الكسب الحلال

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 6 ربيع الأول 1443هـ | عدد الزيارات: 657 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، رفع السماء بلا عمد، والأرضَ وضعها للأنام فيها جناتٌ والنخلُ ذاتُ الأكمام، مَن أطاعه تولَّاه، ومن غفل عنه لا ينساه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله (صلى الله عليه وسلم).

أما بعد: فالعيش في الأرض لا بد له من قوام من مال، ولكي تُعمر الأرض على مراد الله لا بد للمسلم أن يعمرها بالحلال والطيب من الرزق قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[البقرة: 172] فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ" ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ."

تأملوا ،رحمكم الله، خمسٌ في الرجل آكلِ الحرام هي مما يُستجاب بها الدعاء: سفرٌ وطولُ غربةٍ وشعث أكسبته غُبْرة ورفعُ يدٍ أدبٌ في الدعاء وإلحاحٌ في الدعاء.كلُّ هذا هدمَه مطعمٌ حرامٌ ومشربٌ حرامٌ وملبسٌ حرامٌ فحرم إجابَة الدعوة؛ لأن هذا الجسد أكل من السحت ما يجعل النار أولى به.

ولمَّا كان الرزقُ متداولاً بين الناس أخذاً وعطاءً كان الحسابُ عليه يوم القيامة في هذين الاتجاهين حتماً قال صلى الله عليه وسلم: " لاَ تزولُ قدَمُ ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ من عندِ ربِّهِ حتَّى يسألَ عن خمسٍ: عن عمرِهِ فيمَ أفناهُ، وعن شبابِهِ فيما أبلاَهُ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وماذا عملَ فيما علِمَ " رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود وصححه الألباني.

فالمرءُ مع المال أحدُ أربعةٍ: رجلٌ أخذه من حرام وأنفقه في الحرام، ورجلٌ أخذه من حرام وأنفقه في الحلال، ورجلٌ أخذه من حلال وأنفقه في الحرام، ورجلٌ أخذه من حلال وأنفقه في الحلال، فالكل تزلَُ بهم القدمُ إلا رابعَهم فقد ثبت على الحلال وانفق في الحلال فأنجاه الله يوم تزل الأقدام.

انظرْ إلى مَنْ فَقِهَ هذا الكلامَ حقَّ الفقهِ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: " كانَ لأبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ له الخَرَاجَ، وكانَ أبو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِن خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بشَيءٍ، فأكَلَ منه أبو بَكْرٍ، فَقالَ له الغُلَامُ: أتَدْرِي ما هذا؟ فَقالَ أبو بَكْرٍ: وما هُوَ؟ قالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ في الجَاهِلِيَّةِ، وما أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إلَّا أنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فأعْطَانِي بذلكَ؛ فَهذا الذي أكَلْتَ منه. فأدْخَلَ أبو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شيءٍ في بَطْنِهِ.". أخرجه البخاري في صحيحه.

عبدَ الله؛ لن تأخذ إلا ما كتب الله لك ولن تنتقل من هذه الحياة الدنيا وبقي لك فيها شربة ماء أو نفس من هواء قال صلى الله عليه وسلم:" إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها، وتستوعِبَ رزقَها، فاتَّقوا اللهَ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ " صححه الألباني في صحيح الجامع عن أبي أمامة الباهلي.

عبادَ الله، الرزقُ إما أجرٌ وإما وزرٌ. فلقمةٌ تأكلُها من حلال تُحييكَ حياةً طيبةً، ولقمةٌ من حرام تجلبُ لك البلايا من حيث لا تحسب ولن يُنالَ ما عند الله من الرحمة والفضل والبركة في الرزق بمعصيته، فربَّما قد كتب اللهُ لك الرزقَ الحلالَ فاستعجلت عليه فأكلتَه بالحرام.

اعلمْ أن الغنى قناعتُك بما رزقك الله وليس بكثرة ما لديك من عرض الدنيا فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: " يا أيُّها النَّاسُ! إنَّ الغِنى ليسَ عن كثرةِ العَرضِ، ولكنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُؤْتي عبدَه ما كَتبَ لهُ من الرِّزقِ، فأجمِلوا في الطلبِ، خُذوا ما حَلَّ، ودعوا ما حَرُمَ ". رواه أبو هريرة وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب.

هذا وأستغفروا الله إن الله غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

أما بعد:

فإن للرزق أسبابَ بركةٍ وأبوابَ خيرٍ، من ذلك: الاستغفار والتوبة، قال الله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً[نوح: 10-12].والتوكل على الله، ، وشكره على كثيرِ نعمهِ قال تعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ[إبراهيم: 7]. وأكل المال الحلال فالله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، ومن أكل الحلال عدم مخالفة الأنظمة والتعليمات التي سنها ولي الأمر لمصلحة الوطن والمواطن ، كذلك أيضًا البعد عن جريمة التستر التجاري وتشغيل المقيمين في أعمال تجارية خلاف ما استقدموا له، ولا شك أن في ذلك ضررًا كبيرًا يقع على المواطنين والمقيمين.

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار ، اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا واكرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم رغبنا فيما يبقى وزهدنا فيما يفنى واغفر لنا، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء. اللهم آمنا في أوطاننا واحفظ اللهم ولاة أمورنا ووفق بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا ووليَّ عهده. اللهم اكف المسلمين كيد الكفار ومكر الفجار وشر الأشرار وشر طوارق الليل والنهار يا عزيز يا غفار.اللهم كن لإخواننا في الهند فإنهم الآن يذبحون على يد الهندوس .

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].

1443/3/6هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي