الدرس 76 هجر أصحاب الكبائر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 5 رجب 1442هـ | عدد الزيارات: 575 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

من يُتهم بفعل كبائر الذنوب والمعاصي تجب نصيحته وتحذيره منها ومن عواقبها السيئة وأنها من أسباب مرض القلوب وقسوتها وموتها ، أما من أظهرها وجاهر بها فالواجب أن يقام عليه حدها وأن يرفع أمره إلى ولاة الأمور ، ولا تجوز صحبتهم ولا مجالستهم بل يجب هجرهم لعل الله يهديهم ويمن عليهم بالتوبة إلا أن يكون الهجر يزيدهم شراً ، فالواجب الإنكار عليهم دائماً بالأسلوب الحسن والنصائح المستمرة حتى يهديهم الله ، ولا يجوز اتخاذهم أصحاباً ، بل يجب أن يستمر في الإنكار عليهم وتحذيرهم من أعمالهم القبيحة ، ويجب على ولاة الأمور في البلاد الإسلامية أن يأخذوا على أيديهم وأن يقيموا عليهم الحدود الشرعية ، ويجب على من يعرف أحوالهم أن يساعد الدولة في ذلك لقول الله سبحانه " وتعاونوا على البر والتقوى " المائدة 2 ، وقوله عز وجل " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " التوبة 71 ، وقوله سبحانه وتعالى " والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " سورة العصر .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة ، قيل لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " (قلت:أخرجه مسلم) ، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

* الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون منكر عظيم ومن الغيبة المحرمة بل من كبائر الذنوب ، لقول الله سبحانه " ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم " الحجرات 12 .
ولما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أتدرون ما الغيبة ؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته " ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما عُرج به مرَّ على قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم ، فقال " يا جبريل من هؤلاء ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه ، وقال العلامة ابن مفلح إسناده صحيح ، وخرَّج أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا " أن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق " .
والواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه ، لقول النبي " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " (قلت:رواه مسلم) ، فإن لم يمتثل فاترك مجالسته لأن ذلك من تمام الإنكار عليه .
* قول المرأة في الدعاء :" أنا عبدك " ، الأمر في هذا واسع إن شاء الله ، والأحسن أن تقول اللهم إني أمتك وابنة عبدك وابنة أمتك . . . إلخ ، وهذا يكون أنسب وألصق بها ، ولو دعت باللفظ الذي جاء في الحديث لم يضر إن شاء الله ؟ لأنها وإن كانت أمة فهي عبد أيضاً من عباد الله .

* قول (إن شاء الله) على عمل قد تمَّ فيه تفصيلٌ : أما في العبادات فلا مانع أن يقول : إن شاء الله صليت ، إن شاء الله صمت ، لأنه لا يدري هل كملها وقبلت منه أم لا ، وكان المؤمنون يستثنون في إيمانهم وفي صومهم لأنهم لا يدرون هل كملوا أم لا ، فيقول الواحد منهم : صمت إن شاء الله ، ويقول أنا مؤمن إن شاء الله .
أما الشيء الذي لا يحتاج إلى ذكر المشيئة مثل أن يقول : بعت إن شاء الله ، فهذا لا يحتاج إلى ذلك ، أو يقول : تغديت أو تعشيت إن شاء الله ، فهذا لا يحتاج أن يقول كلمة إن شاء الله ، لأن هذه الأمور لا تحتاج إلى المشيئة في الخبر عنها لأنها أمور عادية قد فعلها وانتهى منها ، بخلاف أمور العبادات التي لا يدري هل وفَّاها أم بخسها حقها ، فإذا قال إن شاء الله فهو للتبرك باسمه سبحانه والحذر من دعوى شيء لم يكن قد أكمله ولا أداه حقه .

* الكتب النافعة كثيرة ، أعظمها وأهمها كتاب الله سبحانه وتعالى فيه الهدى والنور وفيه الدعوة إلى كل خير وبيان مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وبيان ما أوجب الله وما أعدَّ لأهل طاعته من الخير وبيان ما حرَّم الله وما أعد لأهل معصيته من العقوبة ، فأعظم كتاب وأشرف كتاب وأنفع كتاب هو كتاب الله العظيم القرآن ، ثم كتب السنة الصحيحة ، كالبخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة المعروفة كأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وسنن الدارمي ومسند أحمد بن حنبل وموطأ مالك رحمة الله على الجميع ، وهذه من أنفع الكتب .
لكن بالنسبة إلى الطلبة الذين لم يتمكنوا من العلم وهكذا الطالبات اللاتي لم يتمكن من العلم فهؤلاء ننصحهم جميعاً بحفظ كتاب الله الكريم ، مع حفظ المؤلفات المختصرة في العقيدة والحديث الشريف ، مثل كتاب (التوحيد) للإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، و ( ثلاثة الأصول ) له أيضاً ، و ( كشف الشبهات ) له أيضاً ، و (العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، و ( بلوغ المرام ) للحافظ ابن حجر ، ( وعمدة الحديث ) للحافظ عبد الغني المقدسي ، و ( الأربعين النووية ) وتكملتها للحافظ ابن رجب ، و ( آداب المشي إلى الصلاة ) للشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله ، ومطالعة الكتب الآتية : ( فتح المجيد ) و ( رياض الصالحين ) و ( الوابل الصيب ) و ( زاد المعاد ) و ( جامع العلوم والحكم ) للحافظ ابن رجب ، وأشباهها من الكتب المفيدة المختصرة

* لا حرج أن يمس الكافر ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات ، لأن الترجمة تفسير لمعاني القرآن ، فإذا مسها الكافر أو من ليس على طهارة فلا حرج في ذلك ، لأن الترجمة ليس لها حكم القرآن وإنما لها حكم التفسير ، وكتب التفسير لا حرج أن يمسها الكافر ومن ليس على طهارة ، وهكذا كتب الحديث والفقه واللغة العربية .
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " (قلت:رواه مسلم) ، وقال صلى الله عليه وسلم " إذا سلَّم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " متفق عليه ، وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى ، وحكم بقية الكفار حكم اليهود والنصارى في هذا الأمر لعدم الدليل على الفرق فيما نعلم .
فلا يُبدأ الكافر بالسلام مطلقاً ، ومتى بدأ هو بالسلام وجب الرد عليه بقولنا : وعليكم ، امتثالاً لأمر الرسول ولا مانع من أن يقال له بعد ذلك : كيف حالك وكيف أولادك ، كما أجاز ذلك بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ولا سيما إذا اقتضت المصلحة الإسلامية ذلك كترغيبه في الإسلام وإيناسه بذلك ليقبل الدعوة ويصغى لها لقول الله عز وجل " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " النحل 125 ، وقوله سبحانه " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم " العنكبوت 46 .

والله ولي التوفيق

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

4 - 7 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر