الدرس 100 باب ما جاء في التطير 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 18 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 2165 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ؛

قوله: " ولهما عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا عدْوَى، ولا طِيَرَةَ، ويُعجبُنِي الفألُ. قالوا: وما الفألُ، قال: الكلمةُ الطَّيبةُ ".

لفظ البخاري: " قالوا: وما الفألُ، قال: كلمةُ طَّيبةُ " ومسلم "قالوا: قيل وما الفألُ ، قال: الكلمةُ الطَّيبةُ "
قوله صلى الله عليه وسلم :" لا عدْوَى، ولا طِيَرَةَ ".

كان أهل الجاهلية يعملون أعمالاً فظيعةً خوفاً من العدوى ، والرسول صلى الله عليه وسلم ، نفى ذلك ، وأمر باتخاذ الأسباب الواقية مع التوكل على الله ، فقوله : "لا عدوى " يعني على ماكانت تعتقده الجاهلية ، وإنما العدوى بأمر الله ومشيئته ، فإذا توكلتَ على الله وآمنتَ به مع قوة يقينك بالله واتخذتَ الأسبابَ التي أمر اللهُ بها فحينئذٍ تكونُ قد فعلتَ المشروعَ.

قوله صلى الله عليه وسلم " ولا طيرة " الطيرة هي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم.
قوله صلى الله عليه وسلم " ويعجبني الفألُ " أي يسرني ، والفأل بيَّنه بقوله :" الكلمة الطيبة " ، فـالكلمة الطيبة تعجبه صلى الله عليه وسلم لما فيها من إدخال السرور على النفس والانبساط، والمضي قدما لما يسعى إليه الإنسان، وليس هذا من الطيرة، بل هذا مما يشجع الإنسان لأنها لا تؤثر عليه، بل تزيده طمأنينة وإقداما وإقبالا
وهذا الحديثُ جمع النبيُّ ، صلى الله عليه وسلم ، فيه بين محذورين ومرغوب ، فالمحذوران هما : العدوى والطيرة ، والمرغوب : هو الفأل ، وهذا من حُسْنِ تعليمِ النبيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، فمن ذكر المرهوب ينبغي أن يذكر معه ما يكون مرغوبا، ولهذا كان القرآن مثاني إذا ذكر أوصاف المؤمنين ذكر أوصاف الكافرين، وإذا ذكر العقوبة ذكر المثوبة، وهكذا.

قوله " ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال : ذُكِرَت الطِّيَرةُ عند النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أحسَنُها الفَأْلُ، ولا تَرُدُّ مُسلِمًا، فإذا رأى أحدُكم ما يكرَهُ فليقُلِ: اللَّهُمَّ لا يأتي بالحَسَناتِ إلا أنت، ولا يدفَعُ السَّيِّئاتِ إلا أنت، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بك "

قلت : الحديث ضعَّفه الألبانيُّ في ضعيف سُننِ أبي داودَ رقم (843) ، والراوي له هو عروة بن عامر وليس عقبة بن عامر، وحيث إن الحديث لم تثبت صحته فقد صرفتُ النظرَ عن شرحه.

قوله " : وله من حديث ابن مسعود ، مرفوعا " الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل " ، رواه أبو داود والترمذي وصححه وجعل آخره من قول ابن مسعود " . قلت : صححه الألباني عن أبي داود بهذا اللفظ "الطِّيرةُ شِركٌ ، ثلاثًا ، وما منَّا إلَّا ولَكِنَّ اللَّهَ يُذهِبُهُ بالتَّوَكُّلِ"
قوله "مرفوعا" أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
قوله صلى الله عليه وسلم " الطِّيرَةُ شِركٌ ، ثلاثًا " والتكرار ثلاثا للتوكيد اللفظي.
قوله صلى الله عليه وسلم "الطّيرَةُ شِركٌ" أي إنها من أنواع الشرك، وليست الشركَ كلَّه، وإلا لقال : الطيرة الشرك.

قوله "وما منَّا إلَّا ولَكِنَّ اللَّهَ يُذهِبُهُ بالتَّوَكُّلِ" في الحديث إضمار والتقدير : وما منَّا إلَّا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك ، وحاصلُه : وما منَّا إلا ويعتريه التطيرُ ويسبقُ إلى قلبه الكراهةُ فيه ، فحذف ذلك ؛ اعتماداً على فهم السامع .

قوله :"ولَكِنَّ اللَّهَ يُذهِبُهُ بالتَّوَكُّلِ" أي : مَا منَّا إلَّا مَنْ يقع في قلبه ذلك ، ولكن لمَّا توكلنا على الله وآمنا به واتَّبعنا ما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم واعتقدنا صدقَه أذهب اللهُ ذلك عنَّا وأقرَّ قوبنا على السنة واتَّباع الحقِ

قوله "وما منَّا إلَّا ..." قال العلماء موقوف على ابن مسعود ، قال ابن القيم : وهو الصواب ، فهو مدرج في الحديث، والمدرج أن يدخل أحد الرواة كلاما في الحديث من عنده دون بيان.

قوله :"ولأحمد من حديث ابن عمرو " من ردَّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك ، قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : أن يقول : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك "

قلت : الحديث صححه الألباني في إصلاح المساجد بهذا اللفظ عن عبد الله بن عمر "مَنْ ردَّتْهُ الطِيَرَةُ عن حاجتِهِ فقدْ أشرَكَ قالوا : يا رسولَ الله وما كفارَةُ ذلِكَ قال يقولُ " اللهمَّ لا طيرَ إلَّا طيرُكَ ، ولَا خيرَ إلَّا خيرُكَ ، ولَا إلهَ غيرُكَ "

قوله :" مَنْ ردَّتْهُ الطِيَرَةُ " (من) شرطية ، وجواب الشرط " فقدْ أشرَكَ " .

قوله "عن حاجتِهِ "الحاجة : كل ما يحتاجه الإنسان ، قوله :"فقدْ أشرَكَ " أي : شركاً أكبر إنْ اعتقد أن هذا المتشاءمَ به يحدث الشرَّ بنفسِه ، وإنْ اعتقدَه سبباً فهو شرك أصغر.

قوله "فما كفارة ذلك "أي ما كفارة هذا الشرك .

قوله "اللهمَّ لا طيرَ إلَّا طيرُكَ " أي الطيور كلها ملكك لا علاقة لها بالحوادث .

قوله "ولَا خيرَ إلَّا خيرُكَ " أي أنت الذي بيدك الخير ، وهذا الحصر حقيقي ، فالخير كله من الله سواء بسبب معلوم أو بغيره.

قوله " ولَا إلهَ غيرُكَ" (لا) نافية للجنس ، و(إله)بمعنى مألوه ، والمألوه هو المعبود ، أي لا إله حق إلا الله.

قوله "وله من حديث الفضل بن عباس : إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك"

قلت : رواه أحمد قال ابن مفلح في (الآداب الشرعية) (3/358): فيه محمد بن عبد الله بن علاثة وهو مختلف فيه وفيه انقطاع وقال أحمد شاكر في (مسند أحمد) (3/240): إسناده ضعيف.

ومن ثمَّ فقد صرفت النظر عن شرح الحديث .

قوله :"فيه مسائل "

الأولى :التنبيه على قوله " أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ "(الأعراف 131) مع قوله "طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ " (يس 19)

ظاهر الآيتين التعارض وليس كذلك ، فالقرآن والسنة لا تعارض بينهما ، وإنما يقع التعارض حسب فهم المخاطب ، فقوله :"أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ "أن الله هو المقدر ذلك وليس موسى ولا غيرُه وأن قولَه "طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ " من باب السبب ؛ أي أنتم سببه .

الثانية : نفي العدوى ؛ أي نفي تأثيرِها بنفسها ، لا أنها سبب للتأثير ؛ لأن الله قد جعل بعض الأمراض سبباً للعدوى وانتقالِها.

الثالثة " نفي الطيرة ، أي نفي التأثير لا نفي الوجود.

الرابعة : نفي الهامَة ، الهامة طائر البومة . وكان العرب يتشاءمون منه ، إذا وقع على بيت أحدهم قال : نَعَى إليَّ نفسي ، أو أحدا من أهلي ، وهذا من عقيدة الجاهلية .

الخامسة : نفي الصفر ، أي شهر صفر كانت العرب يتشاءمون منه ، ولا سيما في النكاح ، والمراد نفي كونه مشئوماً.

السادسة :أن الفألَ ليس من ذلك بل مستحب ، تؤخذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم :يعجبني الفأل ، وكل ما أعجب النبي صلى الله عليه وسلم فهو حسن .

السابعة : تفسير الفأل ، فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه " الكلمة الطيبة " ، وهذا التفسير على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.

الثامنة : أن الواقع في القلوب من ذلك مع كراهته لا يضر ، بل يذهبه الله بالتوكل.لقول ابن مسعود :" وما منَّا إلَّا ولَكِنَّ اللَّهَ يُذهِبُهُ بالتَّوَكُّلِ "

التاسعة : ذكر ما يقول من وجد ، يقول ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم :"اللهمَّ لا طيرَ إلَّا طيرُكَ ، ولَا خيرَ إلَّا خيرُكَ ، ولَا إلهَ غيرُكَ "

العاشرة : التصريح بأن الطيرة شرك ، أي إن اعتقد تأثيرها بنفسها فهذا شرك أكبر وإن اعتقد أنها سبب فهذا شرك أصغر.

الحادية عشرة : تفسير الطيرة المذمومة ، يؤخذ ذلك من حديث "إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك" وهذا الحديث سبق وأن أشرت إلى ضعفه.

وصل اللهُمَّ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/3/17 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر