الدرس 97: باب دخول مكة 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 14 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 1755 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

يطوف سبعاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتكون كاملة لا تقل فلو نقص خطوة واحدة من أوله أو آخره لم يصح كما لو نقص شيئاً من الصلاة الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية فإنها لا تصح

يرمل من أحرم بعيداً عن مكة حتى لو كان من أهل مكة ثلاثاً ثم يمشي أربعا

مثاله: من أحرم من قرن المنازل أو يلملم أو ذات عرق أو الجحفة أو ذي الحليفة فإنه يرمل في طواف القدوم ثلاثة أشواط ثم يمشي أربعا وذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وسبب هذا الفعل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة قالت قريش إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب أي ضعفتهم ويثرب هي المدينة والحمى مرض معروف وكانت الحمى في المدينة شديدة حتى دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن ينقل حماها إلى الجحفة ففعل سبحانه وتعالى لكن قريشاً أعداء والعدو يحب الشماتة بعدوه قالوا اجلسوا ننظر هؤلاء الذين قدموا عليكم وقد أضعفتهم الحمى وجلسوا نحو الحجر أي من الناحية الشمالية من الكعبة لأجل أن يطلعوا على ما زعموه من ضعف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة

والرمل ليس هز الكتفين بل هو المشي بقوة ونشاط بحيث يسرع لكن لا يمد خطوة بل يقارب الخطا

فلما رأت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرملون هذا الرمل قالوا إنهم أشد جرياً ومشياً من الغزلان أي الظباء فغاظهم ذلك وحزنوا حيث كانوا يتوقعون في الأول أنهم ضعفاء فتبين أنهم أقوياء .أخرجه البخاري

وكان الرمل في عمرة القضاء من الحجر الأسود إلى الركن اليماني. أخرجه البخاري

ثم يمشون ما بين الركنين لأنهم إذا انحرفوا عن الركن اليماني غابوا عن أنظار قريش فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى قوتهم وأن يمشوا ما بين الركعتين

فلطف بهم النبي صلى الله صلى الله وسلم من وجهين

الوجه الأول: أنه خص الرمل بالأشواط الثلاثة الأولى فقط

الوجه الثاني: أمرهم أن يمشوا بين الركنين اليماني والحجر الأسود فهذا أصل مشروعية الرمل

وإذا دار الأمر بين أن يرمل مع البعد عن الكعبة وبين أن يمشي مع القرب من الكعبة فإنه يرمل ولو بعد عن الكعبة لأن مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من المراعاة المتعلقة بزمانها أو مكانها

وهذه القاعدة لها أمثلة

مثال ذلك: لو أن رجلاً حين دخل عليه وقت الصلاة وهو حاقن أو بحضرة طعام فالأولى أن يقضي حاجته ويأكل طعامه ولو أدى ذلك إلى تأخير الصلاة عن أول وقتها لأننا راعينا نفس العبادة دون أول الوقت لأنه إذا صلى فارغ القلب مقبلاً على صلاته كانت الصلاة أكمل

مثال آخر : لو أن شخصاً أراد أن يصلي في الصف الأول وحوله ضوضاء وتشويش أو حوله رجل له رائحة كريهة فالأولى أن يتجنب الضوضاء والرائحة الكريهة ولو أدى ذلك إلى ترك الصف الأول لأن هذا يتعلق بذات العبادة

يستلم الحجر والركن اليماني كل مرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلمها في كل مرة من طوافه

إلا في الشوط الأخير فإنه لا يستلم الحجر الأسود

لأنه إذا مر بالركن اليماني مر وهو في طوافه وإذا انتهى إلى الحجر الأسود انتهى طوافه ولهذا لا يستلم الحجر الأسود ولا يكبر أيضاً في الشوط الأخير لأن التكبير تابع للاستلام ولا استلام الآن والتكبير في أول الشوط وليس في آخر الشوط

ويستلم الحجر والركن اليماني كل مرة والحجر معروف والركن اليماني سمي يمانياً لأنه من جهة اليمن ويطلق عليه هو والحجر الركنان اليمانيان فالكعبة ذات أركان أربعة الحجر والركن اليماني والشمالي والغربي فيستلم الركن اليماني والحجر

ولا يستلم الركن الشمالي والغربي

والحكمة من أنه لم يستلم الأركان الأربعة أن الركن الشمالي والغربي ليسا على قواعد إبراهيم عليه السلام فلذلك لم يستلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أن البيت كان ممتداً نحو الشمال من قبل لكن لما عمرته قريش قصرت بهم النفقة فرأو أن يحطموا الجزء الشمالي من الكعبة لأنه لا سبيل لهم إلى يحطموا الجزء الجنوبي لأن فيه الحجر الأسود ولا إلى الركن اليماني ولا إلى الركن الغربي لأنهم لو حطموا الكعبة من هناك لصارت الكعبة مستطيلة طولاً لا يتناسب مع العرض وإلا فالركن اليماني سيبقى ركناً يمانياً حتى لو حطم من الجهة الغربية لكن تبقى غير الكعبة لأن الكعبة هي البناء المربع أي القريب من التربيع

وعند استلامه الركن اليماني لا يقول شيئاً لا تكبير ولا غيره لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم

ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " أخرجه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي من حديث عبد الله بن السائب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول بين الركن والحجر" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ، قال شيخ الإسلام رحمه الله والمناسبة في ذلك أن هذا الجانب من الكعبة هو آخر الشوط وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم دعاءه غالباً بهذا الدعاء ومن ترك خطوة واحدة أو شبراً واحداً من الطواف لم يصح لكن إذا تركه من شوط وذكر المتروك في أثناء الطواف فإنه يلغي الشوط الذي ترك منه ذلك ويقع ما بعده بدلاً منه

ومن شك في عدد أشواط الطواف أثناء الطواف فإنه يعمل بغلبة الظن كالصلاة

أما بعد الفراغ من الطواف والانصراف عن مكان الطواف فإن الشك لا يؤثر ولا يلتفت إليه ما لم يتيقن

مثال ذلك: رجل انصرف من الطواف على أنه تم طوافه ثم شك هل طاف سبعاً أو ستاً

فنقول له لا تلتفت لهذا الشك لأن الشيطان ربما يأتي الإنسان بعد فراغه من العبادة ليلبس عليه دينه فيشككه ولو أن الإنسان التفت إلى مثل هذا الشك لفسدت عليه عباداته وصار دائماً في قلق وانفتح عليه باب الوسواس والشيطان يحرص على أن يكون الإنسان دائماً في قلق وفي حزن قال تعالى:" إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا " أي ليدخل عليهم الحزن قال تعالى :" وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله

ومن طاف على جدار الحجر أو دون جدار الحجر من الداخل لم يصح لأن الحجر ليس كله من الكعبة فليس من الكعبة إلا مقدار ستة أذرع وشيء وقربه بعضهم فقال إذا ابتدأ الإنحناء من الحجر يكون خارج الكعبة ومن المستوي يكون داخل الكعبة

قال شيخ الإسلام في الاختيارات ص 49: والحجر جميعه ليس من البيت وإنما الداخل في حدود البيت ستة أذرع وشيء فمن استقبل ما زاد على ذلك لم تصح صلاته

والحجر معروف وهو البناء المقوس من شمالي الكعبة ويسمى عند العامة حجر إسماعيل وسبحان الله كيف يكون حجر إسماعيل وإسماعيل لم يعلم به وقد بني بعده بأزمان كثيرة لأن سبب بنائه كما ثبت في الصحيح أن قريشاً لما بنت الكعبة قصرت بهم النفقة وقد اجمعوا على أن يكون البناء من كسب طيب فقالوا لا بد أن نبني البعض وندع البعض وأنسب شيء يدعونه أن يكون الناحية الشمالية وجعلوا هذا الجدار وسمي الحجر لأنه محجر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة " لو لا أن قومك حديث عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم وجعلت لها بابين باباً يخرج منه الناس وباباً يدخلون منه. رواه البخاري

لكن ترك ذلك خوفاً من الفتنة ولما تولى الخلافة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه هدم الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم عليه السلام وجعل لها بابين باباً يدخلون منه وباباً يخرجون منه وأدخل الحجر في بناء الكعبة ثم إنها هدمت في عهد عبد الملك بن مروان وأعيدت على ما كنت عليه في الجاهلية من باب مخالفة بناء ابن الزبير لما كان حاكماً للحجاز والذي استمر ثمان سنوات لكن عبد الملك فيما بعد علم أن فعل ابن الزبير هو الصحيح فندم على هدمها وبناءها من جديد

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-6 -14

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة