الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فإن من أهم الأمور في حق المعلم أن يوجه الطالب إلى الإقبال على طلب العلم حتى يعلم من أمور دينه ما لا يسعه جهله كمعرفة العقيدة الصحيحة وأحكام الصلاة والزكاة والصيام وأحكام الحج وأحكام المعاملات إذا كان ممن يتعاطى البيع والشراء ونحوهما من وجوه المكاسب حتى يكون في ذلك كله على بينة وهدى؛ لأن الله سبحانه إنما خلق الثقلين ليعبد وحده لا شريك له، وعبادته هي توحيده سبحانه بأنواع العبادة وطاعة أوامره وترك نواهيه، ولا سبيل إلى معرفة ذلك بالتفصيل إلا بواسطة التعلم، وكلما اجتهد الطالب في التعلم وبذل وسعه فيه كان في ذلك أقرب إلى نجاحه وإدراكه المطلوب بتوفيق الله سبحانه.
ومن أهم الأسباب لإدراك المطلوب والفوز بالمرغوب فيه من العلم الشرعي: الإخلاص لله في ذلك، والحذر من طلبه لغرض آخر كالرياء أو نحوه من أغراض الدنيا، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من تعلَّم علمًا مما يبتغى به وجهَ اللهِ تعالى ، لا يتعلَّمُه إلا ليُصيبَ به عرضًا من الدنيا لم يجِدْ عَرْفَ الجنةِ يومَ القيامةِ . يعني ريحَها » . أخرجه أبو داود بإسناد حسن.(صحيح الترغيب للألباني)، وأخرج الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم قال: «من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار » (فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة كان رديء الحفظ سيئ الفهم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع بهذا اللفظ:"مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ ، أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه ، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّمَ ") فالواجب على طالب العلم وعلى كل مسلم أن يخلص عمله لله وحده عملا بقول الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف 110) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي غيري تركته وشركه » رواه مسلم في صحيحه.
والواجب على المعلم أن يعنى بهذا الأمر، وأن يبدأ بنفسه فيكون مخلصا لله في كل أعماله، حسن السيرة والسلوك؛ لأن الطالب يتأسى بأستاذه في الخير والشر، باذلا وسعه في تحصيل العلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يوجه طلبته إلى ما ينفعهم ويعينهم على تحصيل العلم مذكرا لهم بحسن العاقبة للمخلصين وسوئها لغيرهم.
ومن أهم الأسباب أيضا في تحصيل العلم: تقوى الله وخشيته في جميع الأحوال كما قال عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق 2، 3) ومعلوم أن حصول العلم من أفضل الأرزاق، وهو خروج من ضيق الجهل وظلمته إلى سعة العلم ونوره، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (الطلاق 22) وحصول العلم النافع من أعظم التيسير والتسهيل؛ لأن طالب العلم الشرعي يدرك بعلمه من وجوه الخير وأسباب النجاة ما لا يتيسر للجاهل، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} (الأنفال 29) وأحسن ما فسر به الفرقان أنه العلم النافع الذي يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، وعلى حسب ما يحصل للعبد من العلم تكون خشيته لله وتعظيمه لحرماته، ويكون فرقانا بين الحق والباطل، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر 28) وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (الملك 12) قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له "(صحيح البخاري عن أنس بن مالك) وقال بعض السلف: من كان بالله أعرف كان منه أخوف، ومن أعظم علامات السعادة وأوضح الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيرا أن يقبل على العلم الشرعي، وأن يكون فقيها في دينه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين » متفق على صحته. (الحديث رواه البخاري عن معاوية بن سفيان رضي الله عنهما)
وما ذاك إلا لأن الفقه في الدين يحفز العبد على القيام بأمر الله وخشيته، وأداء فرائضه، والحذر من مساخطه، ويدعوه إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنصح لله ولعباده، ومن أعظم الأسباب أيضا في بقاء العلم وزيادته والانتفاع به والاستقامة على الطاعة والحذر من المعاصي، فالواجب التحرز من أسباب ذلك وقد روي أن مالكا رحمه الله قال للإمام الشافعي لما جلس بين يديه لطلب العلم: (إني أرى الله سبحانه قد ألقى عليك من نوره فلا تطفئه بالمعاصي) .
والآيات والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة، والعاقل ينتفع بأدنى إشارة.
والله سبحانه ولي التوفيق.