الدرس 80 وجوب عبادة الله وتقواه 1

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 17 رجب 1442هـ | عدد الزيارات: 512 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يقول الله عز وجل في كتابه العظيم " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة 21 ، ويقول سبحانه " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " النساء 1 ، ويقول عز وجل " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " الذاريات 56 - 58 ، ويقول سبحانه وتعالى " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم " الحج 1 ، ويقول سبحانه وتعالى" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"الحجرات 13 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وقد أرسل سبحانه الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم نوح إلى آخرهم وخاتمهم نبينا محمد عليهم الصلاة والسلام أرسلهم جميعاً ليدعوا الناس إلى توحيد الله وطاعته وتقواه ولينذروهم الشرك به وعبادة غيره ومعصية أوامره كما قال سبحانه " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " النحل 36 ، ويقول سبحانه " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " الأنبياء 25 .

فالله سبحانه خلقنا جميعاً رجالاً ونساءً جناً وإنساً حُكَّاَماً ومحكومين عرباً وعجماً لنعبدَ اللهَ وحدَه ونتقيَه سبحانه فيما نأتي ونذر ونُحَاسِب أنفسَنا في ذلك حتى نستقيمَ على توحيد الله وطاعته والمسارعة إلى ما أوجب علينا وترك ما نهانا عنه سبحانه وتعالى فالواجب على كل ذكر وأنثى من المكلفين أن يعبد الله ويتقيه سبحانه وتعالى أينما كان لأنه خُلِق لهذا الأمر وأُمِر به من جهة الله سبحانه في كتبه ثم من جهة الرسل عليهم الصلاة والسلام فعلى جميع المكلفين من ذكور وإناث وعرب وعجم وجن وإنس أن يعبدوا الله ويتقوه ويلتزموا بالإسلام .
كما أن على المسلمين الذين منَّ الله عليهم بالإسلام أن يستقيموا على دينهم وأن يثبتوا عليه وأن يتفقهوا فيه حتى يؤدوا ما أوجب الله عليهم على بصيرة وحتى يتركوا ما حرم الله عليهم على بصيرة وعلى أهل العلم أينما كانوا أن يدعوا إلى الله وأن يفقهوا الناس في دين الله ، لأنهم خلفاء الرسل عليهم الصلاة والسلام ، والرسل بُعثوا ليُعلِّموا الناس ويرشدوهم ويدعوهم إلى الحق وينذروهم من الشرك بالله ومن سائر المعاصي وعلى علماء الإسلام أينما كانوا أن يعلموا الناس وأن يبلغوا الناس دينهم وأن يشرحوا لهم ما قد يخفى عليهم طاعةً لله ولرسوله وأداءً لواجب النصيحة وتبليغاً لرسالة الله التي بعث بها نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام .
وعلى المدعوين المُبَلَّغِينَ أن يستجيبوا لأمر الله ورسوله وأن يتفقهوا في دينهم ويسألوا عمَّا أُشكل عليهم وأن يعبدوا الله وحده بالإخلاص له سبحانه وتعالى كما قال عز وجل " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " البينة 5 .

فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لمَّا بعثه الله بلَّغ الناسَ وقال " قولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، تُفلِحوا." (قلت: الحديث رواه أحمد في مسنده وصححه لغيره شعيب الأرناؤوط)، ودعا قومه قبل كل أحد ودعاهم إلى أن يعبدوا الله وأن يدعوا الشرك الذي كانوا عليه من عبادة الأصنام والأشجار والأحجار والأموات والكواكب وغير ذلك وأن يخصوا الله بالعبادة بدعائهم واستغاثتهم ونذرهم وذبحهم وصلاتهم وصومهم وغير هذا من عباداتهم كما قال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " الإسراء 23 ، وقال سبحانه " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً " الجن 18 ، وقال عز وجل " ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون " المؤمنون 117 ، وقال سبحانه " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " البقرة 186 .

فالواجب على جميع المكلفين أن يستقيموا على معنى شهادة أن لا إله إلا الله فإن معناها لا معبود حق إلا الله وهو معنى قوله جل وعلا " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " البينة 5 ، وقوله " إياك نعبد وإياك نستعين " الفاتحة 5 ، هذا هو الواجب على جميع المكلفين في سائر الأرض من جن وإنس من الرجال والنساء أن يعبدوا الله وحده وهذا هو أصل دين الإسلام .
لأن أصل دين الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والإخلاص وترك الشرك والانقياد له بالطاعة وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي فهذا هو معنى الإسلام .

قال الله سبحانه " إن الدين عند الله الإسلام " آل عمران 19 ، وقال سبحانه " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " آل عمران 85 ، ويقول جل وعلا " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " المائدة 3 ، نزلت هذه الآية يوم عرفة والنبي واقف بعرفة عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع بيَّن الله سبحانه فيها أنه أكمل الدين وأتم النعمة وأنه رضي لعباده الإسلام وهو توحيد الله والإخلاص له والذل بين يديه والانقياد لأوامره وترك مناهيه سبحانه وتعالى وعلى رأس ذلك إخلاص العبادة لله وحده وترك الإشراك به كما هو معنى لا إله إلا الله كما تقدم إذ معناها لا معبود حق إلا الله وهو معنى قوله سبحانه " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم " البقرة 256 ، وقوله سبحانه " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً " النساء 36 ، وقوله عز وجل " فاعبد الله مخلصاً له الدين * ألا لله الدين " الزمر 2 ، 3 ، وهو معنى قوله عز وجل " ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل " الحج 62 .
ولا بد من الالتزام بهذا الأصل وهو توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به مع استقامة العبد على فعل بقية الأوامر وترك النواهي .

ومن ذلك الالتزام ببقية أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم والحج فإن الإسلام بني على خمسة أركان أولها : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فيشهد العبد أنه لا معبود حق إلا الله ويلتزم بذلك فيعبد الله وحده دون كل ما سواه ويدع الإشراك به ويلتزم باتباع محمد عليه الصلاة والسلام والإيمان به والشهادة بأنه رسول الله أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس وأنه خاتم الأنبياء وأنه تجب محبته فوق محبة النفس وفوق محبة كل أحد من الخلق وتجب طاعته واتباع شريعته والالتزام بذلك كما قال الله عز وجل " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون " الأعراف 158 ، وقال سبحانه " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم " آل عمران 31 ، أي قل يا أيها الرسول للناس إن كنتم تحبون الله صادقين فاتبعوني يحببكم الله فمن أحب الله صادقاً وأحب رسوله صادقاً فالواجب عليه اتباع محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من فعل الأوامر وترك النواهي وعلى رأسها توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به ثم إقام الصلوات الخمس والمحافظة عليها في أوقاتها الرجل يؤديها في الجماعة والمرأة تؤديها في بيتها كما أمر الله بذلك بخشوع واستقامة وطمأنينة في قيامها وركوعها وسجودها وبين السجدتين وحين الارتفاع من الركوع يؤديها المؤمن والمؤمنة كما أمر الله .

وفي الصحيحين أن رجلاً دخل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه فصلى ولم يتم صلاته ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام عليه الصلاة والسلام وقال له عليه الصلاة والسلام : ارْجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فرجع فصلى كما صلى فعلها ثلاث مرات كلما جاء سلم ورد عليه النبي السلام وقال له :" ارْجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، " فقال الرجل في الثالثة : والذي بعثك بالحق نبيا ما أحسن غير هذا فعلمني ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " (قلت: الذي ورد في الصححين بهذا اللفظ"إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وافْعَلْ ذلكَ في صَلَاتِكَ كُلِّهَا.")، ، فبيَّن صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل المسيء صلاته كيفية الصلاة التي شرعها الله لعباده وأمره أن يلتزم بذلك وفي هذا الحديث العظيم بيان أن الطمأنينة في الصلاة لابد منها وأن من لم يطمئن فلا صلاة له ولا فرق في ذلك بين صلاة الفرض والنفل لكن صلاة الفرض أهم وأعظم .
فالواجب على جميع المسلمين من الرجال والنساء أن يصلوا كما أمر الله ورسوله والله سبحانه يقول " وأقيموا الصلاة " البقرة 43 ، يعني أدوها قائمة تامة وأن يؤدوا الزكاة كما أمر الله في قوله سبحانه " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " البقرة 43 ، وعلى الجميع أن يتفقهوا في ذلك ويسألوا أهل العلم عما أُشكل عليهم وعلى الجميع صوم رمضان كل سنة وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة وعلى الجميع أيضاً حج بيت الله الحرام مرة في العمر من الرجال والنساء إذا استطاعوا ذلك لقول الله سبحانه " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً " آل عمران 97 .

وعلى جميع المكلفين أيضاً القيام بأوامر الله الأخرى من بر الوالدين وصلة الرحم وصدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما حرم الله من سائر المعاصي من الزنا وشرب المسكرات وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا والخيانة في الأمانة وشهادة الزور وغير هذا مما نهى الله عنه ورسوله .
وفق الله الجميع لما يرضيه وأصلح حالنا جميعاً .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .

16 - 7 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر