الدرس 69 الجزء الثاني ‌‌العلم بأحكام الله من أهم الواجبات

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 13 جمادى الأولى 1445هـ | عدد الزيارات: 160 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمن، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ عبدِ الله ورسولِه، وخيرتِه من خلقه وعلى آله وصحبه، ومن نهج نهجه وسار على هديه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن العلم بأحكام الله أمر ضروري على كل مسلم ومسلمة في كل ما لا يسعهما جهله، ليسيرا في عبادتهما لربهما على هدى وبصيرة.
ولا يمكن للإنسان المسلم أن يفهم دينه ويعمل به إلا إذا عرف أحكامه، وأولاها اهتمامه وعنايته، وبذل جهده وطاقته للإلمام بها، لتكون عبادته لربه بنيت على أساس صحيح ومتين، ومن وفقه الله لمعرفة أحكام هذا الدين، والأخذ بها فقد هدي إلى صراط الله المستقيم، وحصل على خير كثير.
يقول الله سبحانه: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (البقرة 269) قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه وأمثاله. وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا: الحكمة القرآن. يعني تفسيره، قال ابن عباس: فإنه قد قرأه البر والفاجر...) . ا. هـ كلام ابن كثير رحمه الله.
ولكي ندرك أهمية الفقه في دين الله وأنه نور لحامله والعامل به في الدنيا والآخرة، نجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين » متفق عليه.
ويقول عليه الصلاة والسلام: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة أخرى منها إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به » رواه البخاري ومسلم (قلت : جاءت رواية البخاري للحديث بلفظ "مَثَلُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به مِنَ الهُدَى والعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصابَ أرْضًا، فَكانَ مِنْها نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الماءَ، فأنْبَتَتِ الكَلَأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ، وكانَتْ مِنْها أجادِبُ، أمْسَكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بها النَّاسَ، فَشَرِبُوا وسَقَوْا وزَرَعُوا، وأَصابَتْ مِنْها طائِفَةً أُخْرَى، إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذلكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللَّهِ، ونَفَعَهُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ مَن لَمْ يَرْفَعْ بذلكَ رَأْسًا، ولَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الذي أُرْسِلْتُ بهِ." ورواية مسلم بلفظ"إنَّ مَثَلَ ما بَعَثَنِيَ اللَّهُ به عزَّ وجلَّ مِنَ الهُدَى والْعِلْمِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أصابَ أرْضًا، فَكانَتْ مِنْها طائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ الماءَ فأنْبَتَتِ الكَلأَ والْعُشْبَ الكَثِيرَ، وكانَ مِنْها أجادِبُ أمْسَكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بها النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْها وسَقَوْا ورَعَوْا، وأَصابَ طائِفَةً مِنْها أُخْرَى، إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً، ولا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذلكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللهِ، ونَفَعَهُ بما بَعَثَنِيَ اللَّهُ به، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ مَن لَمْ يَرْفَعْ بذلكَ رَأْسًا، ولَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الذي أُرْسِلْتُ بهِ.").

ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها » رواه البخاري ومسلم .

ولقد برز حبر الأمة وترجمان القرآن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - في معرفة الدين فقها وتفسيرا، وتوسع في علوم الشريعة ووعاها ببركة دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل "(قلت: صححه الألباني في شرح الطحاوية ) .

إنها دعوة مباركة من رسول مبارك، تقبلها الله منه - عليه الصلاة والسلام -، ونعمة أنعم الله بها على ابن عباس - رضي الله عنهما وأرضاهما -، وقد برز في عهده وقبله وبعده أئمة أفذاذ في أصول الدين وفروعه، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم حملوا أمانة التبليغ والدعوة وأدوها أحسن ما يكون الأداء، وبصروا الناس بدين الإسلام، سواء في حلقات الدروس والمذاكرة والإرشاد المنتشرة في بيوت الله، أو فيما خلفوه من تراث علمي ومؤلفات قيمة في شتى فروع العلم الشرعي وغيره من العلوم الأخرى التي تخدم الشريعة وترتبط بها، وهيأ الله ولاة صالحين يبذلون بسخاء في سبيل نشر العلم وتشجيع العلماء وطلاب العلم.
إن التفقه في الإسلام وما اشتمل عليه من أحكام، يقتضي البحث والاطلاع لمعرفة حكم الله في كل قضية تعرض للمسلم في حياته، فلا يتجاوز هذه القضية دون بحث واستقصاء ليصل إلى الحكم بالدليل من كتاب الله، أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو الإجماع، أو القياس الجلي.
ولقد أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى الصراط المستقيم؛ وهو طريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين علموا فعملوا. وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم؛ وهم الذين عرفوا الحق واتبعوا أهواءهم وهم اليهود ومن على شاكلتهم. وأن يجنبنا طريق الضالين. وهم الذين جهلوا الحق وهم النصارى ومن على شاكلتهم.
فالواجب على المسلمين التفقه في دينهم، وأن لا يتجاوزوا حدود ما أنزل الله، وأن يحرصوا على فهم أحكام دينهم قبل أي شيء، فإن بعض الناس هداهم الله، ووفقهم، قد يحيط بعلوم كثيرة من علوم الحياة ويبرز فيها، ولكنه لا يعلم شيئا من أحكام دينه، وأسرار شريعته ولا يهتم بذلك. وهذا هو الجهل الفاضح والمصيبة العظمى، فإن العلم بأحكام الله يجب أن يكون مقدما على المعارف الأخرى، ولا مانع من التزود بالعلوم والمعارف الأخرى، ولكن لا بد من تقديم الأصل الأصيل، والركيزة الأساسية للعلوم كلها وهي معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته، واستحقاقه العبادة دون كل ما سواه، ومعرفة دينه عقيدة وسلوكا وعبادة وأحكاما، مما لا يسع المسلم جهله، كما أن الواجب على المسلمين أن يتمسكوا بدينهم بصدق وإخلاص، ويتقبلوا ما يأمرهم به فيعملوا به ويطبقوه في شئون حياتهم كلها دون تمييز، وليعلموا أنهم إن فعلوا ذلك سيسعدون ويفلحون في الدنيا والآخرة.
وهذه الأمة شرفها الله بهذا الدين، وأعزها به، فإذا تخاذلت عن ذلك فلا قيمة لها ولا عزة ولا سعادة.
فنسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعا لما فيه رضاه، وأن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن، ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يمن علينا جميعا بالفقه في دينه، والثبات عليه والدعوة إليه على بصيرة، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين، وينصر بهم الحق، ويجمعهم على الهدى، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه.

١١ جمادى الأولى ١٤٤٥ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر