الدرس 161: باب قول الله تعالى: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 10 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 2128 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قال المصنف : وقوله :" الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ "(الفتح 6)

قال ابن كثير:" يتهمون الله تعالى في حكمه، ويظنون بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية ، ولهذا قال :"عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ".

قال المصنف :" قال ابن القيم في الآية الأولى:" فُسِّرَ هذا الظنُّ بأنه سبحانه لا ينصر رسولَه، وأن أمره سيضمحل، وفسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته، ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يظهره على الدين كله وهذا هو ظن السَّوْءالذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح ، وإنما كان هذا ظن السوء ؛ لأنه ظنُّ غيرِ ما يليق به سبحانه ، وما يليق بحكمته وحمده، ووعده الصادق ،فمن ظنَّ أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحقُّ، أو أنكر أن ما جرى بقضائه وقدره، أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة فـ"ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ "(ص 27). وأكثر الناس يظنون بالله ظن السَّوْء فيما يختص بهم ، وفيما يفعله بغيرهم ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجبَ حكمته وحمده، فاليعتنِ اللبيبُ الناصحُ لنفسه بهذا وليتبْ إلى الله وليستغفره من ظنه بربه ظن السوء، ولو فتشت مَن فتشت لرأيتَ عنده تعنتا على القدر وملامةً له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقلٌ ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم؟ ،

فَإنْ تَنجُ مِنْهَا تنج مِنْ ذِى عَظِيمَةٍ * وَإلاَّ فَإنِّى لاَ إخَالُكَ نَاجِيَاً ".
ذكر المصنف قول ابن القيم بتصرف من كتاب زاد المعاد (ص3/205)

قول ابن القيم :"فُسِّر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسولَه ...،" هذا تفسير غير واحد من المفسيرن ، وهو مأخوذ من تفسير قتادة والسدّي وذكر ذلك عنهما ابن جرير وغيره بالمعنى.

وقوله :"وأن أمره سيضمحل،" الاضمحلال ذهاب الشيء جملة أي سيذهب جملة حتى لا يبقى له أثر.

قوله :" وفسر بأن ما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته" قال القرطبي : وقال جويبر: عن الضحاك عن ابن عباس في قوله " يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ "(آل عمران 154) يعني التكذيب بالقدر وذلك أنهم تكلموا فيه ، فقال الله " قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ " (آل عمران 154)، يعني القدر خيره وشره من الله.

قوله :"لأنه ظنُّ غيرِ ما يليق به سبحانه "أي لأن الذي يليق به سبحانه أنه يظهر الحق على الباطل وينصره ، فلا يجوز في عقل ولا شرع أن يظهر الباطل على الحق ، قال تعالى "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ "(الأنبياء 18)، وقال تعالى "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا "(الأسراء81) .

قوله :"ولا يليق بحكمته وحمده"، أي إن الذي يليق بحكمته وحمده أن لا يكون في السموات ولا في الأرض حركة ولا سكون إلا وله في ذلك الحكمة البالغة .

قوله:" فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق" هذا ظن السوء ، فإن حمده وحكمته تأبى لك وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين المعاندين له.

قوله :"أو أنكر أنَّ ما جرى بقضائه وقدره" أي فذلك ظن السوء؛ لأنه نسبة له إلى ما لا يليق بربوبيته وملكه وعظمته .

قوله:"أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة فـ"ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ" (ص27).

أن تلك الأسباب المكروهة المفضية إليها لا يخرج تقديرها عن الحكمة لانضمامها إلى ما يحب ، وإن كانت مكروهة له فما قدرها سدى ولا شاءها عبثا ولا خلقها باطلا "ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ" (ص27) .

قوله :"وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم ، وفيما يفعله بغيرهم "من ظن به خلاف ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله أو عطَّل حقائق ما وصف به نفسه ووصف به رسله فقد ظنَّ به ظن السوء.

قوله :"ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتا على القدر وملامة له وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا،"بل يبوحون بذلك ويصرحون به جهارا في أشعارهم وكلامهم.

قوله "وفتش نفسك هل أنت سالم؟" قال ابن القيم : أكثر الخلق إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق وظن السوء فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله.

قوله "فإنْ تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمة" أي من هذه الخصلة العظيمة .

قوله"من ذي عظيمة"أي تنجو من شر عظيم.

قوله "وإلَّا فإنّي لا إخالُكَ ."بكسر الهمزة أي أظنك ، فالواجب على المسلم أن يفتش نفسه ويحاسبها؛ لعله يسلم من هذا البلاء، ولهذا من فتش نفسه وجد عندها عيوبا ووجد عندها اعتراضا على القدر وعجبا بنفسه وبأعماله إلا من عصمه الله .

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/6/10هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر