المخدرات وأثرها على المجتمع

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 29 صفر 1443هـ | عدد الزيارات: 783 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد: فاتقوا الله حق تقاته، فما أعظمَ أجرَ المتقين، وما أسعدَ حالَ الطائعين.

أيها الإخوة ؛ لقد كرّم الله الإنسانَ بكرامات كثيرةٍ من أعظمها هذا العقلُ، الذي جعله الله مناطَ التكليف، وأحاطه بالخطاب والتنبيه من القرآن والسنة. بهذا العقل تَميّزَ الإنسان وتكرّم، وترقّى في شأنه وتعلّم، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ[الإسراء: 70]. جعل اللهُ العقلَ ضرورةً كبرى، وشرع لصيانتِه الحدَّ، فبالعقل يُميّزُ الإنسان بين الخير والشرّ والنفع والضُرّ، وبه يتبيّنُ أوامرَ الشرع؛ ويعرفُ الخطابَ ويردُّ الجواب؛ ويسعى في مصالحه الدينيّة والدنيويّة، فإذا أزال الإنسانُ عقلَه لم يكن بينه وبين البهائم فرق، بل هو أضلّ منها، ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ[الفرقان: 44]، بل قد يُنتفع بالحيوان، أما الإنسان فلا يُنتفع به بعد زوال عقله، بل يكون عالةً على غيره، يُخشى شرُّه ولا يُرجى خيره. ومع كلِّ ذلك فقد أبى بعض التائهين إلاّ الانحطاط إلى درَك الذلّة والانحدارَ إلى المهانة، فأزالوا عقولَهم معارضين بذلك العقل والشرعَ والجِبِلّة؛ وذلك بتعاطي الخمور والمخدّرات.

إخوة الإسلام، إنّ من أعظم الآفات على المجتمعات اليوم هذه المسكراتِ والمخدّرات، فهي أمّ الخبائث وأمّ الكبائر وأصل الشرور والمصائب، شتَّتِ الأسَر، وهتكتِ الأعراض، وتسبّبت في السرقات، وجرّأت على القتل، وأنتجت كلّ بليّةٍ ورذيلة، وأخذت بأصحابها إلى السجون، وقادتهم إلى الانتحار، قد أجمع على ذمّها العقلاء منذ عهد الجاهليّة، وترفّع عنها النبلاء من قَبْلِ الإسلام، فلمّا جاء الإسلام ذمّها وحرّمها، يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة: 90، 91]. بيّنَ اللهُ تعالى مفاسدَ الخمر، وأنها رجسٌ ونَجَس، وأنها توقع العداوةَ والبغضاء، وتصدُّ عن الصلاة وذكر الله، وأنها سببٌ لعدم الفلاح. هذه الآيات هي الآيات الفاصلة بتحريم الخمر، في نهايتها (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ)؛ لما نزلت قال من كان يشرب الخمر من الصحابة رضي الله عنهم: انتهينا انتهينا.

أيها الإخوة، إنّ الخمر هو كلّ ما خامر العقلَ وغطّاه؛ مهما كان نوعُه وأيًّا كان اسمُه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ خمرٍ حرامٌ) رواه مسلم، وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزّ وجلّ عهدًا لمن يشربُ المسكرَ أن يَسقيَه من طينةِ الخبال)، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: (عرقُ أهل النار) أو: (عصارة أهل النار) رواه مسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمِنُها ؛لم يتُبْ لم يشربها في الآخرة) رواه مسلم، إنّها نصوصُ زجرٍ ووعيد وتخويفٍ وتهديد؛ يقفُ عند حدِّها من يعلَمُ أنه محاسَبٌ غدًا أمامَ الله العظيم.

إخوة الإيمان، إن المخدّراتُ تفسد العقلَ وتقطع النسل وتورث الجنون وتجلب الوساوس والهموم وأمراضًا عقليّة وعضويّة مستعصية، وأمراضا نفسية محيِّرة، وتجعل صاحبَها حيوانًا هائجًا ليس له صاحب، وتُرديه في أَسوَأ المهالك، مع ما تورثه من قلّة الغيرة وزوال الحميّة. وكثيرا ما تفكّكتِ أسَرٌ من أَثَرِها، وتفشّتِ الجرائم بسببها، وأعظم آثارها فَقدُ الدين وضياعُ الإيمان، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يشرب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن).

عباد الله، إنّ وجود هذا الوباءِ له أسبابٌ وبواعث، منها ضَعفُ الوازع الدينيّ بسبب التفريط في الطاعات وكثرة المعاصي؛ ومنها وسائلُ الإلهاء والتغفيل؛ التي أبعدت الناس عن هدي الله وذكره؛ وهوّنت عليهم ارتكاب أيّ محظور، وأنتجت قلّةَ الخوف من الله؛ فلا يفكّر أحدهم في عذاب الآخرة ولا عقاب الدنيا، وكذلك من أسباب انتشارها الفراغُ القاتل والبطالة، سيِّما عند الشباب؛ خاصةً عند مصاحبةِ أصدقاء السوء. وإنّ للأعداء ومخططاتهم دورًا كبيرًا في انتشارها؛ وذلك للسيطرة والعدوان واستلاب العقول والأموال. يتضح هذا في الأطنان الضخمة المهربة لهذه البلاد حرسها الله.

هذا، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمدُ لله نحمده حمدَ الشاكرين ونتوبُ إليه ونستغفره استغفارَ الأوَّابين ، ونصلي ونسلمُ على نبينا محمدٍ رسولِ ربِّ العالمين وسيِّدِ ولدِ آدمَ أجمعين.

أيها الإخوة، لا بدّ من الوعي بحقائق الأمور وإدراك حجمِ الخطر، ثم التكاتُف والتآزر بين أفراد المجتمع ومؤسّساته، لا بدّ من تنمية الرقابةِ الذاتيّة بالإيمان والخوف من اللهِ في قلوبِ الناس عامّةً والناشئة والشّباب خاصّة، ولن يردع البشرَ شيءٌ كوازع الدِّين. ولا بدّ من تكثيفِ التوعية بأضرار المسكرات والمخدّرات. كما تجب العنايةُ بالشباب وملءُ فراغهم بما ينفعُهم وينفعُ مجتمعَهم. كذلك الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر فهي مهمة كلِّ مسلمٍ، ولو ائتمرنا بيننا وتناهينا ونصحنا وتناصحنا لما وجَدَ الشيطانُ وأهلُ السوء سبيلاً إلى ضعيفٍ بيننا. ولا بدّ أن يتكاتفَ أفراد المجتمع مع الجهاتِ المسؤولة على نبذِ المروّجين والتبليغ عنهم وعدم التهاون معهم فهم مفسدون وأيّ مفسدون.

أما المبتلى بالتعاطي فهو مريضٌ بحاجةٍ ماسّة إلى المساعدة بالتوجيه والعلاج، لا إلى مجرّد الشفقة والسكوت السلبيّ، أو نبذه وتركه في معاناته مع من لا يرحمه.

عباد الله؛ لا بدّ من الإشادة بما يبذله رجال الأمن وجهاتُ مكافحة المخدّرات ومستشفيات الأمل ومن يقومون بالتوعيةِ بأضرار التدخين والمخدرات من جهود مشكورةٍ للحدّ منها ومتابعتها والتحذير والتوعية، أعانهم الله وسدّدهم وأنجح مساعيَهم، وأمكنهم من المجرمين المفسدين لبلادنا ومجتمعاتنا وشبابنا.

فالنصيحة المكرّرة والوصيّة المؤكّدة هي الحرصُ على الأبناء والبنات ومتابعتُهم وملاحظتُهم، وتركُ الثقة العمياء، ويكون القيامُ على ذلك بالقرب منهم ومصاحبتِهم وتوجيهِهم وتحذيرِهم مع الرفق بهم والصبر عليهم، وقبل ذلك بالقدوة الحسنة لهم.

اللهمّ احفظنا وعافنا في أنفسنا وأهلينا، وقنا والمسلمين شرَّ هذه البلايا، ورُدَّ ضالَّ المسلمين إليك ردًّا جميلاً،اللهم احفظنا وبلادنا وشبابنا من كيد المجرمين المفسدين، اللهم ارزق شبابنا الرُفقة الصالحة، وأبعد عنهم رفقاء السوء.اللهم، وفق إمامنا ووليَّ أمرنا ووليَّ عهده لما تحب وترضى وارزقهم التوفيق والسداد لما فيه مصلحة البلاد والعباد ، واحفظ جنودنا في الحد الجنوبي وأعدْهم إلى أهليهم سالمين غانمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



1443/2/29هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 5 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي