الدرس 99 باب ما جاء في التطير

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 18 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1959 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وبعد؛

بعض من الناس يقع فيما قعت فيه الجاهلية من التطير ، فأراد المصنف رحمه الله أن ينبه الناس أن هذا من عمل الجاهلية ، وأن الواجب تركه ، ولهذا قال:"باب ما جاء في التطير " أي ما ورد في التطير من الوعيد ، وبيان أنه شرك .

ومناسبة هذا الباب لما قبله أن فيه بيانَ نوعٍ من أنواع الشرك ، والاعتقادِ الباطلِ المخلِ بالتوحيد ، وكان الشيخ رحمه الله يذكر في هذا الكتاب حقيقة التوحيد ، وما يناقضه أو ينقصه من العقائد والأقوال والأفعال الباطلة ، ومن ذلك التطير .
وهو في اللغة: مصدر تطير ، وأصله مأخوذ من الطير ؛ لأن العرب يتشاءمون أو يتفاءلون بالطيور على الطريقة المعروفة عندهم بزجر الطير، ثم ينظر هل يذهب يمينا أو شمالا أو ما أشبه ذلك، فإن ذهب إلى الجهة التي فيها التيامن أقدم، أو فيها التشاؤم أحجم. وفي الاصطلاح: التشاؤم بمرئي أو مسموع ، أو معلوم .

بمرئي مثل لو رأى طيرا فتشاءم لكونه موحشا ، أو مسموع مثل من همَّ بأمر فسمع أحدا يقول لآخر يا خسران، أو يا خائب فيتشاءم ، أو معلوم كالتشاؤم ببعض الأيام أو بعض الشهور أو بعض السنوات فهذه لا ترى ولا تسمع ، والتطير ينافي التوحيد ، وَوَجْهُ منافاتِهِ له من وجهين :

الأول: أن المتطير قطع توكله على الله واعتمد على غير الله .
الثاني: أنه تعلق بأمر لا حقيقة له، بل هو وهم وتخييل.

وقد ذكر الشيخ رحمه الله في هذا آيتين :
الأولى : قوله تعالى :" أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ " الأعراف آية 131

الثانية : قوله تعالى:" قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ " يس (19)

أول الآية الأولى قوله تعالى:"فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ۗ " ، والمعنى أن آل فرعون إذا أصابتهم (الْحَسَنَةُ) أي الخصب والسعة والعافية على ما فسره مجاهد وغيره (قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ )، أي نحن الجديرون الحقيقون به، ونحن أهله (وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي بلاء وضيق وقحط (يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ۗ)، فيقولون هذا بسبب موسى وأصحابه ، أصابنا بشؤمهم، كما يقوله المتطير لمن يتطير به، فأخبر سبحانه: " أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ " (ألا) : أداة استفتاح تفيد التنبيه والتوكيد، و إنما: أداة حصر ، وقوله طَائِرُهُمْ مبتدأ، و عِنْدَ اللَّهِ خبر، والمعنى أنَّ ما يصيبهم من الجدب والقحط ليس من موسى وقومه، ولكنه من الله فهو الذي قدره ولا علاقة لموسى وقومه به، بل إن الأمر يقتضي أن موسى وقومه سبب للبركة والخير، ولكن هؤلاء والعياذ بالله يلبسون على العوام ويوهمون الناس خلاف الواقع.
قوله:" وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ "

فهم في جهل فلا يعلمون أن هناك إلهًا مدبِّرا، وأن ما أصابهم من الله وليس من موسى وقومه.
الآية الثانية : قوله تعالى قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ، أي: قال الذين أرسلوا إلى القرية في قوله تعالى وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ يس آية 13
فقالوا ذلك ردا على قول أهل القرية إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ، أي: تشاءمنا بكم، وإننا لا نرى أنكم تدلوننا على الخير، بل على الشر وما فيه هلاكنا فأجابتهم الرسل بقولهم طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ، أي: مصاحب لكم، فما يحصل لكم فإنه منكم ومن أعمالكم، فأنتم السبب في ذلك.

ويستفاد من الآيتين المذكورتين في الباب أن التطير كان معروفاً قبل العرب وفي غير العرب ؛ لأن الأولى في فرعون وقومه، والثانية في أصحاب القرية.

قول الشيخ :" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، ولا هامَةَ ولا صَفَرَ، " أخرجاه ، زاد مسلم " ولا نَوْءَ ولا غُولَ "

قوله صلى الله عليه وسلم " لا عدوى " (لا) نافية للجنس، ونفي الجنس أعمُّ من نفي الواحد والاثنين والثلاثة لأنه نفي للجنس كله، فنفى الرسول صلى الله عليه وسلم العدوى كلها.
والعدوى انتقال المرض من المريض إلى الصحيح.
فقوله صلى الله عليه وسلم " لا عدوى " يشمل الحسية والمعنوية، وإن كانت في الحسية أظهر
قوله صلى الله عليه وسلم " ولا طيرة " اسم مصدر تطير; لأن المصدر منه تطير.
واسم المصدر يوافق المصدر في المعنى، ولذلك تقول كلمته كلاما بمعنى كلمته تكليما، وسلمت عليه سلاما بمعنى سلمت عليه تسليما.

لكن لما كان يخالف المصدر في البناء سموه اسم مصدر، والطيرة تقدم أنها هي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم .
قوله صلى الله عليه وسلم "ولا هامَة " الهامة طائر يسمى البومة ، وكان العرب يتشاءمون منه ، إذا وقع على بيت أحدهم ، قال : نعى إليَّ نفسي أو أحدا من أهلي .فهذا من عقيدة الجاهلية .
قوله صلى الله عليه وسلم " ولا صفر " أي شهر صفر، كانت العرب يتشاءمون به ولا سيما في النكاح.

والمراد نفي كونه مشؤوما أي لا شؤم فيه، وهو كغيره من الأزمان يقدر فيه الخير ويقدر فيه الشر.

قوله صلى الله عليه وسلم " ولا نوء " واحد الأنواء، والأنواء هي منازل القمر، وأجرى الله العادة أن المطر في وسط الجزيرة العربية يكون أيام الشتاء، أما أيام الصيف فلا مطر فكانوا يتشاءمون ويتفاءلون بالأنواء ، فبعض النجوم يقولون هذا نجم نحس لا خير فيه، وبعضها بالعكس يتفاءلون به فيقولون هذا نجم سعود وخير، ولهذا إذا أمطروا قالوا مطرنا بنوء كذا، ولا يقولون مطرنا بفضل الله ورحمته، ولا شك أن هذا غاية الجهل.

قوله صلى الله عليه وسلم "ولا غُولَ " الغُولُ مفرد الغِيلان ، وهي من أعمال شياطين تتشكل أمام الناس في الفلوات خصوصا إذا استوحش الإنسان تتشكل أمامه أشياءُ تضله عن الطريق إما بأن يرى أمامه ناراً تتنقل ، أو أصواتاً يسمعها أو غير ذلك ، فإذا تغول الغول أمامك فبادر إلى ذكر الله فإن ذكر الله يطرد الشيطان

وهذا الذي نفاه الرسول صلى الله عليه وسلم هو تأثيرُها وليس المقصود بالنفي نفيَ الوجودِ، وأكثرُ ما يُبْتَلَى الإنسانُ بهذه الأمورِ إذا كان قلبه معلقاً بها، أما إن كان معتمداً على الله غيرَ مبالٍ بها فلا تضره ولا تمنعه عن جهة قصده.

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/3/17 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر