فتنة المال

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 5 رجب 1441هـ | عدد الزيارات: 1392 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله خلق الناس ليعبدوه وحذر المؤمنين أن يشغلهم المال عن عبادته فقال جل شأنه "يا أيها الذين ءامنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون" (المنافقون 9) ، وأشهد أن لا إله إلا الله خلق الحياة محفوفة بالصعوبات مليئة بالعقبات وجعل المال من أعظم فتنها الكثيرةِ الشعب والأطراف ، الواسعةِ الأرجاء ، والأكناف قال سبحانه وتعالى " إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم" (التغابن 15) ، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما بعد

فقد قال الله تعالى: " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب " (آل عمران 14)

عباد الله: ترون في هذه الآية الشريفة أن الله تعالى قد عد المال مع الشهوات والملاذ وأضافه إلى الحياة الدنيا وهي لا شيء في نظر العاقل وقال الله تبارك وتعالى " إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك هم وقود النار" (آل عمران 10) ، في هذا القول الكريم يا عباد الله يخبر الله عز وجل أن المال والأولاد لن تغني الكفار عن الله شيئاً فلا تفديهم من العذاب ولا تجدي ألبتة نفعاً لهم كما قال تعالى في الآية الأخرى " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو إفتدى به أولئك لهم عذاب أليم ومالهم من ناصرين" (آل عمران 91) ، وتأملوا عباد الله قول الله تعالى " فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً " فهل بعد ملء الأرض ذهباً مال، كلا فاعتبروا يا أولي الأبصار فلا غنى إلا بصالح العمل الذي منه الإنفاق في سبيل الله تعالى وتأملوا قول من أوتي كتابه بشماله " ما أغنى عني ماليه " فالأمر في نفع المال كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: " نعم المال الصالح للرجل الصالح " صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ، وسئل عيسى عليه السلام عن المال فقال: لا خير فيه قيل ولم يا نبي الله قال لأنه يجمع من غير حل قيل فإن جمع من حل قال لا يؤدى حقه قيل فإن أدي حقه قال لا يسلم صاحبه من الكبر والخيلاء قيل فإن سلم قال يشغله عن ذكر الله قيل فإن لم يشغله قال يطيل عليه حسابه يوم القيامة (من كتاب مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار، للشيخ عبد العزيز السلمان)

عباد الله : الناس بالنسبة للمال والعناية به وجمعه على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: لا يرغبون جمع المال وادخاره ولا يسعون في اقتنائه واحتكاره إنما رضاهم من الدنيا ما سد جوعة وستر عورة وغناهم فيها ما بلغ الآخرة فأولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

والقسم الثاني: يحبون جمع المال من أطيب أسبابه وصرفه في أحسن وجوهه يصلون به رحمهم ويبرون به إخوانهم ويواسون به فقراءهم ولو وضع أحدهم على الحجارة المحماة بالنار أو بحرارة الشمس كان أسهل عليه من أن يكتسب درهماً من غير حله أو يضعه في غير وجهه أو يمنعه من حقه أو أن يكون خازناً له إلى حين موته فأولئك سلامتهم في العفو عنهم فمن نوقش الحساب عذب فالإنسان مهما عمل صالحاً فهو مقصر ولنطل التأمل تدبراً في قول العلي الأكبر "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" (الشورى 30) ، ولنذكر قول الله عز وجل " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً " (الكهف 30) ، ولكن هل وفينا الله المنعم حق شكره وقد قال تعالى: " وقليل من عبادي الشكور "(سبأ 13)

والقسم الثالث: من الناس من يحبون جمع المال من حرام أو حلال وإن انفقوه انفقوه اسرافاً وبداراً وإن امسكوه أمسكوه بخلاً واحتكاراً أولئك الذين ملكت الدنيا أزمة قلوبهم حتى أوردتهم النار بذنوبهم.

فيا عباد الله: إن من تأمل ما سبق ذكره ظهرت له منزلة المال عند الله تعالى وعند عقلاء الناس فاتقوا الله واعتبروا بما نزل في القرآن الكريم في الذين يطلبون المال للمال فيعطلون وظيفته الاقتصادية ولا يؤدون وظيفته الاجتماعية قال الله تعالى " ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وإن الله علام الغيوب " (التوبة 75 - 78) .

وبعدُ ، فما أكثر أمثال ذلك فكم من فقير يعد إذا اغتنى أن يفعل كذا وكذا ويغتنى فلا يفعل ولا يفي بوعده كما يعد المريض أنه إذا صح من مرضه لا يفعل ما كان منه من آثام ويصح ليعود إلى آثامه وكان كالإنسان الذي قال الله فيه: " وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون " (يونس 12)

وكم من عاجز وعد أنه إذا قدر كان صالحاً ينفع نفسه وقومه وقدر فما وفى وكم من مفلس أعلن أن المال معين على المروءة باعث على صلة الرحم فاتح لوجوه البر موثق لأواصر الخير وما وفى بعد أن وضع الله المال في يديه.

جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى

أما بعد

عباد الله: اتقوا الله ولا تكونوا كمن امتلأت خزائنهم بالذهب وأفلست من العقل والخير قلوبهم ورؤوسهم ونفوسهم ولم يتشرفوا بأن يكونوا أهل مروءة واعلموا أن السعادة ليست في الغنى والثروة كما يتوهم كثير من الناس ولكنها كما قال الشاعر

ولست أرى السعادة جمع مال *** ولكن التقى هو السعيد

واعلموا أن المال إذا وضع في أيدي النفوس التقية المهذبة كان من أعظم وسائل الخير ومن أفضل أسباب السعادة على الإنسانية وإذا صاحب نفوساً خبيثة كان باباً من أبواب الشر أثمر الرذائل والمضار

والله يقول: " فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى " (الليل 14 - 18)

أيها المسلمون: اتقوا الله وانتبهوا إلى أن المال نعمة لمن أطاع الله تعالى فيه وأنفقه فيما يرضي الله ولم يبخل به ونقمة فيمن استخدمه في غير محله

اللهم اجعل مالنا في أيدينا ولا تجعله في قلوبنا اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر اللهم اجعل مالنا مال من قال فيه الرسول :" نعم المال الصالح للرجل الصالح "، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم " ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " (العنكبوت 45)

1435-3-26هـ

ملحوظة : ألقيت هذه الخطبة لأول مرة 1409هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي