ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 124 باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 20 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 1845 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر


الحمدُ لله ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسَّلامُ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛

قول المؤلف :"في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع"

قول المؤلف "في الصحيح" أي صحيح البخاري، وقد ورد بهذا اللفظ : "تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وإذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ، إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ له، وإنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ."


قوله صلى الله عليه وسلم : "تعس": بكسر العين ويجوز فتحها أي: هلك، وهو دعاء عليه بالهلاك.
قوله: "عبد الدينار" الدينار: هو النقد من الذهب، وسمَّاه عبدَ الدينار ؛ لأنه تعلق به تعلقَ العبد بالرب، فكان أكبر همه، لذا قدمه على طاعة ربه، ويقال في عبد الدرهم ما قيل في عبد الدينار، والدرهم هو النقد من الفضة.
والمراد بهذا الحديث أنَّ من الناس مَنْ يعبد الدنيا فتكون مناه وغايتَه، فيغضب إذا فقدت ويرضى إذا وجدت، ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم من هذا شأنُه عبداً لها، وهذا من يعنى بجمع المال من الذهب والفضة فيكون مريدا بعمله الدنيا.
قوله صلى الله عليه وسلم:وعبد الخميصة، : وهو من يُعْنى بمظهره دون مخبره ؛ لأن الخميصة كساء جميل، فليس له همٌّ إلا هذا الأمر.
قوله صلى الله عليه وسلم: إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، هذه علامة الذي يعمل من أجل الدنيا، إن أعطي منها رضي، وإن لم يعط منها لم يرض،كما قال تعالى:"وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ "(التوبة 58) ، أما المؤمن فإنه إن أعطي شكر ، وإن منع صبر؛ فهو يعمل لله لا من أجل الدنيا.
قوله صلى الله عليه وسلم: " تَعِسَ وَانْتَكَسَ،" أي: خاب وهلك، وانتكس أي: انتكست عليه الأمور بحيث لا تتيسر له، فكلما أراد شيئا انقلبت عليه الأمور خلاف ما يريد، ولهذا قال: "وإذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ": أي: إذا أصابته شوكة فلا يستطيع أن يزيل ما يؤذيه عن نفسه. وهذه الجمل الثلاث خبرٌ منه صلى الله عليه وسلم عن حال هذا الرجل، وأنه في تعاسة، وانتكاس، وعدم خلاص من الأذى.

قوله صلى الله عليه وسلم: طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، هذا عكس الأول فهو لا يهتم للدنيا، وإنما يهتم للآخرة، فهو في استعداد دائم للجهاد في سبيل الله، و" طوبى" فُعْلَى مؤنث أطيب اسم تفضيل، وهذه كلمة تقال لكل عمل طيب، ولكل جزاء طيب.
وقوله: " آخذ بعِنَان فرسه": أي: ممسك بمقود فرسه الذي يقاتل عليه.
قوله: " في سبيل الله": ضابطه أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العُليا .

قوله صلى الله عليه وسلم: أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ،. هذه صفة العبد المجاهد لم يتفرغ للرفاهية عليه آثار الجهاد في سبيل الله من الشعث والغبار.
قوله صلى الله عليه وسلم: إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ، . الحراسة والساقة ليست من مقدم الجيش فالحراسة أن يحرس الإنسان الجيش، والساقة أن يكون في مؤخرته فهو لا يبالي أين وضع، إن قيل له: احرس حرس، وإن قيل له: كن في الساقة كان فيها، فلا يطلب مرتبة أعلى من هذا المحل كمقدم الجيش مثلا بل يؤدي العمل المكلف به.
قوله صلى الله عليه وسلم: إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ له، وإنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ. أي هو عند الناس ليس له جاه حتى إنه إن استأذن لم يؤذن له، وهكذا عند أهل السلطة ليس له مرتبة فإن شفع لم يشفع، ولكنه وجيه عند الله، وله المنزلة العالية لأنه يقاتل في سبيله.
والشفاعة: هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة ، والاستئذان: طلب الإذن بالشيء .

قول المؤلف فيه مسائل:

الأولى:إرادة الإنسان الدنيا بعمل الآخرة ،وهذا من الشرك؛ لأنه جعل عمل الآخرة وسيلة لعمل الدنيا ، فيطغى على قلبه حب الدنيا حتى يقدمها على الآخرة ، والواجب أن يجعل عمل الدنيا للآخرة .

الثانية: تفسير آية (هود) ،وهي قوله تعالى:"مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ "(آية 15)

الثالثة: تسمية الإنسان المسلم عبد الدينار والدرهم والخميصة ، وهذه العبودية لا تدخل في الشرك مالم يصل بها لحد الشرك ولكنها نوع آخر يخل بالإخلاص ؛ لأنه جعل في قلبه محبةً زاحمت محبة الله عزَّ وجلَّ ومحبة أعمال الآخرة.

الرابعة: تفسير ذلك بأنه إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط ، هذا التفسير لقوله صلى الله عليه وسلم "عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، "، وهذه علامة عبوديته لهذه الأشياء أن يكون رضاه وسخطه تابعا لها.

الخامسة: قوله "تَعِسَ وَانْتَكَسَ" أي كلما أراد شيئا انقلبت عليه الأمور.

السادسة: قوله "وإذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ" أي فلا يوجد من يخرجها، وهذا دعاء عليه بتعسير الأمور وسوء العاقبة.

السابعة: الثناء على المجاهد الموصوف بتلك الصفات ،فقوله في الحديث "طُوبَى لِعَبْدٍ ..." يدل على الثناء عليه، وأنه هو المستحق للمدح.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/20 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر