الدرس 81 وجوب عبادة الله وتقواه 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 17 رجب 1442هـ | عدد الزيارات: 525 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الواجب على جميع المكلفين أن يلتزموا بأركان الإسلام التي أعظمها توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به وعليهم جميعاً أن يلتزموا بأوامر الله وترك نواهيه سبحانه وتعالى ، ومن ذلك التزام المؤمنات بالحجاب الشرعي عن الرجال وعدم الاختلاط بهم بل يجب أن يكون الرجال من الأطباء والممرضين للرجال وأن تكون الطبيبات والممرضات من النساء للنساء هكذا يجب الطبيبات للمرضى من النساء والأطباء من الرجال للمرضى من الرجال والكتاب من الرجال للرجال والكاتبات من النساء للنساء حتى لا يختلط هؤلاء بهؤلاء ولا هؤلاء بهؤلاء لما في الاختلاط من الفتنة والخطر العظيم ، يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح " ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ." ،(قلت: رواه البخاري) يعني عند الاختلاط وعدم الحذر ، ويقول عليه الصلاة والسلام " إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ."(قلت: رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري).
فالمرأة عند بروزها للرجال متزينة متكحلة قد تعاطت ما يسبب الفتنة فيكون في ذلك خطر عظيم عليها وعلى الرجل عند اختلاطه بالنساء فالمريضة من النساء تعالجها المرأة والمريض يعالجه الرجل وهكذا يجب وقد صدر في هذا تعليمات من ولي الأمر فالواجب الالتزام بذلك إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض لا يفهمه إلا رجل جاز عند الضرورة أن يعالج المرأة أو مرض لا يفهمه إلا المرأة ولم يوجد رجل يفهمه فإن المرأة تعالج الرجل عند الضرورة مع العناية بالحشمة وعدم الخلوة .

ووصيتي للمستشفيات والقائمين عليها من الأطباء والطبيبات ومن العاملين والعاملات وعلى رأس الجميع المدير ، وصيتي للجميع الالتزام بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والتعاون على البر والتقوى وأن يختص الرجال بالرجال والنساء بالنساء في الطب والتمريض والأعمال الكتابية وغير ذلك حتى يتميز هؤلاء عن هؤلاء وحتى يبتعد الجميع عن أسباب الفتنة والخلوة المحرمة إلى غير ذلك مما قد يقع من الفتن بأسباب الاختلاط ثم فوق ذلك كله العناية بأمر الله الذي خلقنا له فقد عرفتم جميعاً أننا خلقنا لأمر عظيم وهو القيام بعبادة الله وتقواه فلم نُخلق للأكل والشرب والجماع والتلذذ بمباهج الحياة ولكن خُلقنا لنعبد الله وحده ونتقيه سبحانه وتعالى بفعل الأوامر وترك النواهي عن إيمان به سبحانه وإخلاص له .
وخلق لنا سبحانه هذه الأشياء التي بين أيدينا نستمتع بها من الملابس والمساكن والمراكب والمآكل والمشارب وغير ذلك ؛ لا لنُشغلَ بها عن طاعة الله ولكن لنستعين بها على طاعة الله وتقواه كما قال جل وعلا " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً " البقرة 29 ، وقال الله سبحانه وتعالى " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً " الجاثية 13 ، سخر لنا سبحانه وتعالى ما في السماوات والأرض من الأمطار والنجوم والشمس والقمر وما في الأرض من النعم وما ينزله علينا جل وعلا من السماء من رزق كل ذلك من رحمته لنا وإحسانه إلينا جل وعلا .

فالواجب علينا أن نشكره سبحانه والشكر يكون بطاعة الأوامر وترك النواهي لا بمجرد الكلام لأن الشكر يكون بالكلام وبالفعل وبالقلب قال تعالى " اعملوا آل داود شكراً " سبأ 13 ، وقال سبحانه " فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون " البقرة 152 ، وقال سبحانه " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " إبراهيم 7 ، فالشكر يكون بالقلب واللسان والعمل .

فالنعمة تشكر باليد وباللسان وبالقلب ، يشكر الله بمحبته وتعظيمه والإخلاص له في جميع العبادات وفي جميع الطاعات له سبحانه وتعالى فلا نعبد معه سواه جل وعلا ونشكره بالكلام بحمده والثناء عليه والدعوة إلى سبيله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر ما شرع الله من الكلام ونشكره بالفعل بأداء الواجبات من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك وترك ما نهى عنه من المحرمات القولية والفعلية هكذا يكون الشكر منا لربنا سبحانه وتعالى .

ووصيتي لنفسي وللجميع أن نتقي الله في السر والعلن لأنه القائل سبحانه " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب " البقرة 197 ، وهو القائل عز وجل " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" الحشر 18 ، وهو القائل سبحانه " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم " الأحزاب 70 ، 71 ، فعلينا أن نتقيه سبحانه ، وتقواه هي عبادته بفعل الأوامر وترك النواهي عن خوف من الله وعن رغبة فيما عنده وعن خشية له سبحانه وعن تعظيم لحرماته وعن محبة صادقة له سبحانه ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولجميع المرسلين والمؤمنين فعلينا أن نحب الله بكل قلوبنا فوق محبة كل أحد وأن نحب رسوله صلى الله عليه وسلم محبة صادقة فوق محبة أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وأولادنا وغيرهم وأن نحب الرسل عليهم الصلاة والسلام ونحب إخواننا في الله والمؤمنين ، فالمحبة من أفضل الواجبات ومن أهم الواجبات ، المحبة لله وفي الله عز وجل ، وهذه المحبة لله ولرسوله توجب طاعة الأوامر وترك النواهي كما قال سبحانه"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"آل عمران 31 ، فالمحبة الصادقة لله ولرسوله وللمؤمنين تقتضي العمل بطاعة الله وإخلاص العبادة له وترك معصيته كما تقتضي طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء به والحذر مما نهى عنه والوقوف عند الحدود التي حدَّها مع تقديم سننه وشرعه على أهوائنا وتوجب أيضاً محبة المؤمنين وإعانتهم على الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومحبة الخير لهم وأداء الأمانة .

* ومما يجب على المسئولين عن الناس في المستشفيات وغيرها أداء الأمانة فالطبيب والعامل والمسئول عن الإدارة وغيرهم كلهم مسئولون عن أداء الأمانة التي وكلت إليهم في العلاج وفي الدواء وفي الرفق بالمريض وفي غير هذا من شئون التطبيب ويجب على الجميع أن يؤدوا الأمانة بكل صدق وعناية وأن يحرصوا على العناية بالدواء النافع والوقت المناسب وأن يكونوا على بينة في وضع الدواء على الداء وأن يحذروا التساهل في ذلك وأن يرفقوا بالمريض وأن يسمع منك اللطف في الكلام وطيب الحديث .
لأن هذا يعين على زوال المرض بإذن الله وعلى الشفاء من المرض وهكذا الطبيبة تعنى بهذا الأمر فتكون رفيقة حكيمة كالرجل كل منهم يكون رفيقاً حكيماً طيب الكلام يشعر منه المريض بالحنو والعطف والمحبة والحرص على شفائه ويعتني مع ذلك بالدواء المناسب وبالوقت المناسب وبالمقدار المناسب من الدواء حتى لا يزيد فيضر المريض وحتى لا ينقص فلا يحصل به المقصود .

كل من المسئولين عليه أن يعمل من الخير بقدر ما يستطيع وكل عليه أن يؤدي النصيحة فالطبيب يؤدي الواجب والممرض يؤدي الواجب والمدير يؤدي الواجب وهكذا الطبيبة والممرضة كلتاهما تؤديان الواجب وهكذا بقية العاملين كلٌ يتقي الله ويؤدي الأمانة التي وكلت إليه بإخلاص لله وتعظيم له سبحانه وحذر من غضبه جل وعلا وعناية بالمريض ونصحاً له ورفقاً به رجاء أن يشفيه الله على يدك أيها الطبيب وعلى يديك أيتها الطبيبة وكل من المسئولين بالمستشفى عليه تقوى الله وأن يبذل الوسع والمستطاع فيما ينفع المريض ويخفف عليه المرض ويخفف عليه الآلام التي يجدها ويحس بها ولا شك أن الكلام الطيب والأسلوب الحسن والعناية التامة كل ذلك مما يخفف عن المريض آلامه ومما يشرح له صدره ومما يعين على زوال المرض بتوفيق الله وهدايته ورحمته وإحسانه سبحانه وتعالى .

* يشرع عند سماع الإنسان ما يسره من خطبة أن يقول : الله أكبر أو سبحان الله ، أما التصفيق الذي يفعله بعض الناس فليس من شرع الله سبحانه وتعالى بل هو منكر ومن أعمال الجاهلية التي كانوا يفعلونها ولكن المشروع عند سماع الإنسان في الخطبة أو ما يقوله مديره أو غيره من كلمات طيبة أن يقول : الله أكبر أو سبحان الله وكذلك عندما يسمع ما يستنكر يقول : سبحان الله أو : الله أكبر ، هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يسبح الله ويعظمه ويكبره إن سمع خيراً أو سمع ما يسوء كبَّر الله وعظمه وقال سبحان الله ، عليه الصلاة والسلام إنكاراً للمنكر وفرحاً بالطيب فنكبر الله عند سماع ما يسر ونشكره ونسبحه عند سماع ما يسر ، وكذلك ننكر المنكر عند سماعه بقولنا سبحان الله أو الله أكبر أو ما أشبه ذلك من الكلمات الطيبة التي كان يقولها عليه الصلاة والسلام ، ولما قال بعض الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام : اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، لما رأوا بعض المشركين يتعلقون بالأشجار وينوطون عليها السلاح قال : " الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " .(قلت : الحديث رواه الترمذي وصححه الألباني بهذا اللفظ "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا خرَجَ إلى خَيْبرَ مرَّ بشجَرةٍ للمشركينَ يُقالُ لها: ذاتُ أَنْواطٍ، يعلِّقونَ عليها أسلِحتَهم. فقالوا: يا رسولَ اللهِ، اجعَلْ لنا ذاتَ أَنْواطٍ، كما لهم ذاتُ أَنْواطٍ. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سُبْحانَ اللهِ، هذا كما قال قومُ موسى: "اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ" [الأعراف: 138]، والذي نَفْسي بيَدِه، لتركَبُنَّ سُنَّةَ مَن كان قبلَكم."

ولما قال له رجل : نستشفع بالله عليك ، قال : " سبحان الله سبحان الله إنه لايستشفع بالله على أحد من خلقه " ، (قلت: الحديث ضعفه الألباني في مشكاة المصابيح) والمقصود أن سنته صلى الله عليه وسلم التكبير والتسبيح وذكر الله عند سماعه أو رؤيته ما يسر وهكذا عند سماعه أو رؤيته ما ينكر فنقتدي به في ذلك عليه الصلاة والسلام .

* ومما ينبغي التنبيه عليه أنه يجب على المريض أن يؤدي الصلاة في وقتها على حسب استطاعته إن قدر قائماً فقائماً وإن لم يستطع صلى قاعداً وإن لم يستطع صلى على جنبه فإن لم يستطع فمستلقياً ، ولا يجوز له تأخير الصلاة إلى وقت آخر كما يفعل بعض المرضى ويؤخرها لعله يشفى ليصليها على وجه أكمل بل يجب على المريض أن يصلي في الوقت على حسب حاله ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة لما كان مريضاً " صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب " رواه البخاري في الصحيح ، ، فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أن الواجب على المريض أن يصلي على حسب استطاعته قائماً إذا استطاع فإن عجز الرجل أو المرأة صلى قاعداً على أي صفة كان متربعاً أو محتبياً وغير ذلك على أي حال كان من القعود على حسب حاله والأفضل التربع إذا تيسر ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها الوارد في ذلك ، فإن عجز عن القعود صلى على جنبه والأفضل على جنبه الأيمن إذا تيسر فإن لم يتيسر الأيمن فالأيسر فإن عجز صلى مستلقياً على ظهره ورجلاه إلى القبلة ، ولابد من الوضوء مع القدرة فإن لم يستطع فيتيمم بالتراب يكون عند سريره شيء من التراب في إناء أو في كيس يتيمم به عند عجزه عن الماء ، والواجب على المسئولين في المستشفيات أن يضعوا تحت أسرة المرضى ما يتيممون به إذا عجزوا عن الماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ، نُصرت بالرعب مسيرة شهر وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره "(قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ") ، ، والله يقول في كتابه العزيز " فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " المائدة 6 ، والصعيد هو وجه الأرض وترابها فالواجب على المسئولين في كل مستشفى أن يعنوا بهذا الأمر وعلى الأطباء والطبيبات أن يعنوا بهذا الأمر حتى لا ينسى المريض بل يُعلَّم ويوجه لأن يصلي على حاله قاعداً أو قائماً أو على جنبه على حسب طاقته ويُعلَّم المريض أن عليه التيمم عند عدم قدرته على الماء وأن يصلي في الوقت.
وفق الله الجميع لما يرضيه وأصلح حالنا جميعاً.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .

16 - 7 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر