الدرس 81 الجزء الثاني ‌‌تنبيه هام حول الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسجدين الشريفين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 1 شعبان 1445هـ | عدد الزيارات: 107 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد اطلعت على قصيدة لمحمد حسن فقي تحت عنوان (المسجدان)، أشاد فيها بفضل المصطفى - عليه الصلاة والسلام -، وما ترتب على بعثته وهجرته من الخير الكثير والعز المكين للمسلمين وأشاد بفضل المسجدين المكي والمدني، وقد أحسن في ذلك ولكنه غلط غلطا عظيما في بعض أبياتها فوجب التنبيه على ذلك لئلا يغتر به أحد، وليعلم من يقف على هذا التنبيه عظم خطر الغلو وسوء عاقبته، وقد حذر الله من ذلك في قوله سبحانه: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (النساء 171) وذلك تحذير منه سبحانه لأهل الكتاب من الغلو وتحذير لنا أن نفعل فعلهم وقال - عليه الصلاة والسلام -: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين » أخرجه البخاري في صحيحه، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (قلت: جاء الحديث في صحيح البخاري أحاديث الأنبياء ) » . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وهذه النصوص توجب على المسلم أن يحذر الغلو والإطراء في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وحق غيره من الأنبياء والصالحين، وتوجب عليه أن يلزم الحدود الشرعية في أقواله وأفعاله حتى لا يقع في الشرك والبدع والمعاصي.
وهذا بيان ما غلط فيه الشاعر :المذكور. قال ما نصه:

أنا آت أيا أيها الروض فامسح … بيديك النديتين الكروبـــــــــــا
يا نبي الهدى وما زلت أرجو … رغم إثمي أن لا أبوء بخسري
أنا في ساحة الكريم وقد يملك أمري … ولست أملـــك أمــــري
أنا في السجن والإسار كئيب … ضائق منهما بسجني وأســري
فأجــــــــرني فدتــــك نفسي … فقد يغفر ربي إذا شفعت لوزري
هاهنا هاهنها المــــلاذ لمن … رام مـــــلاذا يقيه من كل شـــر
هذه طيبة يعـــــــــود بيسر … إن أتاها الـــــذي ينـــوء بعســر.
ففي هذه الأبيات أنواع من الشرك الأكبر لم ينتبه لها الشاعر- هداه الله- ففي البيت الأول من هذه الأبيات السبعة طلب الشاعر من الروض أن يمسح عنه بيديه الكروب، وهذا الطلب لا يقدر عليه إلا الله سبحانه فالروض لا يقدر على ذلك.
وهكذا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إن كان الشاعر قصده بذلك، وإنما يطلب مثل هذا من الله عز وجل القادر على كل شيء، أما الجمادات والأموات من الأنبياء وغيرهم فلا يجوز أن يطلب منهم كشف الكروب؛ لأن ذلك ليس من شأنهم وليس في قدرتهم بل ذلك إلى الله سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (النمل 62)
وفي البيت الثاني والثالث والخامس والسادس يرجو الشاعر من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحط عنه خسره وأن لا يرجع خائبا، ويزعم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يملك أمره، ويستجير به في البيت الخامس ويعتبره في البيت السادس الملاذ لكل من رام الملاذ من كل شر، وهذا كله خطأ وضلال وشرك أكبر فإن الدعاء والاستغاثة والاستجارة وجميع العبادات يجب إخلاصها لله وحده، ولا يجوز أن تصرف لغيره من الأموات وغيرهم، والرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن كان حيا حياة برزخية لا يعلم كنهها إلا الله سبحانه لا يجوز أن يدعى أو يستغاث به بعد الوفاة، وهكذا الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ولا يجوز أن يدعوا ولا يستغاث بهم أو يستجار، وهكذا كل مؤمن له حياة برزخية تليق به وروحه في الجنة مع أرواح المؤمنين، ولا يجوز أن يدعى مع الله أو يستجار به فالعبادة حق لله وحده والدعاء هو العبادة، كما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
وقد قال الله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن 18) وهذا نص من كلام الله عز وجل يعم الأنبياء وغيرهم ولا يستثنى من ذلك إلا دعاء الحي الحاضر فيما يقدر عليه، كما قال عز وجل في قصة موسى مع الإسرائيلي الذي استغاث به: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (القصص 15) الآية وقال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (فاطر 13) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر 14) فأخبر الله سبحانه في هذه الآية أن جميع الذين يدعوهم أهل الشرك لا يسمعون دعاءهم وأنهم لو سمعوا ما استجابوا لهم وأنهم يوم القيامة يكفرون بشركهم، وهذا يعم الأنبياء وغيرهم وقد سمى الله دعاءهم شركا. فوجب الحذر منه وإخلاص العبادة لله وحده.
وفقنا الله وسائر المسلمين لما فيه رضاه والسلامة من أسباب غضبه، ومن علينا جميعا بالفقه في دينه والثبات عليه، وحفظنا جميعا من كل ما يغضبه إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان

٢٩ رجب ١٤٤٥ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر