الدرس السابع والستون: أحكام الزكاة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 13 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 2011 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

قول المصنف:"ولا زكاةَ في مالِ مَنْ عليه دينٌ يُنَقِّصُ النصابَ، ولو كان المالُ ظاهرًا.وكفارةٌ كدَيْنٍ ".

قوله:"ولا زكاةَ في مالِ مَنْ عليه دينٌ يُنَقِّصُ النصابَ،" أي لو كان عليه دين يُنقِّصُ النصابَ فلا زكاة عليه، والصحيح أن الزكاة واجبة، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دينا وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه ، فقد جاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: " هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤدِّه حتى تخرجوا زكاة أموالكم " صححه الألباني في إرواء الغليل.

قوله :" ولو كان المالُ ظاهرًا" المال الظاهر: هو الذي يمكن لغير مالكه معرفتُه، وإحصاؤه، ويشمل المحاصيل الزراعية من حبوب وثمار، والثروة الحيوانية من إبل، وبقر، وغنم، فالأموال الظاهرة: ما لا يمكن إخفاؤها.

قوله:"وكفارةٌ كَدَيْنٍ "أي: الكفارة مثل الدين ، فلو وجب على الإنسان كفارةٌ تنقص النصاب فلا زكاة عليه فيما عنده . فقد سألت امْرَأَةٌ مِن جُهَيْنَةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ:" إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ؛ أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها؛ أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ؛ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ. " رواه البخاري.

قوله:"وإنْ ملكَ نصابًا صغارًا انعقد حولُه حينَ مَلَكَهُ.وإن نقص النصابَ في بعض الحول أو باعَه أو أبدلَه بغير جنسه - لا فرارًا من الزكاة - انقطع الحولُ وإن أبدلَه بجنسه بنى على حوله"

قوله:"وإنْ ملكَ نصابًا صغارًا انعقد حولُه حينَ مَلَكَهُ "أي في المواشي لأنها تقع على الكبير والصغير. لكن لو تغذت باللبن فقط لم تجب الزكاة، لأنها غير سائمة؛ لعموم قوله عليه السلام « في كلِّ أربعين شاةً- شاةٌ، ،» صحيح أبي داود للألباني.

قوله:" إن نقص النصاب في بعض الحول ... انقطع الحولُ "،أي فلا زكاة لنقص النصاب .

قوله :"أو باعه " أي باع النصاب ، فإذا باعه في أثناء الحول انقطع فلا زكاة ، مثال ذلك: رجل عنده أربعون شاة سائمة وقبل تمام الحول باع شاةً ، فينقطع الحول. إلا إن كانت الغاية من البيع الفرارَ من الزكاة فَيُلْزَم بها. كذا قوله "أو أبدلَه بغير جنسه " انقطع الحول لما تقدم.

قوله:" لا فرارًا من الزكاة" المعنى أنه إن كان بيع النصاب وتبديله بغير جنسه لأجل الفرار من الزكاة فإنه لا ينقطع الحول؛ لأنه فعل ذلك تحيّلا على إسقاط الواجب. وفي الحديث "لا ترتَكِبوا ما ارتكبَتِ اليهودُ فتستحِلُّوا محارمَ اللهِ تعالَى بأدنَى الحِيَلِ " حسن إسناده ابن تيمية وابن كثير.

قوله:"وإن أبدلَه بجنسه بنى على حوله" أي لو أبدل النصاب بجنسه ، مثال ذلك من باع خمسين شاةً أسترالية بخمسين شاة نعيمية .فإنه لا ينقطع الحول؛ لأن الجنس واحد.

قول المصنف:"وتجبُ الزكاةُ في عين المالِ، ولها تعلُّقٌ بالذمَّة، ولا يعتبرُ في وجوبها إمكانُ الأداء، ولا بقاءُ المال، والزكاةُ كالدَّين في التَّرِكةِ "

قوله:"وتجبُ الزكاةُ في عين المالِ،ولها تعلُّقٌ بالذمَّة" أي أنها تجب في عين المال ولها تعلق بالذمة، فالإنسان في ذمته مطالب بها ، فهي واجبة في عين المال إلا أنه يستثنى من ذلك عروض التجارة فإنه لا تجب الزكاة في عينها بل في قيمتها، ولهذا لو أخرج زكاة العروض منها لم تجزئه بل يجب أن يخرجها من القيمة.

قوله:" ولا يعتبرُ في وجوبها إمكانُ الأداء " أي: لا يشترط لوجوب الزكاة أن يتمكن من أدائها ولهذا تجب في الدين مع أنه لا يمكن أن تؤدى منه وهو في ذمة المدين، ولكن لا يجب الإخراج حتى يتمكن من الأداء.

قوله :"ولا بقاءُ المال" أي: لا يعتبر في وجوبها بقاء المال، فلو تلف المال بعد تمام الحول ووجوب الزكاة فيه فعليه الزكاة ، سواء فرط أو لم يفرط . والصحيح أنه إن تعدى وفرط ضمن، وإلا فلا.

قوله :"والزكاةُ كالدَّين في التَّرِكةِ " أي إذا مات الرجل وعليه زكاة فإن الزكاة كالدين لا يستحق الوارث شيئاً إلا بعد أداء الزكاة لقوله صلى الله عليه وسلم: اقضوا الله فالله أحقُّ بالوفاء. أخرجه البخاري .

قول المصنف " بابُ زكاةِ بهيمةِ الأنعامِ: تجبُ في إبلٍ وبقرٍ وغنمٍ إذا كانت سائمةً الحولَ أو أكثرَه فيجبُ في خمسٍ وعشرين من الإبل بنتُ مخاضٍ ، وفيما دونَها في كلِّ خمسٍ شاةٌ "

قوله:"باب زكاة بهيمة الأنعام:" بهيمة الأنعام ثلاثة أصناف: الإبل والبقر والغنم، والغنمُ تشملُ المَعْزَ والضأن .

قوله " تجبُ في إبلٍ وبقرٍ وغنمٍ إذا كانت سائمةً الحولَ أو أكثرَه" (سائمة) الجمع سوائم ، والسائمة : كل ماشية ترسل للرعي ولا تعلف، و كونها سائمةً الحولَ فظاهرٌ وأما كونها سائمة أكثر الحول فلأن الأقلَّ يأخذ حكم الأكثر فالاعتبار بالأكثر. فإذا كان لدى الإنسان إبل ترعى كل الحول سائمة ففيها زكاة، كذا إن كانت ترعى أكثر الحول سائمةً ، مثال ذلك: إبل ترعى سائمةً سبعةَ أشهر ويعلفها خمسة أشهر.ففيها زكاة .

والدليل على اشتراط السوم حديث أنس بن مالك في الكتاب الذي كتبه أبو بكر في الصدقات:"وفي صَدَقةِ الغَنَمِ- في سائِمَتِها إذا كانت أربعينَ إلى عشرينَ ومئةٍ- شاةٌ، فإذا زادت على عشرينَ ومئةٍ إلى مِئتينِ، شاتان، فإذا زادت على مِئتينِ إلى ثلاثِمئةٍ، ففيها ثلاثُ شِياهٍ، فإذا زادت على ثلاثِمئة، ففي كلِّ مئةٍ شاةٌ، فإذا كانت سائمةُ الرَّجُلِ ناقصةً من أربعينَ شاةً واحدةً؛ فليس فيها صدقةٌ إلَّا أن يشاءَ ربُّها" (صحيح البخاري).

قوله:"فيجبُ في خمسٍ وعشرين من الإبل بنتُ مخاضٍ، (بنت مَخاض)، بفتح الميم، وهي البكرة التي استكملت السنة الأولى ودخلت في الثانية ، وسميت بنت مخاض ؛ لأن الغالب أن أمها قد حملت فهي ماخض، أي حامل.

قوله :" وفيما دونَها في كلِّ خمسٍ شاةٌ " أي فيما هو أقلُّ من خمس وعشرين في كلِّ خمسٍ شاةٌ ، ففي الحديث :"في أرْبَعٍ وعِشْرِينَ مِنَ الإبِلِ فَما دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ، مِن كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ" (صحيح البخاري).

قوله:"وفي ستٍ وثلاثينَ بنتُ لَبون " (بنت لبون)، هي التي أتمَّتْ سَنتَينِ ودخَلَتْ في الثالثةِ. وسميت بذلك؛ لأن الغلب أن أمها قد ولدت فأصبحت ذات لبن.

قوله:"وفي ستٍ وأربعين حِقَّةٌ" الحِقَّةُ بكسر الحاء وتشديد القاف مع فتحها، وهي الإبل التي استكملت السنة الثالثة ودخلت في الرابعة.

قوله:" وفي إحدى وستين جَذَعة " الجذعة من الإبل هي التي استكملت السنة الرابعة ودخلت في الخامسة، والجمع جذاع وجذعان.

قوله :" وفي ستٍ وسبعينَ بنتا لَبون" فلو أخرج بنت لبون وابن لبون لم يجزئ ؛ لأن الأنثى أغلى من الذكر.

قوله:" وفي إحدى وتسعينَ حِقَّتان ،فإذا زادتْ على مائةٍ وعشرينَ واحدةً فثلاثُ بناتِ لَبُون، ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حِقَّةٌ "ثم بعد ذلك تستقر الفريضة، كلما زادت عشرا تتغير الفريضة.

قول المصنف:" فصل: ويجب في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي أربعين مسنة، ثم كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة، ويجزئ الذكر هنا، وابن لبون مكان بنت مَخاض، وإذا كان النصاب كله ذكورا".

قوله:"ويجب في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي أربعين مسنة، "يبدأ نصابُ البَقَرِ من ثلاثين بقرةً، وفيها تبيعٌ أو تبيعة، والتبيعُ الذكرُ والتبيعةُ الأنثى ، لكل واحد منهما سنة. والمسنة أنثى لها سنتان .

قوله:" ويجزئ الذكر هنا، " أي في زكاة البقر ففي ثلاثين من البقر يجزئ تبيع.

قوله:" وابن لبون مكان بنت مَخاض،وإذا كان النصاب كله ذكورا" الذكر يجزئ في ثلاثة مواضع، وهي :

أولا: التبيع في ثلاثين من البقر.

ثانيا : ابن اللبون مكان بنت المخاض إذا لم يكن عنده بنت مخاض.

ثالثا: إذا كان النصاب كله ذكورا فإنه يجزئ أن يخرج منها ذكرا.

قول المصنف:"فصل: في زكاة الغنم ويجب في أربعين من الغنم شاة وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه ثم في كل مائة شاة "

قوله "ويجب في أربعين من الغنم شاة" أقلُّ نصاب الغنم أربعون شاةً.

قوله:"وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه ثم في كل مائة شاة " أي إذا زادت على مائتين وواحدة ففي كل مائة شاة ، فتستقر الفريضة على ذلك.

قوله:"والخُلطة تصير المالين كالواحد" الخُلطة بضم الخاء لُغةً: المَزجُ، واصطلاحًا: هي اجتماعُ نِصابَيْ نوعِ نَعَمٍ لمالكينِ فأكثَرَ، فيما يوجِبُ تزكيَتَهما على مالكٍ واحدٍ، والخُلطةُ لها تأثيرٌ في الزَّكاة، إيجابًا وتغليظًا، وتخفيفًا فتصيرُ الأموالُ كالمالِ الواحِدِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ. دليله :

1-عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، كتَبَ له التي فرَضَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (وما كان من خَليطينِ؛ فإنَّهما يتراجعانِ بينهما بالسَّوِيَّ ) أخرجه البخاري.

وجه الدَّلالة:
أنَّه قال: يتراجعانِ بينهما بالسَّوِيَّة، ولا يصحُّ ذلك إلَّا في الخليطينِ؛ تُؤخَذُ صدقةُ أحَدِهما من ماشيةِ أحَدِهما، فيرجِعُ الذي أُخِذَتْ صدقةُ الماشيةِ مِن غَنَمِه على صاحِبِه بقدْرِ ما أدَّى عنه من ذلك.

2- عن أنسٍ رَضِيَ الله عنه أنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ الله عنه كتَبَ له التي فرَضَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم:(ولا يُجمَعُ بين متَفَرِّقٍ، ولا يُفَرَّق بين مُجتَمِعٍ؛ خَشيةَ الصَّدقةِ) رواه البخاري.

وجه الدَّلالة:
أنَّ الجَمعَ بين المتفرِّق: هو أن يجتَمِعَ ثلاثةُ نَفَرٍ مثلًا، ويكون لكلِّ واحدٍ منهم أربعون شاةً، وقد وجب على كلِّ واحدٍ منهم شاةٌ، فإذا أظلَّهم المصَدِّقُ جَمعوها؛ لئلَّا يكونَ عليهم فيها إلَّا شاةٌ واحدةٌ.
وأمَّا تفريقُ المجتَمِع: فكأنْ يكونَ اثنانِ شريكينِ، ولكلِّ واحدٍ منهما مئةُ شاةٍ، وشاةٌ، فيكون عليهما في ماليهما ثلاثُ شياهٍ، فإذا أظلَّهما المصدِّقُ فرَّقَا غَنَمَهما، فلم يكُنْ على كلِّ واحدٍ منهما إلَّا شاةٌ واحدةٌ.
فأُمِرَ كلُّ واحدٍ منهما ألَّا يُحدِثَ في المال شيئًا من الجَمعِ والتَّفريقِ

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/5/11 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر