الدرس 75 الصلاة في مسجد فيه قبر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 3 رجب 1442هـ | عدد الزيارات: 566 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعدُ

المساجدُ التي فيها قبورٌ لا يُصلى فيها ، ويجبُ أن تُنبش القبورُ ويُنقلَ رُفاتُها إلى المقابر العامة ، كلُّ قبر في حفرةٍ خاصةٍ كسائر القبور ، ولا يجوز أن يبقى فيها قبورٌ لا قبرُ وليٍّ ولا غيرِه ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذَّر من ذلك ، ولعن اليهودَ والنصارى على عملهم ذلك ، فقد ثبت عنه أنه قال " لعن اللهُ اليهودَ والنصارى اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ " ، قالت عائشة رضي الله عنها " يُحذّرُ ما صنعوا " متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال " أولئك إذا مات فيهم الرجلُ الصالحُ بنوا على قبره مسجداً وصوَّرُوا فيه تلك الصورَ أولئك شرارُ الخلق عند الله " متفق على صحته ، وقال عليه الصلاة والسلام " ألا وإنَّ مَنْ كان قبلكم كانوا يتخذون قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجدَ ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك "(قلت: خرجه مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي) ، فنهى عن اتخاذ القبور مساجد عليه الصلاة والسلام ولعن من فعل ذلك وأخبر أنهم شِرار الخلق ، فالواجب الحذر من ذلك.
ومعلوم أنَّ مَنْ صلَّى عند قبر فقد اتخذه مسجداً ، ومن بنى عليه مسجداً فقد اتخذه مسجداً ، فالواجب أن تُبعد القبورُ عن المساجد ، ولا يجعلَ فيها قبورٌ ، امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وحَذَراً من اللعنة التي صدرت من ربِّنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور ؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يُزيّن له الشيطان دعوة الميت أو الاستغاثة به أو الصلاة له أو السجود له فيقع الشرك الأكبر ، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى ، فوجب أن نخالفهم وأن نبتعد عن طريقهم وعن عملهم السيئ .
لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد فالواجب هدمه وإزالته ؛ لأنه هو المحدث ، كما نص على ذلك أهل العلم حسْماً لأسباب الشرك وسدَّاً لذرائعه .

* لا شك أن سفر الطلبة فيه خطر عظيم سواء كانوا من أبناء المسلمين من الأساس أو من المسلمين الجدد ، فهذا أمر خطير يجب العناية به ، والحذر من عاقبته الوخيمة ، وإذا كان لا بد من السفر فليكونوا من الكبار الذين قد حصلوا على العلم الكثير وتبصروا في دينهم وأن يكون معهم من يلاحظهم ويراقبهم ويلاحظ سلوكهم حتى لا يذهبوا مذاهب تضرهم ، وهذا يجب أن يعتنى به ويجب أن يتابع حتى يتم الأمر فيه ؛لأن الخطر كبير .
وإذا ذهب طالب العلم من الثانوي أو المتوسط أو من كان في حكم ذلك أو في أثناء الدراسة العليا فإن الخطر كبير في مثل هذا ، فيجب أن يكون هناك تخصص في الداخل يغني عن السفر إلى الخارج ، وإذا كان لا بد من السفر إلى الخارج فليكن من أناس يختارون ، يعرف فيهم الفضل والعلم ورجاحة العقل والاستقامة في الدين ، ويكون هناك من يشرف عليهم ويتابع خطاهم ويعتني بهم حتى يرجعوا ، بشرط أن يكون ذلك للتخصص الذي لا بد منه ، ولا يوجد في الداخل ما يغني عنه .
* لا ريب أن قضية المرأة والطبيب قضية مهمة ، وفي الحقيقة إنها متعبة كثيراً ، ولكن إذا رزق الله المرأة التقوى والبصيرة فإنها تحتاط لنفسها وتعتني بهذا الأمر ، فليس لها أن تخلو بالطبيب وليس للطبيب أن يخلو بها ، وقد صدرت الأوامر والتعليمات في منع ذلك من ولاة الأمور ، فعلى المرأة أن تعتني بهذا الأمر وأن تتحرى التماس الطبيبات الكافيات ، فإذا وجدن فالحمد لله ولا حاجة إلى الطبيب .
وإذا دعت الحاجة إلى الطبيب لعدم وجود الطبيبات فلا مانع عند الحاجة إلى الكشف والعلاج ، وهذه من الأمور التي تباح عند الحاجة لكن لا يكون الكشف مع الخلوة بل يكون مع وجود محرمها أو زوجها إن كان الكشف في أمر ظاهر كالرأس واليد والرجل أو نحو ذلك ، وإن كان الكشف في عورات فيكون معها زوجها إن كان لها زوج أو امرأة ، وهذا أحسن وأحوط ، أو ممرضة أو ممرضتان تحضران ، ولكن إذا وجد غير الممرضة امرأة تكون معها يكون ذلك أولى وأحوط وأبعد عن الريبة ، وأما الخلوة فلا تجوز .
* وقراءة القرآن سراً أفضل ، للحديث الذي رواه الجماعة بإسناد حسن عن النبي عليه الصلاة والسلام قال "الجاهرُ بالقرآنِ كالجاهرِ بالصَّدقةِ والمسرُّ بالقرآنِ كالمسرِّ بالصَّدقَةِ " (قلت : رواه أبو داود وصححه الألباني ) ، وهذا يدل على أن السر أفضل كما أن الصدقة في السر أفضل ، إلا إذا دعت الحاجة والمصلحة إلى الجهر ، كالإمام الذي يصلي بالناس والخطيب الذي يخطب بالناس والذي يستمع له فإنه يجهر ليستمع الناس ويستفيدوا .

فإذا كان السر أنفع لك وأعونَ لك على حفظ القرآن بل وعلى القراءة الحسنة فالسر لك أفضل ، إلا إذا احتاج إليك إخوانك لكي تسمعهم فأسمعهم من المصحف حتى لا يكون عليك غلط أو يكون معك مصحف إذا غلطت تنظر إليه أو يوجد فيهم من يحفظ فيفتح عليك فلا بأس .
* الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتحرى أوامر الله وأن يطيع أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وألا يحتج على هذا بالهواية ، فطاعة الله ورسوله مقدمة على الهواية ، فمن كانت هوايته المسكرات هل يشرب المسكرات ؟ أو كانت هوايته ترك الصلاة والنوم عنها هل يترك الصلاة ؟ كل هذا غلط ، فالواجب تحكيم الشريعة في كل شيء في الهوايات وغير الهوايات والآراء ، فإذا كانت هوايتها التصوير فتصور الشجر والجبل والسيارة وما لا روح فيه ، أما ذوات الأرواح فلا ، وعليها أن تدع هوايتها من أجل طاعة الله ورسوله .
* لا يحق للأبناء طلب الزيادة بعد قسمة والدهم بينهم بالعدل ، لأن الموضوع موضوع تعديل بينك وبين إخوتك من والدكم جزاه الله خيرا ، وقد اخترتِ ما قسم الله لك ، وليس الموضوع موضوع بيع وشراء ، ولكن موضوع تحرٍ للعدل بينكم ، وقد صدر منكِ الرضا بالأرض المذكورة فلا وجه للرجوع عن ذلك .

* الإنسان يُحاسب يوم القيامة عن الثوب الذي يلبسه ويُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، كما جاء في الحديث الشريف .
* يجوز أكل ذبائح النصارى ما لم يعلم أنها ذبحت بغير الوجه الشرعي ، لأن الأصل حلها كذبيحة المسلم لقول الله تعالى " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم " المائدة 5 .
* ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل من عند الله على سبعة أحرف ، أي لغات من لغات العرب ولهجاتها تيسيراً لتلاوته عليهم ، ورحمة من الله بهم ، ونقل ذلك نقلاً متواتراً ، وصدق ذلك واقع القرآن ، وما وجد فيه من القراءات فهي كلها تنزيل من حكيم حميد .
ليس تعددها من تحريف أو تبديل ولا لبس في معانيها ولا تناقض في مقاصدها ولا اضطراب ، بل بعضها يصدق بعضاً ويبين مغزاه ، وقد تتنوع معاني بعض القراءات فيفيد كل منها حكماً يحقق مقصداً من مقاصد الشرع ومصلحة من مصالح العباد مع اتساق معانيها وائتلاف مراسيها وانتظامها في وحدة تشريع محكمة كاملة لا تعارض بينها ولا تضارب فيها .

فمن ذلك ما ورد من القراءات في قوله تعالى " وكلَّ إنسان ألزمناه طائرَه في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً " الإسراء 13 ، فقد قُرئ " ونخرج " بضم النون وكسر الراء ، وقرئ " يلقاه " بفتح الياء والقاف مخففة ، والمعنى : ونحن نخرج للإنسان يوم القيامة كتاباً هو صحيفة عمله ، يصل إليه حال كونه مفتوحاً فيأخذه بيمينه إن كان سعيداً أو بشماله إن كان شقياً ، وقرئ " يُلقَّاه منشوراً " بضم الياء وتشديد القاف ، والمعنى : ونحن نخرج للإنسان يوم القيامة كتاباً هو صحيفة عمله يُعطى الإنسان ذلك الكتاب حال كونه مفتوحاً فمعنى كل من القراءتين يتفق في النهاية مع الآخر فإن من يلقى إليه الكتاب فقد وصل إليه ومن وصل إليه الكتاب فقد أُلقي إليه .
ومن ذلك قوله تعالى " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون " البقرة 10 ، قُرئ " يَكْذِبون " بفتح الياء وسكون الكاف وكسر الذال ، بمعنى : يخبرون بالأخبار الكاذبة عن الله والمؤمنين ، وقرئ " يُكَذِّبون " بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الذال المكسورة ، بمعنى : يكذبون الرسل فيما جاءوا به من عند الله من الوحي ، فمعنى كل من القراءتين لا يعارض الآخر ولا يناقضه بل كل منهما ذكر وصفاً من أوصاف المنافقين ، وَصَفتْهُم الأولى بالكذب في الخبر عن الله ورسله وعن الناس ، ووصفتْهُم الثانية بتكذيبهم رسلِ الله فيما أوحي إليهم من التشريع ، وكلٌ حق فإن المنافقين جمعوا بين الكذب والتكذيب ، ومن ذلك يتبين أن تعدد القراءات كان بوحي من الله لحكمة ، لا عن تحريف وتبديل وأنه لا يترتب عليه أمور شائنة ولا تناقض أو اضطراب بل معانيها ومقاصدها متفقة .

والله الموفق

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

2 - 7 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر