الدرس 175:باب الصلح 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 27 ذو القعدة 1439هـ | عدد الزيارات: 1273 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجميعن

قوله : وإن كذب أحدهما لم يصح في حقه باطنا وما أخذه حرام .

أي فيما بينه وبين الله فالكاذب لا يصح الصلح في حقه وعلى هذا فلا يصح أن يتصرف في العين التي أخذها وهو يعتقد أنها ليست له في الواقع لأنه ادعاها كذباً .

مثال ذلك رجل ادعى على رجل أن قطعة الأرض هذه له وهي مشتركة فأنكر من بيده الأرض ثم اتفقا على الصلح فأعطى المدعى عليه للمدعي عشرة آلاف ريال عوضاً عن الأرض إن كان المدعي صادقاً والمنكر المدعى عليه كاذبا فالأرض حرام على المدعى عليه كالأرض المغصوبة وإن كان بالعكس المدعى عليه هو المحق والمدعي هو المبطل فالعوض الذي أخذه عن الأرض وهي العشرة آلاف تكون حراماً عليه .

لأن كل من أخذ شيئاً بغير عوض فهو حرام عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له وإنما أقضي بنحو ما أسمع فمن اقتطعت له شيئاً من مال أخيه فإنما اقتطعت له جمرة من النار فليستقل أو يستكثر رواه البخاري ومسلم .

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحكم له جهتان جهة الظاهر يحكم بحسب الظاهر وجهة الباطن يعذب على حسب الباطل فإذا كانت دعوى باطلة كانت قطعة من النار .

قوله : ولا يصح بعوض عن حد سرقة .

لأن حد السرقة لله عز وجل فلا يمكن أن يأخذ المخلوق عوضاً عنه وإذا بلغت الحدود السلطان فلا شفعة .

والسرقة تتعلق بالآدمي بدليل أن المسروق منه لو لم يطالب لم تقطع يد السارق لقول النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية رضي الله عنه " هلا كان قبل أن تأتينى به " رواه ابن ماجه و صححه الحاكم ووافقه الذهبي .

فقوله عن حد السرقة : أنه يصح عن المال المسروق : فلو أن شخصاً سرق من آخر ذهباً فضاع الذهب واعترف السارق به ثم صالح عنه بعوض فالصلح جائز غير أنه لو صالح عن حد السرقة فلا يصح .

فلو قبض على السارق وقال للذي قبض عليه دعني وأعطيك خمسة آلاف ريال ولا تسلمني لولاة الأمر فلا يصح ذلك فإما أن يسلمه لجهة الإختصاص وإما أن يستر عليه ويدعه إن كان يرى أن المصلحة في ذلك أما أخذ العوض فلا يجوز إذ في ذلك مفسدة عظيمة فكل واحد يَقبض على شخص ثم يبذل عوضاً ويُترك فتلك مفسدة .

وقوله : وقذف : فلا يصح بعوض عن قذف والصحيح أنه يصح بالعوض لأن الذي سوف تسود صحيفته به هو المقذوف فبدلاً من هذا يقول أعطني مئة ألف ريال وسأدافع عن نفسي فيما يتعلق بالقذف لأنه حق لآدمي ولهذا لا يقام حد القذف إلا بمطالبة من المقذوف فهو حق للمقذوف وللمقذوف إسقاطه بعوض رداً لاعتباره .

قوله : لا بحق شفعة : حق الشفعة يتضح بالمثال :- شخصان شريكان في أرض فباع أحدهما نصيبه على ثالث فالذي له الشفعة هو الشريك وقال أنت لك حق الشفعة ولكن سأعطيك تسعة آلاف ريال وأُسقط حقك ففعل .

يقول المؤلف : لا يصح إسقاط الشفعة لأن الشريك إما أن يأخذ بالشفعة وإما أن يدع ويتركها مجانا بلا عوض .

والصحيح أنه يصح بعوض عن إسقاط حق الشفعة لأن حق الشفعة يتعلق بالمال فهو حق آدمي فالمشتري صالح الشفيع عن حق له فهو حق محض للآدمي فإذا أسقط الآدمي حقه بعوض فلا بأس بذلك .

قوله : ولا ترك شهادة : أي لو صالح إنساناً يشهد عليه بحق وقال له لا تُقم الشهادة علي وأعطيك كذا وكذا .

مثاله :- إنسان طلق زوجته في حضور شاهدين ثم أنكر الطلاق فقالت المرأة عندي شهود رجلان يشهدان فذهب الزوج إلى الشاهدين وقال سأعطي كل واحد منكما مائة دينار واتركا الشهادة فهذا لا يجوز لأن الله عز وجل يقول " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه ءاثم قلبه " البقرة 283 ؛ ولا يصح حتى ولو أن المسألة حق مالي فإنه لا يجوز .

كما لا يجوز أن يصالح إنساناً يشهد له بغير حق .

مثاله ادعى عمرو على زيد بأن عنده له ألف درهم وليس عنده شهود فذهب إلى رجلين وقال اشهدا لي وأعطيكما كذا وكذا فلا يجوز فهي شهادة زور من أكبر الكبائر .

قوله : وتسقط الشفعة والحد : أي حد القذف يسقط لأن الرجل أسقطه وكذلك الشفعة لأنه أسقطها وليس له عوض لأن العوض على ترك الشفعة غير صحيح هذا على قول المؤلف .

والصحيح أنه تجوز المصالحة بعوض عن إسقاط الشفعة والمقذوف إذا لم يكن هناك عوض فلا يمكن أن يفوت حقه بالمطالبة بحد القذف .

قوله : وإن حصل غصن شجرته في هواء غيره أو قراره أزاله :

بدأ المؤلف بذكر شيء من حقوق الجار ومن المعلوم أن الجار له حق كما قال الله تعالى " والجار ذي القربي والجار الجنب " النساء 36 .

فإن كان مسلماً قريبا كان له ثلاثة حقوق ؛ حق الإسلام ،وحق القرابة ،وحق الجوار وإن كان مسلماً غير قريب فله حقان ؛ حق الإسلام ،وحق الجوار وإن كان كافراً غير قريب فله حق واحد وهو حق الجوار.

فالجار له حق حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره " رواه البخاري ومسلم .

وقال " والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه " أخرجه البخاري ، أي تعديه وظلمه وقال النبي صلى الله عليه وسلم " مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " أخرجه البخاري ومسلم.

فهل قمنا بحق الجوار؟

إن بعض الناس في غفلة عن هذا الحق ولا يرون أن للجار حقاً فينبغي للجار أن يواصل جاره بحسب ما تقتضيه الحال وطبيعة الناس وأن يكف شره عن الجار بل يعطيه من الخير قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا طبَخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك " أخرجه مسلم ومن الأشياء التي يجب أن تُكف عن الجار إذا حصل غصن شجرته في هواء غيره أو قراره ، القرار الأرض والهواء ما فوق الأرض فإذا حصل غصن الشجرة في الهواء بأن يكون للإنسان عنده شجرة في بيته ولها أغصان متدلية على ملك جاره هذا هواء.

والقرار إنسان عنده شجرة في البيت لكنها من الشجر الذي يمتد على الأرض مثل البطيخ فحصل غصن هذه الشجرة في أرض جاره فهذا حصل في القرار .

وهناك شيء ثالث يمتد أيضا إلى الجار وهو العروق والعرق في باطن الأرض .

فهنا ثلاثة أشياء غصن على القرار وغصن في الهواء وعروق في باطن الأرض .

فالغصن في الهواء أو على القرار يجب على صاحب الغصن أن يزيله إذا طالبه صاحب الأرض وهو جاره .

فالهواء ملك لصاحب الأرض إلى السماء الدنيا فلا يمكن لأحد أن يتخذ غرفاً علوية أو ما شبه ذلك على أرضه إلا بإذنه أما العروق إذا امتدت إلى أرض الجار وكانت تؤذيه أو تضره فله أن يطالب بإزالتها وإلا فلا لأن هذا مما جرت العادة بالتسامح فيه.

فإن كانت تضره بأن كانت تنقل الرطوبة إلى أرضه أو تبرز على سطح الأرض إذ بعض الأشجار يكون لها عروق قوية تدفع حتى الحصى وهذا الإنسان عنده خزان أرضي أو دور تحت سطح الأرض وعروق شجرة الجار تدفع الجدار وربما تدفعه حتى يسقط أو ربما تشقه ثم تتدلى في هذا الدور أو في خزان الماء الأرضي فهذا ضرر فلصاحب الملك أن يطالب صاحب الشجرة بقطع هذه العروق .

قوله : فإن أبى لواه :أي إن أبى صاحب الشجرة أن يزيله لوى صاحب الأرض الغصن .

قوله : إن أمكن : أي إن أمكن ليه .

قوله : وإلا فله قطعه : فصار هذا الغصن له مراحل.

الأولى : أن نطالب صاحب الغصن بالإزالة .

الثانية : إذا أبى فيلوي الغصن .

الثالثة : إن لم يمكن ليه لكونه قاسياً أولا يمكن أن يلتوي إلا بالكسر فله قطعه دفعاً لأذاه .

ولو تدلت الشجرة كلها علي مثل نخلة كبيرة أصابها عاصف فمالت حتى صارت كلها على بيتي فلي مطالبته بإزالتها لأن هذا يهددني .

وبالله التوفيق.

1439-11-26هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي