الدرس 88 باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 15 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1481 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛

قول المصنف:" ولمسلم عن ثوبان ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنْها، وأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأحْمَرَ والأبْيَضَ، وإنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتي أنْ لا يُهْلِكَها بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَنْ لا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وإنَّ رَبِّي قالَ: يا مُحَمَّدُ إنِّي إذا قَضَيْتُ قَضاءً فإنَّه لا يُرَدُّ، وإنِّي أعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أنْ لا أُهْلِكَهُمْ بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَنْ لا أُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، ولَوِ اجْتَمع عليهم مَن بأَقْطارِها، أوْ قالَ مَن بيْنَ أقْطارِها، حتَّى يَكونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، ويَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا. " ورواه البرقاني في صحيحه وزاد :

" وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى " .

وردت هذه الزيادة في صحيح أبي داود للألباني باختلاف يسير ، فقد جاء بلفظ" وإنَّما أخافُ على أُمتي ! الأئمةَ المُضلينَ ، وإذا وُضِعَ السيفُ في أمتي لم يُرفعْ عنها إلى يومِ القيامةِ ، ولا تقومُ الساعةُ حتى تَلحقَ قبائلُ من أُمتي بالمشركينَ ، وحتى تعبدَ قبائلُ من أمتي الأوثانِ ، وإنَّهُ سيكونُ في أمتي كذابونَ ثلاثونَ ، كلُّهم يزعمُ أنَّهُ نبيٌّ ، وأنا خاتمُ النبيِّينَ لا نبيَّ بعدي ، ولا تزالُ طائفةٌ من أمتي على الحقِّ ظاهرينَ لا يضرُّهم من خالفَهم حتى يأتيَ أمرُ اللهِ "

قوله :" عن ثوبان" هو ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم.وصاحَبَه ولازمه ونزل بعده الشام، ومات بحمص سنة 54هـ

"قوله :" إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ"أي جمعها لي حتى أبصرتُ ما تملك أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها.

قوله " فرأيت " أي: بعيني فهي رؤية بصرية .
قوله "مشارقها ومغاربها " أي ما سيبلغ ملك أمته منها.

قوله " وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها "، هذا معلم من أعلام النبوة، فإن ملك الأمة اتسع شرقا وغربا، ووصل في الغرب إلى طنجا، وإلى أقصى المغرب وإلى أسبانيا ووصل في الشرق إلى الصين، وأدَّى ملكُها الخراجَ للمسلمين، فاتسع ملكهم شرقا وغربا.

قوله صلى الله عليه وسلم "وأعطيت" العطية بعد موته صلى الله عليه وسلم لأمته ، وما أُعْطِيَتْ أمتُه هو كالمعطى له صلى الله عليه وسلم.

قوله : " الكنزين الأحمر والأبيض" الكنزان: هما الذهب والفضة كنوز كسرى وقيصر فالذهب عند قيصر، والفضة عند كسرى، وكل منهما عنده ذهب وفضة، لكن الأغلب على كنوز قيصر الذهب، وعلى كنوز كسرى الفضة ، وكانتا أعظم دولتين : دولتي النصارى والوثنية، وقد جيء بأموال الفرس والروم في خلافة عمر بن الخطاب وأنفقت في سبيل الله، فقد فتح الله على أصحابه هاتين الدولتين ، فإن المسلمين غزوا الروم وفارس، واستنقذوا بلاد الشام وبلدانا كثيرة من أيدي الروم، وحصلوا من كنوزهم العظيمة الشيء الكثير، وهكذا استنقذوا بلاد فارس من الوثنية.

قوله "وإنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتي أنْ لا يُهْلِكَها بسَنَةٍ عامَّةٍ، " أورد الشيخ رحمه الله زيادة الباء في كلمة (عامة) فقال :( بسنة بعامة) والأصل : بسنة عامة دون الباء كما ورد في صحيح مسلم ، والمعنى بمهلكة عامة، فالسنة الجدب والقحط ؛ قال صلى الله عليه وسلم "اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عليهم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ" رواه البخاري من حديث أبي هريرة ، وقال تعالى:" وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ "الأعراف 130 ، فالمعنى لا يعم الجدب والقحط كل بلاد المسلمين ، فتهلك أموالهم وزروعهم ، وما يأكلون منه ،. فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن لا ينزل الجدب والقحط على أمته كلهم ؛ لأنه إذا نزل بهم كلهم هلكوا، فالله رحم هذه الأمة من الهلاك العام؛ لأنها آخر الأمم ، ولما جعل الله في نبيها من الخير والبركة والرحمة عليه الصلاة والسلام، هذه الأمة تبقى إلى أن تقوم الساعة على آخرها، ولا تهلك بسنة عامة.
قوله "وأَنْ لا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ،" أي لا يسلط عليهم عدوا، والعدو ضد الولي، وهو المعادي المبغض الحاقد ، وأعداء المسلمين هنا هم الكفار، ولهذا قال "مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ،" أي من غيرهم، ومعنى "يستبيح" يستحل، و"البيضة " المجتمع، أي لا يستبيح الكفار مجتمع المسلمين وبلادهم.

قوله :"وإنَّ رَبِّي قالَ: يا مُحَمَّدُ إنِّي إذا قَضَيْتُ قَضاءً فإنَّه لا يُرَدُّ ".

أي أن الله إذا أمر بشيء وقضاه وقدَّره لا يردُّه أحدٌ.

وفي قوله "إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد" من كمال سلطان الله وقدرته وربوبيته ما هو ظاهر لأنه ما من ملك سوى الله إلا يمكن أن يرد ما قضى به.

أما قضاء الله فلا يمكن ردُّه .

وبالله التوفيق

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/3/14 هـ



التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر