الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
قوله "صلاة التطوع" التطوع في اصطلاح الفقهاء : كلُّ طاعةٍ ليست بواجبةٍ.
ومن حكمة الله عز وجل ورحمته بعباده أن شرع لكل فرض تطوعاً من جنسه ليزداد المؤمن إيماناً بفعل هذا التطوع ولتكمل هذه الفرائض يوم القيامة فإن الفرائض يعتريها النقص فتكمل بهذه التطوعات التي من جنسها ، فالوضوء واجب وتطوع والصلاة واجب وتطوع والصدقة واجب وتطوع والصيام واجب وتطوع والحج واجب وتطوع والعلم واجب وتطوع وهكذا.
وصلاة التطوع أنواع منها ما يشرع له الجماعة ومنها ما لا يشرع له الجماعة ومنها ما هو تابع للفرائض ومنها ما ليس بتابع ومنها ما هو مؤقت ومنها ما ليس بمؤقت ومنها ما هو مقيد بسبب ومنها ما ليس مقيد بسبب وكلها يطلق عليها صلاة تطوع
قوله "آكدها كسوف" أي أن آكد صلاة التطوع صلاة الكسوف لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليها فزعاً وأمر منادياً ينادي الصلاة جامعة وصلى بها صلاة مطولة ثم خطب بالناس وعرضت عليه في صلاته الجنة والنار أخرجه البخاري ومسلم في عدة روايات فهي آكدها حيث إنه لا يمكن للمسلمين أن يروا إنذار الله بكسوف الشمس والقمر ثم يدعوا الصلاة مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة والتكبير والاستغفار والفزع إلى الصلاة.
قوله "ثم الاستسقاء" يعني أن صلاة الاستسقاء تلي صلاة الكسوف في الآكدية والصواب أن الوتر أوكد من الاستسقاء لأن الوتر داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به فقال "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" أخرجه البخاري ومسلم وقال "إذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى" أخرجه البخاري ومسلم وقال "يا أهل القرآن أوتروا" أخرجه أبو داود وصححه الألباني وأما الاستسقاء فإنه لم يرد الأمر به ولكنه ثبت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن يقتصر في الاستسقاء على الصلاة فقد كان يستسقى بالدعاء في خطبة الجمعة وفي غيرها والاستسقاء هو أن الناس إذا أجدبت الأرض وقحط المطر وتضرروا بذلك خرجوا إلى مصلى العيد فصلوا كصلاة العيد ثم دعوا الله عز وجل.
قوله "ثم تراويح ثم وتر" أي أن التراويح تلي الاستسقاء في الآكدية فهي في المرتبة الثالثة فقدم التراويح على الوتر على أن مناط الأفضلية هو الجماعة والتراويح تشرع لها الجماعة بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه صلى بالناس في رمضان ثلاث ليال ثم تخلف في الثالثة أو في الرابعة وقال "إني خشيت أن تفرض عليكم" أخرجه البخاري ومسلم فبقيت الأمة الإسلامية لا تقام فيها صلاة التراويح جماعة حتى جمعهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بن كعب رضي الله عنه أخرجه البخاري والتراويح هو قيام في رمضان وسمي تراويح لأن الناس كانوا يطيلون القيام فيه والركوع فإذا صلوا أربعاً استراحوا ثم استأنفوا الصلاة أربعاً ثم استراحوا ثم صلوا ثلاثاً على حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً ثم يصلي ثلاثاً أخرجه البخاري ومسلم وهذه الأربع التي كان يصليها يسلم فيها من كل ركعتين ، كما جاء ذلك مفسراً عنها رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين
قوله "ثم وتر" والصحيح أن الوتر مقدم على صلاة التراويح وعلى الاستسقاء لأن الوتر أمر به وداوم عليه إذا فترتيب صلاة التطوع الكسوف ثم الوتر ثم الاستسقاء ثم التراويح هذا هو القول الراجح فالوتر سنة مؤكدة.
قوله "يفعل بين العشاء والفجر" ووقته بين صلاة العشاء والفجر وسواء صلى العشاء في وقتها أو صلاها مجموعة إلى المغرب تقديماً فإن وقت الوتر يدخل من حين أن يصلي العشاء والوتر ينتهي بطلوع الفجر فإذا طلع الفجر وأنت لم توتر فتصلي في الضحى وتراً مشفوعاً بركعة فإذا كان من عادتك أن توتر بثلاث فصل أربعاً، وإذا كان من عادتك أن توتر بخمس فصل ستاً، لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه سلم "كان إذا غلبه وجع أو نوم عن قيام الليل صلى من النهار اثنتى عشرة ركعة" أخرجه مسلم
قوله "واقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة" لقول النبي صلى الله عليه وسلم "الوتر ركعة من آخر الليل" أخرجه مسلم ، والصحيح أنه لا حدَّ لأكثره ؛ لحديث ابن عباس:" كَانَتْ صَلَاةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي باللَّيْلِ." صحيح البخاري
قوله "مثنى مثنى" أي يصليها اثنتين اثنتين
قوله "ويوتر بواحدة وإن أوتر بخمس أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وبتسع يجلس عقب الثامنة فيتشهد ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم".
لقول عائشة رضي الله عنها " كُنَّا نُعِدُّ له سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ ما شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ، وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا في الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا،" أخرجه مسلم.
قوله "وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين يقرأ في الأولى "سبح" وفي الثانية "الكافرون" وفي الثالثة "الإخلاص" ويقنت فيها بعد الركوع" ويجوز أن يجعلها بسلام واحد وتشهد واحد والقنوت هو الدعاء كما هنا أي بعد أن يقول ربنا ولك الحمد بدون أن يكمل التحميد ، لكن لو كمله فلا حرج لأن التحميد مفتاح الدعاء فإن الحمد لله والثناء على الله والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم من أسباب القنوت لأن ذلك صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعمر أحد الخلفاء الراشدين من الذين لهم سنة متبعة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلى صدره ولا يرفعها كثير لأن هذا الدعاء ليس دعاء ابتهال يبالغ فيه الإنسان بالرفع بل دعاء رغبة ويبسط يديه وبطونها إلى السماء ويضم اليدين بعضهما إلى بعض كحال المستجدي الذي يطلب من غيره أن يعطيه شيء أما التفريج والمباعدة فلا أصل له والقنوت في الركعة الثالثة بعد الركوع ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح في القنوت في الوتر، فالإمام أحمد قال إنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر قبل الركوع ولا بعده شيء لكن صح عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقنت والمتأمل لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل يرى أنه لا يقنت في الوتر إنما يصلي ركعة يوتر بها ما صلى وهذا هو الأحسن أن لا تداوم على قنوت الوتر لكنه علم الحسن بن علي رضي الله عنه دعاء يدعو به في قنوت الوتر فيدل على أنه سنة لكن ليس من فعله بل من قوله.
قوله ويقول "اللهم اهدني فيمن هديت" الأفضل أن يبدأ بالثناء على الله ثم الدعاء؛ لأن الثناء مقدم على الدعاء، لكن إذا دعت الحاجةُ إلى الدعاء صار الدعاءُ أفضل، ، يقول ابن باز "الثناء أفضل، فالثناء ذكر، لكن إذا دعت الحاجةُ إلى الدعاء صار الدعاءُ أفضل، كدعاء الاستخارة، ودعاء "رب اغفر لي" بين السَّجدتين، ". قوله:"اللهم اهدني" الهداية: أصلها الدلالة، وهي من الله: التوفيق والإرشاد.
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين