الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛
قوله:" وإن قتل صيدا مأكولا بريا أصلا ولو تولد منه ومن غيره أو تلف في يده فعليه جزاؤه ولا يحرم حيوان إنسي ولا صيد البحر ولا قتل محرم الأكل ولا الصائل ".
من محظورات الإحرام قتل الصيد المأكول فإن قتله فعليه فدية وإن كان غير مأكول فليس فيه فدي، وغير المأكول ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما أمر بقتله.
القسم الثاني: ما نهي عن قتله
القسم الثالث: ما سكت عنه
فأما ما أمر بقتله مثل الخمس التي نص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:" خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور". متفق عليه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منسكه (ص29 ):" وللمحرم أن يقتل ما يؤذي بعادته الناس كالحية والعقرب والفأرة والغراب والكلب العقور"
وقال في شرح العمدة (1/136) : " وجملة هذا أن ما آذى الناس أو آذى أموالهم فإن قتله مباح سواء كان قد وجد منه الأذى كالسبع الذي قد عدا على المحرم أو لا يؤمن أذاه مثل الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور فإن هذه الدواب ونحوها تدخل بيت الناس من حيث لا يشعرون ويعم بلواهم بها فأذاهم بها غير مأمون قال أصحابنا قتلها مستحب".
فنص الرسول صلى الله عليه وسلم على هذه الخمسة يتناول ما في معناها أو أشد منها.
القسم الثاني : ما نهي عن قتله مثل: النملة والنحلة والهدهد والصرد، فلا تقتل لا في الحل ولا في الحرم، فالنملة والنحلة والهدهد لا يحتاج كل منهم إلى تعريف، أما الصرد فهو طائر صغير فوق العصفور منقاره أحمر ويعرفه أهل الطيور.
القسم الثالث: ما سكت عنه فإن آذى ألحق بالمأمور بقتله لأن المؤذي يقتل ولو كان من بني آدم إذا كان صائلاً يريد قتلك أو عرضك أو مالك فإن قاتلك فقاتله إن قتلك فأنت شهيد وأن قتلته فهو في النار.
فأجاز بعضهم قتله ، (ينظر شرح العمدة 1/146 )؛ لأن ما سكت عنه الشارع فهو مما عفا عنه، وكرهه بعضهم وبه قال القاضي من الحنابلة (1/146) :" لأن الله خلقه لحكمة فلا ينبغي أن تقتله "، وهو الأحسن مثل الذباب والصراصير والخنفساء والجعلان وما أشبهها لكن إذا كانت تؤذي مثل صراصير الحمام إذا جلست تصعد على ساقيك وعلى ثوبك وربما تعلو على رأسك فلك أن تقتلها والذباب لك أن تقتله لأن فيه أذية، والدليل على أنه لا يجوز قتل الصيد للمحرم قوله تعالى :" يا أيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم " ( المائدة آية 95)
ومن السنة أن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال:" نزل به النبي صلى الله عليه وسلم ضيفاَ في طريقه إلى مكة في حجة الوداع وكان الصعب عداءً سبوقاً صياداً فذهب وصاد حماراً وحشياً وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الرسول رده فتغير وجه الصعب فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما في وجهه فقال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ". أخرجه البخاري
والمحرم إذا صيد الصيد من أجله فالصيد عليه حرام، لكن لم يمنع الصعب أكله لأن الصعب صاده وهو حلال وصيد الحلال حلال.
قوله:"ولا يحرم حيوان إنسي".
ولا يحرم حيوان إنسي أي ليس برياً أصلاً مثل الإبل والبقر والغنم والدجاج كل هذه لا تحرم.
قوله: "ولا صيد البحر ".
لا يحرم صيد البحر لقوله تعالى:" أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " (المائدة آية 96)
فإذا أحرم من رابغ مثلاً ومر بسيف البحر وصاد سمكاً فليس حراماً ولو أن محرماً قتل محرم الأكل فلا فدية عليه مثل الهر لأن الهر محرم الأكل فلو أن محرماً قتله فليس عليه جزاء لأنه لا قيمة له وليس بصيد فلا يدخل تحت قوله تعالى :" وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " (المائدة آية 96)
قوله:"ولا الصائل".
لا يحرم قتل الصائل فلو صال عليك غزال وخفت على نفسك ودافعته وأبى إلا أن يقتلك فقتلته فلا شيء عليك لأنك دفعته لأذاه وكل مدفوع لأذاه فلا حرمة له ولا قيمة وكل ما أبيح إتلافه لصوله فإنه يدافع بالأسهل فالأسهل فإذا أمكن دفعه بغير القتل دفع وإلا قتل.
ومن ذلك لو نزلت شعرة بعينه أي نبتت في الجفن من الداخل وصارت تؤذي عينه وأزالها بالمنقاش فلا شي عليه.
وكذا لو انكسر ظفره وصار يؤذيه كلما مسه شيء آلمه فقص المنكسر فلا شيء عليه لأنه دفعه لأذاه حتى ولو كان آدمياً وصال عليك ولم يندفع إلا بالقتل فلك أن تقتله
والمحرم لو صاد في حال تحريمه عليه فليس له أكله لأنه محرم لحق الله
والمحرم إذا قتل الصيد فهو حرام عليه وعلى غيره لأنه بمنزلة الميتة لكن لو اضطر إلى ذلك فذبح الصيد فيحل له لأنه لا تحريم مع الضرورة فلو أن محرماً هلك مع الجوع ولم يبق عليه إلا ن يموت أو يقتل هذه الغزالة أو الأرنب نقول لك أن تقتلها وإذا قتلها فهي حلال يتزود منها
قوله:"ولا قتل محرم الأكل".
إذا صاد المحل صيدا وأطعمه المحرم فيحل للمحرم الأكل منه لأن المحرم ليس له أثر في الصيد لا دلالة ولا إعانة ولا مشاركة ولا استقلال ولا صيد من أجله وهذا هو المذهب.
ويؤيد ذلك قصة أبي قتادة رضي الله عنه حين ذهب مع سرية له إلى سيف البحر عام الحديبية فرأى حماراً وحشياً فركب فرسه فنسى رمحه وقال لأحد أصحابه :" ناولني الرمح قال ما أناولك إياه أنا محرم فنزل وأخذه فضرب الصيد فجاء به إلى أصحابه فأطعمهم إياه ولكن صار في قلوبهم شك حتى وصولوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فأذن لهم في أكله مع أنهم حرم ". أخرجه البخاري
فيجمع بينه وبين حديث الصعب بن جثامة بأن أبا قتادة صاده لنفسه، وأن الصعب صاده للنبي صلى الله عليه وسلم .
قوله:" ويحرم عقد النكاح ولا يصح، ولا فدية وتصح الرجعة وإن جامع المحرم قبل التحلل الأول فسد نسكهما ويمضيان فيه ويقضيانه ثاني عام وتحرم المباشرة فإن فعل فأنزل لم يفسد حجه وعليه بدنة "لكن يحرم من الحل لطواف الفرض "
ويحرم على المحرم عقد نكاح على الذكور والإناث، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب ." أخرجه مسلم ، وسواء كان المحرم الولي أو الزوج أو الزوجة فالحكم يتعلق بهؤلاء الثلاثة، أما الشاهدان فلا تأثير لإحرامهما لكن يكره أن يحظرا عقده إذا كانا محرمين فإن عقد النكاح في حق المحرم منهم حرام
فالأقسام كما يلي:
أولاً: عقد محل على محرمه فالنكاح حرام.
ثانياً: عقد محرم على محله فالنكاح حرام.
ثالثاً: عقد محرم لمحلة ومحل فالنكاح حرام.
فهذه الأقسام الثلاثة لا يصح فيها النكاح وهذا رأي المذهب؛ لأن النهي وارد على عين العقد وما ورد النهي على عينه فإنه لا يمكن تصحيحه.
(مسألة) : لو أنه عقد النكاح في حال الإحرام ثم بعد الإحلال دخل الرجل بزوجته أو أنجبت منه أولاداً فلا بد من عقد جديد ويكون وطؤه الأول بشبهة وأولاده أولاد شرعيون أي ينسبون إليه شرعاً كما أنهم منسوبون إليه قدراً ولا فدية عليه بل فيه الإثم وعدم صحة النكاح.
(مسألة): إذا عقد وهو لا يدري أن عقد النكاح في حال الإحرام حرام فلا إثم عليه ولا يصح العقد.
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين