الدرس الستون: كتاب الجنائز (1)

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 10 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1388 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله :"كتاب الجنائز" الجنائز جمع جنازة وهي بفتح الجيم وكسرها بمعنى واحد .

مسألة: هل يسأل المريض كيف يصلي وكيف يتطهر أول نقول إن هذا من باب التدخل فيما لا يعني؟

الجواب: إن كان المريض من ذوي العلم الذين يعرفون فلا حاجة أن تذكره لأنه سيحمل تذكيرك إياه على إساءة الظن به وأما إذا كان من العامة الجهال فهنا يحسن أن يبين له

مسألة : هل يؤمر المريض بالتداوي

يجب إذا كان تركه هلاك له مثل السرطان الموضعي والسرطان الموضعي بإذن الله إذا قطع الموضع الذي فيه السرطان فإنه ينجو منه لكن إذا ترك انتشر في البدن وكانت النتيجة هي الهلاك إلا أن يشاء الله

فهذا دواء معلوم النفع لأنه موضعي يقطع ويزول بإذن الله وعلى هذا فما علم نفعه أو غلب الظن نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه فيجب التداوي

ثانياً: ما غلب على الظن نفعه ولكن ليس هناك هلاك محقق بتركه فالأفضل التداوي

ثالثاً: ما تساوى فيه الأمران فالتداوي أفضل لئلا يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر

وقال مؤلف الروض المربع منصور البهوتي: يكره أن يستطب مسلم ذمياً لغير ضرورة وأن يأخذ منه دواء لم يبين له مفرداته المباحة أي يكره أن تذهب إلى ذمي أي يهودي أو نصراني عقدنا له الذمة لتداوي عنده لأنه غير مأمون

ولهذا نقول إن استطباب غير المسلمين لا يجوز إلا بشرطين

أولاً: الحاجة إليهم

ثانياً: الأمن من مكرهم لأن غير المسلمين لا نأمن مكرهم إلا نادراً ولا سيما في قضية الولادة

وتفصيل رأي العلماء في التداوي

مذهب الحنابلة ترك التداوي أفضل

الشافعي يسن التداوي

وعند أبي حنيفة يجب التداوي إذا ظهر نفعه والجمع بين هذه الآراء ذكرته آنفا

وعيادة المريض واجب كفائي إذا قام به البعض سقط عن الباقين وهذا اختيار شيخ الإٍسلام ابن تيمية لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها من حق المسلم على المسلم وليس من محاسن الإسلام أن يمرض الواحد منا ولا يعوده أحد

وعيادة الابن لأبيه واجبة لأنها يتوقف عليها البر وكذا عيادة الأخ لأن الواجب ليس لأجل المرض ولكن من أجل الصلة في القرابة والعلماء يقولون عيادة المريض ولم يقولوا زيارة لأن الزيارة للصحيح والعيادة للمريض

واختير لفظ العيادة للمريض من أجل أن تكرر لأنها مأخوذة من العود وهي الرجوع للشيء مرة بعد أخرى والمرض قد يطول فيحتاج الإنسان إلى تكرار العيادة

ومن مرض مرضاً لا يحبسه عن الخروج مع الناس فإنه لا يحتاج إلى عيادة لأنه يشهد الناس ويشهدونه إلا إذا علم أن هذا الرجل يخرج إلى السوق أو إلى المسجد بمشقة شديد وأنه بعد ذلك يبقى في بيته فهنا نقول عيادته مشروعة

والمصاب بالمرض إن كان غير المسلم فلا يعاد إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك بحيث نعوده لنعرض عليه الإسلام فهنا تشرع عيادته لما روى أنس رضي الله عنه قال كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار. أخرجه البخاري

وأما الفاجر من المسلمين بكبيرة من الكبائر أو بصغيرة من الصغائر وأصر عليها فعيادته مشروعة ما دام أنه لم يخرج من وصف الإيمان أو الإسلام لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس . وفي رواية لمسلم حق المسلم على المسلم ست قيل ما هي يا رسول الله : قال إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه

وتتأكد مشروعية عيادة الفاسق إن كنا نعوده من أجل أن نعرض عليه التوبة أو نرجوها منه

وتشمل عيادة المريض القريب والبعيد أي القريب لك بصلة قرابة أو مصاهرة أو مصادقة والبعيد للعموم لأن هذا حق مسلم على مسلم لا قريب على قريب

ولكن كلما كانت الصلة أقوى كانت العيادة أشد إلحاحاً وطلباً ومن المعلوم أنه إذا مرض أخوك الشقيق فليس كمرض ابن عمك البعيد وكذلك إذا مرض من بينك وبينه مصاهرة أي صلة بالنكاح فليس كمن ليس بينك وبينه مصاهرة وكذلك الذي بينك بينه مصادقة ليس كمن ليس بينك وبينه مصادقة فالحقوق هذه تختلف باختلاف الناس

أما بالنسبة للزمن المناسب لعيادة المريض فيختلف بحسب ما تقتضيه حالة المريض ومصلحته وكذلك فترة البقاء بجواره

ويسن أن يذكره بالتوبة والوصية مطلقاً ما لم يخف عليه لأن التوبة مشروعة في كل وقت والوصية كذلك قال صلى الله عليه وسلم ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده . أخرجه البخاري

ولو كان صحيحاً ينبغي له إذا ذكره الوصية أن يبين له الوصية المشروعة التي ليس لها آثار سيئة بأن يقول أوصي بما أراد الله في الأقارب لغير الوارثين على نظر الوصي ولبناء المساجد أو شراء كتب أو ما أشبه ذلك وتكون وصية منجزة لا تتأخر وكذا إذا عرف من حال المريض أنه متهاون بمظالم الناس وبما أوجب الله عليه فينبغي أن يذكره على وجه لا يزعجه لأن المريض ضعفت نفسه

مثلاً إذا كان مديناً يحسن أن يقال كتابة الديون والإشهاد عليها حسن

والآجال بيد الله وما أشبهه وإذا نزل به الملك لقبض روحه والملك الذي يقبض الروح هو ملك واحد يسمى ملك الموت لقوله تعالى:" قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم" وتسميته عزرائيل لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي من أخبار بني إسرائيل

ثم إن ملك الموت له أعوان يعينونه على إخراج الروح من الجسد حتى يوصلوها إلى الحلقوم فإذا أوصلوها إلى الحلقوم قبضها ملك الموت وقد أضاف الله تعالى الوفاة إلى نفسه وإلى رسله أي الملائكة وإلى ملك واحد قال تعالى:" الله يتوفى الأنفس حين موتها " سورة الزمر آية 42

وأضافها إلى ملك واحد في قوله تعالى :" قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم" سورة السجدة آية 11

وإلى الملائكة في قوله :" حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون" سورة الأنعام

ولا معارضة بين هذه الآيات فأضافه الله إلى نفسه لأنه واقع بأمره وأضافه إلى الملائكة لأنهم أعوان لملك الموت وأضافه إلى ملك الموت لأنه هو الذي يتولى قبضها من البدن

فإذا نزل به الملك لقبض روحه سن تعاهد بل حلقه بماء أو شرب ولكن ليس بالماء الكثير لأن الماء الكثير ربما يشرقه ويتضرر به ولكن بماء قليل نقط تنقط بحلقه

وذلك من أجل أن يسهل عليه النطق بالشهادة لأن المقام رأفة بهذا المريض الذي بين يديك فاسلك كل طريق يكون به أرفق

والحاضر ينبغي له مع تنقيط الماء في حلقه أن يندي شفتيه بقطنه لأن الشفة يابسة والحلق يابس يحتاج إلى تنديه

وتلقينه لا إله إلا الله مرة أي تعليمه إياها كما يلقن التلميذ

وينبغي في هذا أن ينظر إلى حال المريض فإن كان المريض قوياً يتحمل أو كان كافراً فإنه يؤمر فيقال قل لا إله إلا الله اختم حياتك بلا إله إلا الله وما أشبه ذلك وإن كان مسلماً ضعيفاً فإنه لا يؤمر

وإنما يذكر الله عنده حتى يسمع فيتذكر

وهذا التفصيل مأخوذ من الأثر والنظر

أما الأثر فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمه أبا طالب عند وفاته أن يقول لا إله إلا الله قال: يا عم قل لا إله إلا الله. أخرجه البخاري

لأنه إن قالها فهو كسب وإن لم يقلها فهو كافر فلو فرض أنه ضاق صدره بهذا الأمر ولم يقلها فهو باق على حاله لم يؤثر عليه شيء وكذا إذا كان مسلماً وهو من يتحمل فإن أمرنا إياه بها لا يؤثر عليه

وإن كان ضعيفاً فإن أمرنا إياه بها ربما يحصل به رد فعل بحيث يضيق صدره فيضعف فينكر وهو في حال فراق الدنيا

فبعض الناس في حال الحياة في غير حال الاحتضار إذا قلت له قل لا إله إلا الله قال لن أقول لا إله إلا الله

فعند الغضب يغضب بعض الناس حتى ينسى فيقول لا أقول لا إله إلا الله فما بالك بهذا الحال

وتلقينه لا إله إلا الله ولم يقل محمد رسول الله لأن هذا هو الذي ورد في الحديث : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله . أخرجه مسلم

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة .أخرجه البخاري وحسنه الألباني

فكلمة التوحيد مفتاح الإسلام وما يأتي بعدها فهو من مكملاتها وفروعها

ولم يلقنه أكثر من ثلاث لأنه لو زاد على ذلك ضجر لأنه سيقول لا إله إلا الله لا إله إلا الله لا إله إلا الله ثم يسكت فلو كرر ربما يتضجر المريض لأنه بحال صعبة لا يدركها إلا من كان على هذه الحال ولأن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم غالباً إذا تكلم تكلم ثلاثاً وإذا سلم سلم ثلاثاً وإذا استأذن استأذن ثلاثاً

فالثلاث عدد معتبر في كثير من الأشياء إلا أن يتكلم المريض المحتضر فإذا تكلم بعد أن قال لا إله إلا الله فإنه يعيد تلقينه لكن برفق كالأول

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -8

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر