قصر حج هذا العام 1441هـ على أعداد محدودة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 6 ذو القعدة 1441هـ | عدد الزيارات: 896 القسم: خطب الجمعة

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسِيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ .

أَمَّا بَعْدُ ؛ عِبَادَ اللَّهِ

الْحَجُّ رُكْنٌ عَظِيمٌ؛ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ؛ أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ بِشَرْطِ الِاسْتِطَاعَةِ؛ وَقَدْ نَزَلَ وَبَاءٌ عَظِيمٌ فِي الْعَالَمِ بِأَسْرِهِ : كَانَ حَائِلًا عَنِ اسْتِقْبَالِ الْحُجَّاجِ كَمَا كَانَ فِي السَّابِقِ بِأَعْدَادٍ عَظِيمَةٍ؛ وَاتَّخَذَتْ بِلَادُنَا الْمُبَارَكَةُ قَرَارًا يَقْصُرُ مِنْ خِلَالِهِ الْحَجُّ عَلَى أَعْدَادٍ مَحْدُودَةٍ؛ مُحَافَظَةً مِنْهَا عَلَى أَرْوَاحِ النَّاسِ وَأَصْدَرَتْ هَيْئَةُ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ بَيَانًا هذا نصه :" نَظَرَتْ هَيْئَةُ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة 125 ، ومِنْ جُمْلَةِ مَا تُرْشِدُ إِلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِي أَمْنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَتَطْهِيرِهِ اتِّخَاذُ الْأَسْبَابِ لِمَنْعِ انْتِشَارِ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ كَالْعَدْوَى الَّتِي تَفْتِكُ بِالْأَرْوَاحِ فِي زَمَنِ الْأَوْبِئَةِ ، كَمَا نَظَرَتْ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاحْتِرَازِ مِنَ الْأَوْبِئَةِ وَأَنْ تُبْذَلَ كُلُّ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى التَّقْلِيلِ مِنْ تَفَشِّيهَا كَقَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ) متفق عليه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَجَاءَتْ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِبَذْلِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ انْتِقَالِ الْأَوْبِئَةِ وَالْأَمْرَاضِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ أَوْ التَّقْلِيلِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا) متفق عليه مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَنَظَرَتِ الْهَيْئَةُ فِي النُّصُوصِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى النُّفُوسِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْغَرَّاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تقتلوا أنفسكم إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا) النساء 29 ، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ) البقرة 195 ، كَمَا اطَّلَعَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَرَفْعِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ أَوْ التَّخْفِيفِ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وحسنه الألباني في حقوق النساء في الإسلام ، وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْهَا: أَنَّ الضَّرَرَ يُدْفَعُ قَدْرَ الْإِمْكَانِ، وَاطَّلَعَتْ عَلَى مَا قَرَّرَهُ أَهْلُ الِاخْتِصَاصِ مِنْ أَنَّ التَّجَمُّعَاتِ تُعْتَبَرُ السَّبَبَ الرَّئِيسَ فِي انْتِقَالِ الْعَدْوَى فِي ظِلِّ مَا يَشْهَدُهُ الْعَالَمُ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا، وَأَنَّ مَنْعَهَا أَوِ التَّقْلِيلَ مِنْهَا هُوَ الْحَلُّ الْأَمْثَلُ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِارْتِفَاعِ هَذَا الْوَبَاءِ ، وَلِأَهَمِّيَّةِ إِقَامَةِ شَعِيرَةِ الْحَجِّ دُونَ أَنْ يَلْحَقَ ضَرَرٌ بِأَرْوَاحِ الْحُجَّاجِ، وَدُونَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الشَّعِيرَةُ الْعَظِيمَةُ سَبَبًا فِي زِيَادَةِ انْتِشَارِهِ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْثِيرِهَا وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، لِذَلِكَ كُلِّهِ مِنَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَقَاصِدِ وَالْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ هَيْئَةَ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ تُؤَيِّدُ مَا قَرَّرَتْهُ حُكُومَةُ الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ الْحَجُّ لهَذَا الْعَامِ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِئَةٍ وَوَاحِدٍ وَأَرْبَعِينَ هِجْرِيَّةٍ بِعَدَدٍ مَحْدُودٍ جِدًّا مِنْ دَاخِلِ الْمَمْلَكَةِ حِفَاظًا عَلَى صِحَّةِ الْحُجَّاجِ وَسَلَامَتِهِمْ ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ – عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ – بِرَفْعِ هَذَا الْوَبَاءِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ رَحْمَةً عَلَى عِبَادِهِ، كَمَا نَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَن يَجْزِيَ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الْمَلِكَ سَلْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ آلَ سُعُودٍ وَسُمُوَّ وَلِيِّ عَهْدِهِ الْأَمِينِ وَحُكُومَتَهُمَا الرَّشِيدَةَ خَيْرًا لِمَا يَبْذُلُونَ مِنْ جُهُودٍ عَظِيمَةٍ فِي خِدْمَةِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَقَاصِدِيهِمَا ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) انْتَهَي بَيَانُهَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَرَارَ الْحَكِيمَ وَالْبَيَانَ الْوَاضِحَ فِي غَنِيَّةٍ لِإِرْشَادِ النَّاس .

هذا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَة

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ .

عِبَادَ اللَّهِ ؛ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى ، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، واعْلَمُوا أنَّ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ :

  • الِاسْتِطَاعَةَ البَدنِيَّةَ: وَتَشْمَلُ صِحَّةَ البَدَنِ، وَالْقُدْرَةَ عَلَى السَّيْرِ والرُّكوبِ والِاسْتِطَاعَةَ المَاليَّةَ: وَتَشْمَلُ الزَّادَ والرَّاحِلَةَ مع أمن الطريق ، وَعَدَمُ حُدُوثِ مَا يَعُوقُ وُصُولَهُ أَوْ يَحْدُثُ لَهُ مَا يَضُرُّهُ .
  • وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْوَبَاءَ يَحُولُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَجِّ؛ وَيَجْعَلُهُ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ له ، وقَدْ دَلَّتْ النُّصُوصُ بِكَثْرَةٍ عَلَى أَنَّ مَنْ نَوَى الْعِبَادَةَ وَكَانَ صَادِقًا فِي نِيَّتِهِ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فِعْلِهِ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ إِرَادَتِهِ فَإِنَّ لَهُ ثَوَابَ الطَّائِعِينَ. قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) النساء 100 ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ صِادقا بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) رواه أبو داود وصححه الألباني ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ وَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ تَبُوكَ : إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، شَارَكُوكُمْ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ : وهم بالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ واللفظ للبخاري .

فَهَذِهِ النُّصُوصُ ، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ ، دَالَّةٌ بِوُضُوحٍ عَلَى أَنَّ مَنْ صَدَقَ النِّيَّةَ ثُمَّ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَمَلِ فَلَهُ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنَ الْأَجْرِ بِحَسَبِ صِدْقِ نِيَّتِهِ.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .

" رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " البقرة 201 .

" سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " الصافات 180 ، 182 .

1441/11/6هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي