الدرس 198 الإجارة 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 19 رجب 1441هـ | عدد الزيارات: 682 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يقول المؤلف رحمه الله : ( الثالث الإباحة في العين فلا تصح على نفع محرم كالزنا والزمر والغناء )

هذا هو الشرط الثالث من شروط الإجارة الثلاثة وسبق أن ذكرنا الشرط الأول وهو أن تكون المنفعة معلومة للطرفين المؤجر والمستأجر وضد ذلك المنفعة المجهولة ثم ذكرنا الشرط الثاني من شروط الإجارة وهو معرفة الأجرة وضربنا على ذلك أمثلة في الدرس السابق

واليوم نشير إلى الشرط الثالث والأخير من شروط الإجارة وهو الإباحة في العين أي في نفعها فالإباحة في النفع لا في العين ولهذا يجوز استئجار الحمار للعمل عليه مع أن عينه حرام أي لا يجوز أكله فيشترط أن يكون المعقود عليه مباحا فإن كان محرما فإن الإجارة لا تصح ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله إذا حرَّم شيئا حرَّم ثمنه ) أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما وأبو داود وصححه ابن حبان والنووي وابن القيم

والإجارة نوع من البيع وقوله صلى الله عليه وسلم ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) أخرجه البخاري ومسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها

قوله : فلا تصح على نفع محرم كالزنا : لو استأجر امرأة ليزني بها فالإجارة باطلة وغير صحيحة وحرام لقول الله تعالى ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة 2 ، وقال صلى الله عليه وسلم ( مهر البغي خبيث ) أخرجه مسلم

والقاعدة : كل عقد محرم فإنه لا يترتب عليه آثاره ، فمثلا البيع الفاسد لا يملك المشتري السلعة ولا البائع الثمن وكذلك لو استأجر امرأة يزني بها فإنه لا يستبيح بذلك فرجها لأن الإجارة فاسدة والزنا محرم بالنص والإجماع

قوله : والزمر ، يعني استعمال المزمار وهو آلة اللهو ويقاس على ذلك كل المعازف

وقوله : والغناء بالمد لأن الغنى بالقصر ضده الفقر ، والغناء بالمد هو تلحين القصائد وما أشبه ذلك ، والمراد هنا الغناء المحرم وهو ما كان مصحوبا بآلة محرمة وهي آلة اللهو كالمزمار بل كل المعازف أو يكون موضوع الأغنية موضوعا فاسدا كوصف النساء والمردان والخمر وما أشبه ذلك ، فهذا محرم لذات القصيدة وأشد من ذلك في التحريم مدح آلهة المشركين

أما الغناء المباح مثل حُداء الإبل أو الغناء على الأعمال المباحة الذي يستعان به على التعب ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني المسجد مع الصحابة رضي الله عنهم ينشدون على العمل ويقرهم على ذلك ، أخرجه البخاري ومسلم

فالغناء الذي يستعان به على مصلحة شرعية أو غرض صحيح فلا بأس به بل يحل الغناء من أجل التقوي على العمل بعيدا عن المعازف والطرب والرقص وما أشبه ذلك وأيضا لا تكون المواضيع فاسدة فيحرم عندئذ وهذا هو مراد المؤلف

قوله : وجعل داره كنيسة أو لبيع الخمر

أي لو استأجر من شخص داره ليقيم فيها شعائر النصارى فجعلها كنيسة فالإجارة حرام لقوله تعالى ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة 2 ، ومثل ذلك لو استأجرها لبيع الخمر أو الدخان أو الشيشة أو القات فالإجارة حرام

قوله : وتصح إجارة حائط لوضع أطراف خُشُبه عليه

الحائط أي الجدار فلو أراد الإنسان أن يستأجر حائط جاره ليضع أطراف خشبه عليه فإن ذلك جائز للمستأجر ولا يحق لصاحب الجدار منعه لأن الواجب على صاحب الجدار إذا لم يكن على الجدار ضرر وكان جاره محتاجا أن يمكنه منه كما جاء في الحديث الصحيح ( لا يمنعن جار جاره أن يغرز خُشبه أو خشبة على جداره ) قال أبو هريرة رضي الله عنه وكان أميرا على المدينة : مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم ، رواه البخاري ومسلم

قوله : ولا تؤجر المرأة نفسها بغير إذن زوجها

المرأة إذا تزوجت إنسانا ملكها وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بأنهن عوان عند الأزواج ، أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح ، والعواني جمع عانية ، والعانية هي الأسيرة ، وقد سمى الله تعالى في القرآن الزوج سيدا فقال ( وألفيا سيدها لدا الباب ) يوسف 25 ، أي زوجها ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ) أخرجه البخاري ومسلم ، فالوقت مملوك للزوج ، فلا تؤجر نفسها بغير إذن زوجها حتى يأذن وإذا أذن فالحق له وإذا طلبت المرأة من زوجها أن يأذن لها أن تخدم فأذن جاز لها ذلك ، ولو استأذنت من زوجها أن تشتغل بالتدريس وأذن لها جاز ما لم يكن ذلك في عقد الزواج فلا بأس فالمسلمون على شروطهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) أخرجه البخاري ومسلم

فإذا كان عقد الزواج متضمنا عدم منعها من التدريس فلا يحل له منعها أو إكمال دراستها فالشرط ملزم له وإذا كان تدريسها للبنات داخل بيتها في فترة غيابه عن البيت إما لسفره أو عمله خارج المنزل دون أن تقصر في أعمال البيت فإن هذا جائز لعدم تضرر الزوج من ذلك فلا حاجة لموافقته

ومثال ذلك أن تخيط ثوبا أو تخصف نعلا أو ترقع ثوبا وهي في داخل بيتها لأن الزوج قد لا يسمح لها بالخروج من البيت إلا بإذنه

قوله : ويشترط في العين المؤجرة معرفتها برؤية أو صفة في غير الدار ونحوها

هذا هو الشرط الأول من الشروط في العين المؤجرة أن تكون معروفة برؤية لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر ، أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، ولأن عدم معرفتها يفضي إلى النزاع وما أفضى إلى النزاع فإن الشارع ينهى عنه

مثال ذلك لو استأجرت من شخص سيارة فلابد أن تراها أو يصفها لك بصفة تتميز بها عن غيرها وتنضبط بها

قوله : في غير الدار ونحوها ، فالدار ونحوها لا يكفي فيها الصفة فلابد من الرؤية فالخيل أو الجمل لو استأجره فإنه يكفي فيه الصفة لكن الدار ونحوها كالأرض للزرع وما أشبه ذلك لا تجوز إلا برؤيتها بالعين لأنه لا يمكن إحاطة الوصف بها فلو أتاك إنسان من أشد الناس دقة في الوصف فإنه لا يمكن أن يحيط بالدار فلو قال لك مثلا البيت فيه ثمان غرف وصالة وثلاث حمامات فما تستطيع أن تتصورها فربما إذا دخلتها تجدك مغموما فلابد من الرؤية

وكذلك الأرض لو استأجر أرضا للزرع فلابد أن يراها بنفسه لأن الأرض تختلف من حيث كونها تختلف ارتفاعا وانخفاضا فلا يمكن أن يحيط بها الوصف إذاً لابد أن يراها المستأجر بعينه

وخلاصة القول أنه يشترط معرفة العين المؤجرة فما استؤجر للرؤية فبالرؤية كالدار وما استؤجر للصوت فبالصوت كالديك للأذان أو الساعة للتنبيه فلابد من سماع الصوت ، وما يمكن إدراكه بالصفة فيكفي فيه الصفة كالسيارة والخيل والجمل

قوله : وأن يعقد على نفعها دون أجزائها : هذا هو الشرط الثاني من الشروط في العين المؤجرة ، أن يعقد المستأجر والمؤجر على النفع دون الأجزاء فالناقة أو الفرس نفعهما في الركوب والحمل عليهما والدار نفعها بالسكنى والدكان بعرض البضاعة فيه

قوله : فلا تصح إجارة الطعام للأكل

مثال ذلك : إنسان وجد إناء من الفواكه أو التمر فقال أجرني هذه الفواكه من أجل أن آكلها فهنا لا تصح الإجارة لأنه لا يمكن أن ينتفع به إلا بأكله وذهاب أجزائه فربما أكله كله أو بعضه ففيه غرر ، والصواب نبيع عليه بالكيلو حتى يشبع والباقي يعود للمحل بسعر الكيلو سواء أكل كثير أو قليل ، المهم نحدد له سعر الكيلو

إذاً الطعام للأكل لا تصح إجارته لكن يصح بيعه

وبالله التوفيق

18 - 7 - 1441

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة