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف وجعل البيت عن يساره وقال لتأخذوا عني مناسككم

ثانياً: باب الكعبة من المشرق والباب هو وجه الكعبة وخلفه دبر الكعبة

ثالثاً: أن القلب من جهة اليسار وهو بيت تعظيم الله عز وجل ومحل تعظيم الله عز وجل ومحبته فصار من المناسب أن يجعل البيت عن يساره ليقرب محل ذكر الله وعبادته وتعظيمه من البيت المعظم فيكون القلب موالياً للبيت إذ جعل الكعبة عن يساره

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-6 -12

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة