الدرس 77 غرس الشجر على القبر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 6 رجب 1442هـ | عدد الزيارات: 478 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعدُ

لا تشرعُ قراءةُ سورة (يس) ولا غيرِها من القرآن على القبر بعد الدفن ولا عند الدفن ، ولا تشرع القراءةُ في القبور ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولا خلفاؤه الراشدون ، كما لا يشرع الأذان ولا الإقامة في القبر ، بل كل ذلك بدعة ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أخرجه مسلم .
وهكذا لا يشرع غرسُ الشجر على القبور ، لا الصبار ولا غيره ، ولا زرعها بشعير أو حنطة أو غير ذلك ، لأن الرسول لم يفعل ذلك في القبور ولا خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم ، أما ما فعله مع القبرين اللذين أطلعه الله على عذابهما من غرس الجريدة فهذا خاص به وبالقبرين لأنه لم يفعل ذلك مع غيرهما ، وليس للمسلمين أن يحدثوا شيئاً من الفريات لم يشرعه الله للحديث المذكور ، ولقول الله سبحانه " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " الشورى 21 .


* الذكر بالقلب مشروع في كل زمان ومكان في الحمَّام وغيرِه ، وإنما المكروه في الحمام ونحوه ذكرُ الله باللسان تعظيماً لله سبحانه إلا التسمية عند الوضوء فإنه يأتي بها إذا لم يتيسر الوضوء خارج الحمام لأنها واجبة عند بعض أهل العلم وسنة مؤكدة عند الجمهور .

* للعلماء في قول الله تعالى " لا إكراه في الدين " البقرة 255 ، قولان :
أحدُهما : أنها وأمثالَها منسوخات بآية السيف وهي قوله تعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد " التوبة 5 ، وما جاء في معناها مثل قوله تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " الأنفال 39 .
والقول الثاني : أنها في أهل الكتاب ومن في حكمهم كالمجوس إذا سلموا الجزية فإنهم لا يُكرهون على الدخول في الإسلام ، لقول الله عز وجل " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " التوبة 29 ، ولأن النبي أخذ الجزية من مجوس هجر ، وبذلك يُعلم أنه ليس فيها حجة لمن زعم عدم وجوب الجهاد في سبيل الله ، ويدل على هذا المعنى أيضا حديثُ بريدة بن الحصيب المخرَّج في صحيح مسلم وفيه أن النبي كان إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً وفي آخره قال " فإن أبوا - أي الكفار - الدخول في الإسلام فاسألهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكُف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم " ، وهذا محمول على أهل الكتاب ومن في حكمهم كالمجوس عند جمهور أهل العلم جمعاً بَيَّنَ هذا الحديث وبين آية التوبة المتقدم ذكرها وما في معناها .

* التوبة بابها مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها ، فمن تاب إلى الله توبة نصوحاً من الشرك فما دونه تاب الله عليه ، والتوبة النصوح هي المشتملة على الإقلاع عن الذنوب والندم على ما فات منها والعزم الصادق على ألا يعود فيها خوفاً من الله سبحانه وتعظيماً له ورجاءً لعفوه ومغفرته ، كما قال الله سبحانه " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً " التحريم 8 ، وقال سبحانه " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " النور 31 ، وقال عز وجل " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " الزمر 53 ، وقد أجمع العلماء على أن هذه الآية نزلت في التائبين ، ويُزاد على الشروط الثلاثة المذكورة في صحة التوبة شرط رابع فيما إذا كانت الحقوق لآدميين وهو أن يؤدي إليهم حقوقهم من مال أو غيره أو يستحلهم منها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من كان عنده لأخيه مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أُخذ من حسناته بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " أخرجه البخاري في صحيحه .

* والواجب على المسلم أن يحذر الشرك ووسائله وجميع المعاصي ، لأنه قد يُبتلى بشيء من ذلك ثم لا يوفق للتوبة فتعيَّن عليه أن يحذر كل ما حرَّم الله عليه وأن يسأل ربه العافية من ذلك وألا يتساهل مع الشيطان فيُقدِم على المعاصي بنية التوبة منها ، ولا شك أن ذلك خداع من الشيطان وتزيين منه للوقوع في المعاصي بدعوى أنه سيتوب منها ، وقد يعاقب العبد فيحال بينه وبين ذلك فيندم غاية الندامة وتعظم حسرته حين لا ينفعه الندم ، وقد قال سبحانه " وإياي فارهبون " البقرة 40 ، وقال سبحانه " ويحذركم الله نفسه " آل عمران 28 ، وقال عز وجل " يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور * إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " فاطر 5 ، 6 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
من يعمل في تحفيظ القرآن ننصحه بالاستمرار في تحفيظ القرآن الكريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه " أخرجه البخاري في صحيحه ، ولما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين ، ولا يلزمه طاعة والديه في ترك ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطاعة في المعروف " ، ويشرع له الاعتذار إليهما بالكلام الطيب والأسلوب الحسن .

* سبب تقديم المال على الأولاد في القرآن أن الفتنة بالمال أكثر لأنه يعين على تحصيل الشهوات المحرمة بخلاف الأولاد ، فإن الإنسان قد يُفتن بهم ويعصي الله من أجلهم ، ولكن الفتنة بالمال أكثر وأشد ولهذا بدأ سبحانه بالأموال قبل الأولاد كما في قوله تعالى " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى " سبأ 37 ، وقوله سبحانه " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " التغابن 15 ، وقوله عز وجل"يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون"المنافقون 9.
المشروع للمسلم عند وقوع المصائب المؤلمة الصبر والاحتساب وأن يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون قدر الله وما شاء فعل ، وأن يتحمل الصبر ويحذر الجزع والأقوال المنكرة لقول الله سبحانه " وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " البقرة 155 - 157 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا لكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " خرجه مسلم في صحيحه
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها " ، ولا يجوز الجزع وإظهار السخط أو الكلام المنكر مثل (لعبة القدر العمياء) وقول (ولكن القدر المترصد لفلان لم يحكم لعبته الأزلية) ، فهذا الكلام وأشباهه من المنكرات العظيمة بل من الكفر البواح لكونه اعتراضاً على الله سبحانه وسباً لما سبق به علمه واستهزاء بذلك ، فعلى من قال ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه توبة صادقة وقد صح عن رسول الله أنه قال " ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية " متفق على صحته من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وقال صلى الله عليه وسلم " أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة " متفق على صحته من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، والصالقة : هي التي ترفع صوتها عند المصيبة ، والحالقة : هي التي تحلق شعرها عند المصيبة ، والشاقة : هي التي تشق ثوبها عند المصيبة .
* معنى مسيحي نسبة إلى المسيح بن مريم عليه السلام ، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه وهو بريء منهم ، وقد كذبوا فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله ولكن قال عبد الله ورسوله ، فالأولى أن يُقال لهم نصارى كما سمَّاهم الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى " وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب " البقرة 113 .
وبالله التوفيق

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

5 - 7 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر