الدرس 135 مكانة العلماء في المجتمع

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 28 ربيع الأول 1443هـ | عدد الزيارات: 703 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

* لا شك أن دور العلماء دور عظيم في المجتمع ، لأنهم خلفاء الرسل وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس ويجتهدون في توجيه الناس إلى الخير وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العلماء هم ورثة الأنبياء والواجب على أهل العلم أن يجتهدوا في إصلاح أمور الناس وتوجيههم إلى الخير وأن يأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر وأن يصبروا على الأذى عملاً بقول الله عز وجل " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " فصلت 33 ، وعملاً بقول الله تعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " النحل 125 ، وقوله سبحانه وتعالى " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " يوسف 108 ، والواجب على المجتمع أن يعطي العلماء قدرهم وأن يعمل بتوجيههم ونصيحتهم وأن يحرص على الذبِّ عنهم وعلى عدم غيبتهم وعلى سلامة أعراضهم فليس هناك واحد منهم معصوماً وقد يقع الخطأ والزلل فإذا وقع الخطأ أو الزلل وجب على العلماء أن يُنَبِّه بعضهم بعضاً بالأسلوب الحسن وبالعبارة الطيبة حتى يزول الخطأ ويظهر الله الحق .
* الواجب على أهل العلم والدعاة إلى الله عز وجل تحري الحق بالأدلة الشرعية وأن يتثبتوا في كل ما يقولون أو يفتون به حتى تتضح الأدلة لمن يرشدونه أو يوجهونه ، لأن الله سبحانه وتعالى حرَّم عليهم القول بغير علم ، فالواجب عليهم التثبت في الأمور حتى تكون جميع الأحكام التي يصدرونها عن بيِّنة وعن بصيرة .
وأما ما لا يجوز الخلاف فيه فهو ما أوضحته النصوص من الكتاب والسنة فإنه يجب على الجميع أن يتفقوا على ما دلَّ عليه الكتاب أو السنة الصحيحة وأن يحذروا النزاع والخلاف في ذلك ، وإنما يكون الخلاف في المسائل الاجتهادية التي ليس فيها دليل من القرآن أو السنة بل هي محل لاجتهاد العلماء واستنباطهم من القواعد الشرعية ، ويقال عنها " مسائل الاجتهاد " ومن أصاب فيها فله أجران ، ومن أخطأ فله أجر إذا كان من أهل العلم والبصيرة وممن يستطيع أن يجتهد في استخراج الأحكام بالأدلة الشرعية ، والمقصود أنه إذا كان من أهل العلم وبذل وسعه في الاجتهاد فهو بين أمرين : إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر وخطؤه مغفور ، أما ما كان واضحاً بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة فلا يجوز فيه الخلاف بل يجب اجتماع أهل العلم على ذلك .
والواجب إذا حصل الخلاف التنبيه ، تنبيه من أخطأ على أنه خالف النص الفلاني ، والواجب الرجوع إلى النص لأن الله تعالى يقول " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول " النساء 59 ، ويقول سبحانه وتعالى " وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " الشورى 10 ، فالواجب على العالم إذا أخطأ في مسألة فنبَّهه أخوه واتضح الدليل أن يرجع إلى الدليل .

* الواجب على المسلمين حكومة وشعباً في هذه البلاد أن يشكروا الله سبحانه وتعالى على ما منَّ به عليهم من نعمة الإسلام ونعمة الأمن وأن يتواصوا بذلك دائماً ، ويكون الشكر بأداء الفرائض وترك المحارم والوقوف عند حدود الله ، هذا هو الشكر كما قال تعالى " فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون " البقرة 152 ، فالواجب هو الشكر الحقيقي قولاً وعملاً وعقيدة فيشكر كلُ فردٍ اللهَ بقلبه وقوله وعمله ويخافه ويرجوه ويتحدث بنعمه جل شأنه ، قال تعالى " وأما بنعمة ربك فحدث " الضحى 11 ، كما يجب الشكر بالعمل وذلك بأداء الفرائض وبترك المحارم التي حرَّمها الله من الزنى والسرقة والعقوق وقطع الأرحام والربا والغيبة والنميمة إلى غير ذلك من المعاصي فهذا كله من الشكر .
من الواجب على الرعية مساعدة الدولة في الحق والشكر لها على ما تفعل من خير والثناء عليها بذلك ، ويجب عليهم معاونة الدولة في إصلاح الأوضاع فيما قد يقع فيه شيء من الخلل بالأسلوب الطيب وبالكلام الحسن لا بالتشهير وذكر العيوب في الصحف وعلى المنابر ولكن بالنصيحة وبالمكاتبة والتنبيه على ما قد يخفى حتى تزول المشاكل ويحل محلها الخير والإصلاح وحتى تستقر النعم ويسلم الناس من حدوث النقم ولا سبيل إلى هذا إلا بالتناصح والتواصي بالخير ، والواجب على الدولة وفقها الله أن تجتهد فيما يكون قد وقع من خلل في إصلاحه ، وأن تجتهد في كل ما يرضي الله عز وجل ويقرب إليه ، وفي إزالة كل ما نهانا عنه الله عز وجل وأن تقوم بواجبها في إصلاح ما هو مخالف للشرع ، وذلك بالتعاون مع العلماء والموظفين والمسئولين والصالحين ومع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
* السبيل لمعالجة السلبيات والمنكرات أوضحه الله عز وجل حيث يقول " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " التوبة 71 ، ويقول سبحانه " ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " آل عمران 104 ، ويقول سبحانه وتعالى " والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " سورة العصر ، وهذا هو السبيل وهو التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والنصيحة ودعوة الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأسلوب الحسن والكلمات الطيبة والرفق حتى يعم الخير ويكثر وحتى يزول الشر ويندثر ، وهذا مطلوب من الجميع من الدولة ومن العلماء ومن أهل الخير ومن أعيان المسلمين ومن العامة كل بحسب طاقته ولكن بتحري العبارات الطيبة والأسلوب الحسن حتى يحصل الخير ويزول الشر .

* الغيرة الصادقة لدى الشباب المسستقيم على دين الله وحماسهم لفعل الخير وإنكار المنكر من الأمور التي تَسُرُ، وتبشر بالخير وهذا من اليقظة الإسلامية ومن أسباب انتشارها أيضاً فالواجب تشجيع ذلك وترشيده ، ونصيحتي للشباب أن يرجعوا إلى العلماء فيما أُشْكِلَ عليهم ومن أهم الأمور عدم العجلة وعدم الغلو وسلوك منهج التوسط في الأمور .

* المسلم الذي يوحِّد الله ويدعوه وحده سبحانه وتعالى ويؤمن بأنه الإله الحق ، ويعتقد معنى لا إله إلا الله وأن معناها لا معبود حق إلا الله ، ويؤمن بمحمد أنه رسول الله حقاً أرسله الله إلى الجن والإنس، هذا يقال له مسلم لكونه أتى بالشهادتين ووحَّد الله ، فإذا أتى شيئاً من المعاصي فإنه يكون بذلك ناقص الإيمان كالزنا والسرقة والربا إذا لم يعتقد حل ذلك ولكنه أطاع الهوى والشيطان بفعل هذه المعاصي أو بعضها فهذا يكون نقصاً في إيمانه وضعفاً في إيمانه ، أما إذا توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال اللهم إني أسألك بجاه محمد أو بحق محمد فهذا بدعة عند جمهور أهل العلم ونقص في الإيمان ولا يكون مشركاً ولا يكون كافراً بل هو مسلم ولكن يكون هذا نقصاً في الإيمان وضعفاً بالإيمان مثل بقية المعاصي ، لأن الدعاء ووسائل الدعاء توقيفية ولم يرد في الشرع ما يدل على التوسل بجاه محمد صلى الله عليه وسلم بل هذا مما أحدثه الناس ، فالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه الأنبياء أو بحق النبي أو بحق الأنبياء أو بجاه فلان أو بجاه علي أو بجاه أهل البيت كل هذا من البدع ، والواجب ترك ذلك لكن ليس بشرك وإنما هو من وسائل الشرك ، والمسلم يتوسل بأسماء الله وصفاته ، قال الله تعالى " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الأعراف 180 ، ويتوسل بالتوحيد والإيمان كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد " (ورد الحديث في صحيح ابن ماجه للألباني عن بريدة بن الحصيب الأسلمي بهذا اللفظ " اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّكَ أنتَ اللَّهُ الأحدُ الصَّمدُ ، الَّذي لم يلِد ولم يولَدْ ، ولم يَكُن لَهُ كُفُوًا أحدٌ ")، فهذا توسل بتوحيد الله ، وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات كما في حديث أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم صخرة لما دخلوا الغار من أجل المطر أو المبيت فانطبقت عليهم صخرة عظيمة فلم يستطيعوا دفعها فقال بعضهم لبعض : إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فدعوا الله بصالح أعمالهم فتوسل أحدهم ببره لوالديه فانفرجت الصخرة بعض الشيء ، ثم توسل الآخر بعفته عن الزنا وأنه كان له بنت عم يحبها كثيراً فأرادها لنفسه فأبت عليه ثم أنها ألمت بها سِنَةٌ وحاجة ، فجاءت إليه تطلب العون فقال : إلا أن تمكنيني من نفسك فوافقت على أن يعطيها مائة وعشرين ديناراً من الذهب فلما جلس بين رجليها قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فخاف من الله سبحانه وقام عنها ولم يأت الفاحشة وترك لها الذهب وقال : اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة بعض الشيء ولكن لا يستطيعون الخروج ، ثم توسل الثالث بأدائه الأمانة وقال : إنه كانت عنده أمانة لبعض العمال تركها عنده فنمَّاها وعمل فيها حتى صارت مالاً كثيراً من الإبل والبقر والغنم والرقيق فلما جاء صاحبها أدَّاها إليه كلها كاملة فقال : يا ربي إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا ، وهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحات من أسباب الإجابة ، فيتوسل المسلم بأسماء الله وصفاته أو بإيمانه بالله فيقول اللهم إني أتوسل إليك بإيماني بك أو بإيماني بنبيك ، أو بمحبتي لك ، أو بمحبتي لنبيك عليه الصلاة والسلام فهذا طيب وهذه وسيلة شرعية طيبة ، أو يتوسل بالتوحيد بأن يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد ، كل هذا طيب أو يتوسل إلى الله ببره لوالديه ، أو بمحافظته على الصلوات ، أو بعفته عن الفواحش ، هذا هو الذي قرره أهل العلم وأهل التحقيق من أهل البصيرة ، أما التوسل بجاه النبي ، أو بجاه فلان ، أو بحق فلان فهذا بدعة والذي عليه جمهور أهل العلم أنه غير مشروع .

والله ولي التوفيق .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

28 - 3 - 1443هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر