الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد؛
الله جل وعلا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين الناس بما أنزل الله عليه ، قال سبحانه " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " المائدة 49 ، فكان يحكم بما أنزل الله ، فإذا لم يكن هناك نص عنده اجتهد عليه الصلاة والسلام وحكم بما عنده من الأدلة الشرعية كما قال في الحديث " إنكم تختصمون إليَّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار فليحملها أو يذرها " متفق على صحته من حديث أم سلمة رضي الله عنها .
(قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ: " إنَّما أنا بَشَرٌ، وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، وأَقْضِيَ له علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا فلا يَأْخُذْ، فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ. " ، ورواه مسلم بلفظ"إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِيَ له علَى نَحْوٍ ممَّا أسْمَعُ منه، فمَن قَطَعْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ، فإنَّما أقْطَعُ له به قِطْعَةً مِنَ النَّارِ".)
ومعنى هذا أنه قد يجتهد في الحكم حسب القواعد الشرعية ، لأنه لم ينزل عليه فيه شيء ، فمن عرف أن الحكم ليس بمطابق وأن الشهود زور فقد أخذ قطعة من النار ، فليحذر ذلك وليتق الله في نفسه ، ولو كان الرسول هو الحاكم عليه .لأن الحاكم ليس له إلا الظاهر من ثقة الشهود وعدالتهم ، أو يمين المدعى عليه ، فإذا كان المدعي أحضر شهوداً يعلم أنهم قد غلطوا ولو كانوا تقاة وأن الحق ليس له ، أو يعلم أنهم شهود زور ولكن القاضي اعتبرهم عُدولاً ، لأنهم عدلوا عنده وزكوا لديه ، فإن هذا المال الذي يحكم به له أو القصاص كله باطل بالنسبة إليه لعلمه ببطلانه ، وهو قد تعدَّى حدود الله وظلم ، وإن حكم له القاضي ، لأن القاضي ليس له إلا الظاهر ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحكم بما أنزل الله فيما أوصاه الله إليه ، وما لم يكن فيه نص اجتهد فيه عليه الصلاة والسلام حتى تتأسى به الأمة ، وهو في ذلك كله يعتبر حاكماً بما أنزل الله لكونه حكم بالقواعد الشرعية التي أمر الله أن يحكم بها ، ولهذا قال للزبير بن العوام رضي الله عنه لما ادَّعى على شخص في أرض " شاهداك أو يمينه ، فقال الزبير : إذاً يحلف يا رسول الله ولا يبالي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ليس لك إلا ذلك " متفق عليه .
(قلت: رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود بهذا اللفظ"فَقالَ رَسولُ اللَّهِ: شَاهِدَاكَ أوْ يَمِينُهُ، قُلتُ: إنَّه إذًا يَحْلِفُ ولَا يُبَالِي، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن حَلَفَ علَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بهَا مَالًا وهو فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وهو عليه غَضْبَانُ،" ، ورواية مسلم "كانتْ بيني وبين رجلٍِ خصومةٌ في بئرٍ فاخْتصمْنا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ : شاهداكَ أوْ يمينُه")
ولما بعث معاذاً إلى اليمن قال له " إن عرض لك قضاء فبم تحكم ؟ قال : أحكم بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد ؟ قال : فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد رأي ولا آلو ، فضربه صلى الله عليه وسلم في صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله " رواه الإمام أحمد وجماعة بإسناد حسن.
(قلت: الحديث ساقط فيه مجهولون، فهو لا يصح ، يقول ابن حزم إنه باطل لا أصل له لأنه رواه الحارث بن عمر وابن أخ المغيرة عن ناس من حمص مجهولين، فهي رواية مجهول عن مجاهيل والاستدلال به ضلال)
تفسير قوله تعالى " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " هود 6 ، الآية على ظاهرها ، وما يقدر الله سبحانه من الكوارث والمجاعات لا تضر إلا من تم أجله وانقطع رزقه ، أما من كان قد بقي له حياة أو رزق فإن الله يسوق له رزقه من طرق كثيرة قد يعلمها وقد لا يعلمها ، لقوله سبحانه " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب " الطلاق 2 ، 3 ، وقوله " وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم " العنكبوت 60 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها " . (قلت: صححه الألباني في صحيح الجامع عن أبي أمامة الباهلي بلفظ"إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي ، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها ")
وقد يُعاقب الإنسان بالفقر وحرمان الرزق لأسباب فعلها من كسل وتعطيل للأسباب التي يقدر عليها ، أو لفعله المعاصي التي نهاه الله عنها ، كما قال الله سبحانه " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " النساء 79 ، وقال عز وجل " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " الشورى 30 ، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه " رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه بإسناد جيد .
(قلت: تمام الحديث عن ثوبانَ مولَى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "لا يَزيد في العُمْر إلا البِر، ولا يردُّ القدَرَ إلاَّ الدُّعاء، وإنَّ الرجل ليُحرم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه" ، والحديث حسَن دون الجملة الثالثة:"وإنَّ العبد ليُحرَم الرِّزقَ بالذنب يصيبه"فقد ضعفها الشيخ الألباني في ضعيف ابن ماجه، وحسن الجملتين الأوليين).
وقد يُبتلى العبد بالفقر والمرض وغيرهما من المصائب لاختبار شكره وصبره لقول الله سبحانه " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون " البقرة 155 ، 156 ، وقوله عز وجل " وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون " الأعراف 168 ، والمراد بالحسنات في هذه الآية النعم وبالسيئات المصائب ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
(قلت رواه مسلم عن صهيب بن سنان الرومي باختلاف يسير: " عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له.")
* أهل الكهف بيَّنهم الله في كتابه العظيم ، والأقرب ما قاله جماعة من أهل العلم : أنهم سبعة وثامنهم كلبهم ، هذا هو الأقرب والأظهر ، وهم أناس مؤمنون ، فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى ، فلما أيقظهم الله بعد أن ناموا المدة الطويلة ، توفاهم الله بعد ذلك على دينهم الحق ، هؤلاء هم أهل الكهف كما بيَّنهم الله في كتابه الكريم ، وبنى عليهم بعض أهل الغلبة هناك من الأمراء والرؤساء مسجداً ، وقد أخطئوا وغلطوا في ذلك ، لأن القبور لا يجوز أن تُبنى عليها المساجد ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ولعن من فعله فقال " لَعْنَ اللَّهُ اليَهُودَ والنَّصارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ مَساجِدَ" ،( قلت: رواه البخاري ومسلم) ، وحذر من البناء على القبور وتجصيصها واتخاذ المساجد عليها ، كل هذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولعن من فعله ، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور مساجد ، ولا قباباً ولا غير ذلك ، بل تكون القبور ضاحية مكشوفة غير مرفوعة ليس عليها بناء ، لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك ، هكذا كانت قبور المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي عهد الخلفاء الراشدين حتى غيَّر الناس بعد ذلك وبنوا على القبور ، وهذا من الجهل والغلط ومن وسائل الشرك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، قالت عائشة رضي الله عنها : " يُحذِّر ما صنعوا " (قلت: رواه البخاري) .
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه " إن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " أخرجه مسلم في صحيحه ، فنهى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم عن اتخاذ القبور مساجد وحذر من هذا ، وبيَّن أنه عمل من كان قبلنا من المغضوب عليهم والضالين وهو عمل مذموم ، وما ذاك إلا لأنه من وسائل الشرك والغلو في الأنبياء والصالحين .
كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكتابة على القبور أو إسراجها في أحاديث أخرى ، وكل ذلك من باب سد الذرائع المفضية إلى الشرك والغلو ، ولما في القعود عليها من الإهانة لأهلها
أما أصحاب الصخرة فكما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال ": انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوُا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عليهمُ الغَارَ، فَقالوا: إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ، فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّ كانَ لي أبَوَانِ شَيخَانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا ولَا مَالًا، فَنَأَى بي في طَلَبِ شَيءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عليهما حتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُما نَائِمَيْنِ وكَرِهْتُ أنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُما أهْلًا أوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ والقَدَحُ علَى يَدَيَّ، أنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ. فَانْفَرَجَتْ شيئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ. قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فأرَدْتُهَا عن نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى ألَمَّتْ بهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ ومِئَةَ دِينَارٍ علَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حتَّى إذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالَتْ: لا أُحِلُّ لكَ أنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهي أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذي أعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ منها. قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فأعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُلٍ واحِدٍ تَرَكَ الَّذي له وذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ منه الأمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، أدِّ إلَيَّ أجْرِي، فَقُلتُ له: كُلُّ ما تَرَى مِن أجْرِكَ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقِيقِ، فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، لا تَسْتَهْزِئُ بي! فَقُلتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بكَ، فأخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ منه شيئًا، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ. " .
في هذا الحديث موعظة وذكرى ودلالة على أن الله سبحانه على كل شيء قدير ، وأنه سبحانه يبتلي عباده في السراء والضراء والشدة والرخاء ليمتحن صبرهم وشكرهم ويبين آياته لعباده وقدرته العظيمة ، وهذا حديث صحيح ، رواه مسلم والبخاري في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وفيه عبرة وإرشاد إلى الضراعة إلى الله وإلى سؤاله عند الكرب والشدة ، وأنه سبحانه قريب مجيب يسمع دعاء الداعي ويجيب دعوته إذا شاء سبحانه وتعالى ، وفيه دلالة على أن الأعمال الصالحات من أسباب تيسير الأمور وإزالة الشدائد وتفريج الكروب ، وفيه دليل على أنه ينبغي للمؤمن إذا وقع في الشدة أن يضَّرع إلى الله ويفزع إليه ويسأله ويتوسل بأعماله الصالحة كإيمانه بالله ورسوله وتوحيده وإخلاص العبادة له ، وكبر الوالدين وأداء الأمانة والعفة عن الفواحش .
هذه وأمثالها هي الأسباب والوسائل الشرعية ، والله سبحانه من فضله وإحسانه يجيب دعوة المضطر ، ويرحم عبده المؤمن ويجيب سؤاله ، كما قال سبحانه " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " البقرة 186، وقال سبحانه" ادعوني أستجب لكم " غافر 60 ، وقال سبحانه" أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " النمل 62 .
وهؤلاء الثلاثة مضطرون نزل بهم أمر عظيم وكربة شديدة فسألوا الله بصالح الأعمال ، فأجاب الله دعاءهم وفرج كربتهم ، وفيه من الفوائد بيان فضل بر الوالدين وهو من أفضل القربات ومن أسباب تيسير الأمور ، وهكذا العفة عن الزنا ، والحذر منه من جملة الأعمال الصالحات ومن أسباب النجاة من كل سوء ، وهكذا أداء الأمانة والنصح فيها من أعظم الأسباب في تيسير الكروب ومن أفضل الأعمال الصالحات ، ولعظم فائدة هذا الحديث أخبر النبي أمته ليستفيدوا ويعتبروا ويتأسوا بمن قبلهم في الأعمال الصالحة .
قدر الله عز وجل ماض في عباده كما قال الله سبحانه " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير " الحديد 22 ، وقال عز وجل " ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير " الحج 70 ، وقال سبحانه " إنا كل شيء خلقناه بقدر " القمر 49 .
وثبت عن النبي أنه قال لجبريل عليه السلام لما سأله عن الإيمان " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره " (قلت: رواه مسلم )، وقال " إن الله قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، قال : وعرشه على الماء " رواه الإمام مسلم في صحيحه (قلت: رواه مسلم بهذا اللفظ"كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ".)
فالأقدار تردها الأقدار التي جعلها الله سبحانه مانعة لها ، والأقدار المعلقة على وجود أشياء كالبر والصلة والصدقة توجد عند وجودها ، وكل ذلك داخل في القدر العام المذكور في قوله سبحانه " إنا كل شيء خلقناه بقدر " القمر 49 ، وقوله صلى الله عليه وسلم " وتؤمن بالقدر خيره وشره " ، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم " الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفئ الماء النار "، (قلت : الحديث ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه ) ، وجميع الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب تدعو إلى إيمان العبد بأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له ، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، كما تدعوه إلى أن يسارع في الخيرات وينافس في الطاعات ، ويحرص على أسباب الخير ويبتعد عن أسباب الشر ، ويسأل ربه التوفيق والإعانة على كل ما فيه رضا الله سبحانه والسلامة من كل سوء .
وفي الصحيحين عن النبي أنه قال لأصحابه ذات يوم " ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار ، فقالوا يا رسول الله : أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ فقال لهم : اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، ثم تلا قوله سبحانه : فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى " الليل 5 - 10 .
(قلت : الحديث رواه البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب بهذا اللفظ "ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ علَى كِتَابِنَا، ونَدَعُ العَمَلَ؟ قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له، أمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ الشَّقَاءِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَن أعْطَى واتَّقَى وصَدَّقَ بالحُسْنَى} الآيَةَ".)
وبالله التوفيق
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم