الدرس101 باب: ما جاء في التنجيم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 20 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 2076 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وبعد ؛

قال المصنف :" باب ما جاء في التنجيم"، لمَّا كان التنجيم شائعا بين الناس وله من يتبعه ويبني عليه أشياءَ ذكر هذا الباب في كتاب التوحيد تنبيها على بطلان التنجيم، والتنجيم هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، فالتنجيم من دعوى علم الغيب، أما النظر في النجوم من باب تسيير منازل القمر حتى تعلم أوقات الصلوات واتجاه القبلة ، فهذا لا بأس به كما قال أحمد وإسحاق.

قول المصنف :" قال البخاري في صحيحه " قَالَ قَتَادَةُ : خَلَقَ الله هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاَثٍ : زِينَةً لِلسَّمَاءِ ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا ، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ أَخْطَأَ ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ ، وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ "انتهى .

جاء في صحيح البخاري بهذا اللفظ " باب في النجوم ، وقَالَ قَتَادَةُ: " وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ" (الملك: 5) خَلَقَ هذه النجومَ لثلاثٍ: جعلها زينةً للسماء، ورجوماً للشياطينِ، وعلاماتٍ يهتدى بها، فمن تأوَّلَ فيها بغير ذلك أخطأ، وأضاعَ نصيبَه، وتكلَّف ما لا علمَ له به." ، والحديث ذكره معلقا في كتاب (بدء الخلق) في عنوان: باب في النجوم، وقد وصله ابن جرير في التفسير ، كما وصله الحافظ ابن حجر في كتابه تغليق التعليق على صحيح البخاري.

قوله " خلق هذه النجوم لثلاث "، اللام للتعليل أي لبيان العلة والحكمة أي لثلاث حكم وهي:
الأولى: جعلها زينة للسماء، قال تعالى:" وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ " (الملك 5) لأن الإنسان إذا رأى السماء صافية في ليلة غير مقمرة وليس فيها كهرباء يجد لهذه النجوم من الجمال العظيم ما لا يعلمه إلا الله فتكون كأنها غابة محلاة بأنواع من الفضة اللامعة


الثانية: (رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ) أي لشياطين الجن، ؛ قال تعالى: " وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً " ( الجن 9) ، والرجم: الرمي.

الثالثة: علامات يهتدى بها، تؤخذ من قوله تعالى " وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ " (النحل 16 - 17)

قول قتادة:" فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ " أي اعتقد فيها غير ذلك من هذه الأمور الثلاثة التي دل عليها كتاب الله فقد أخطأ ،

قوله " وأضاع نصيبه،" أي حظَّهُ من عُمْرِهِ؛ لأنَّه اشتغلَ بما لا فائدةَ فيه.

قوله " وتكلف ما لا علم له به " لأن أخبار السماء والأمور المغيبة لا تعلم إلا من طريق الكتاب والسنة، فالاستدلال بالنجوم على أنَّه يولد كذا، ويكون مُلْكُ كذا، ويزول مُلْكُ كذا فهذا كله لا أصل له ، بل هو باطل؛ ولهذا قال: "وكَرِه قتادة تعلم منازل القمر ، ولم يرخص ابن عيينة فيه، ذكره حرب عنهما، أي كراهة تحريمٍ بُناءً على أن الكراهة في كلام السلف يراد بها التحريم غالبا ، فالذين كرهوا تعلم منازل القمر قالوا: يخشى إذا قيل طلع النجم الفلاني فهو وقت الشتاء أو الصيف أن بعض العامة يعتقد أنه هو الذي يأتي بالبرد أو بالحر أو بالرياح والصحيح عدم الكراهة إذ لا بأس بتعلم منازل القمر لأنه لا شرك فيه إلا إن تعلمها ليضيف إليها نزول المطر وحصول البرد، وأنها هي الجالبة لذلك فهذا نوع من الشرك، أما مجرد معرفة الوقت بها هل هو الربيع، أو الخريف، أو الشتاء ، ومواقيت الصلاة ووقت بذر الزرع وغرس الأشجار وغير ذلك من المصالح هذا ليس من الاستدلال بالنجوم المحرم ، إنما هو من علم الحساب الذي لا محظور فيه .

قوله "ولم يرخص ابنُ عُيينه فيهِ ، ذكرَه حربٌ عنهما " يعني سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الكوفي الإمام الجليل والمحدث المشهور . محدث الحرم المكي طلب الحديث، وهو غلام عاش ما بين (107 هـ- 198 هـ) ، ولد ونشأ بالكوفة، وسكن مكة وتوفي بها.

قوله (ذكره حرب) هو: أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني الحنظلي (توفي 280 هـ)، الحافظ الفقيه تلميذ الإمام أحمد بن حنبل ، قال الذهبي عنه :"، الفقيه تلميذ أحمد بن حنبل ، رحل وطلب العلم ، وما علمت به بأسا".

قوله "ورخص في تعلم المنازل أحمدُ وإسحاقُ " وهو مذهب الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه ، وقولُ كثيرٍ من أهل العلم ، وهذا هو الصحيح ؛ لأجل ما فيه من الفوائد وعدم المحظور ، أما الممنوع فهو علم التأثير، وهو اعتقاد أن هذه الكواكب هي التي تحدث هذه الحوادث؛ لأنها هي التي بتشكلاتها وأحوالها ينتج عنها ما يحدث في هذا الكون من خير أو شر ، ومن صحة أو مرض ، ومن خصب وجدب ، وغير ذلك ، فهذا اعتقاد الصابئة ، وهو كفر صريح بإجماع المسلمين.

وبالله التوفيق

وصلِّ اللهمَّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/3/18 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي