الصلح والمبالغة في الدية

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 26 ربيع الثاني 1441هـ | عدد الزيارات: 1289 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه الله رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}آل عمران 102.

أما بعد عباد الله :

اعلموا أن الشريعة جاءت بالمحافظة على الضرورات الخمس : الدين والنفس والعقل والعرض والمال ، والمجتمع المسلم يرتكز على قواعد متينة يلزم المحافظة عليها حتى ينعم بالحياة الآمنة المستقرة .

وقد جاء الإسلام بتحريم الاعتداء على النفس البشرية بغير حق ورتَّبَ على هذه الجريمة الشنعاء حكم القصاص الذي أوجبه من أجل صيانة دماء الناس والمحافظة على أرواحهم والقضاء على الضغائن والأحقاد التي تثيرها عصبية الجاهلية ، قال تعالى " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون " البقرة 179 .

فعندما يؤخذ الجاني بجنايته يرتدع كل من يهمُّ بقتل أخيه المسلم أو يهم بالاعتداء على أي نفس معصومة ، فيكفُّ الظالم عن الإقدام على القتل خوفا من القصاص وفي كفِّه وارتداعه عن الإقدام على القتل حياة حقيقية له ولمن أراد قتله ولأفراد المجتمع أيضا .

عباد الله

إن من حق أولياء المقتول طلب القصاص من القاتل وهو حق مشروع لا غبار عليه لقول الله تعالى " ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا " الإسراء 33 .

وجعل لهم الخيرة بين القصاص والدية والعفو فقال جل وعلا " فمن عُفِيَ له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " البقرة 178 ، وقال صلى الله عليه وسلم " من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي أو يقاد " رواه البخاري ومسلم .

فالعفو كلما كان عن جناية عظمى كان الثواب عند الله تعالى أعظم كما قال جل وعلا " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " الشورى 40 ، وقال صلى الله عليه وسلم " ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا " رواه مسلم .

وإذا أسقط أولياء المقتول حقهم الشرعي في القصاص بالعفو عن القاتل فلا يُسقط ذلك حق المقتول من القصاص يوم القيامة فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء " رواه البخاري ومسلم .

عباد الله

على الرغم من حرص الشارع الحكيم على العفو إلا أن بعضا من أولياء الدم في زماننا هذا أصبح همهم الأكبر هو الحصول على دية كبيرة لا يتحملها القاتل من أجل التنازل عن القصاص وأصبح الأمر وكأنه تجارة عند أهل المقتول فتجدهم يطالبون بملايين الريالات ، ولا شك أن لهم حق المطالبة بما يريدون من مبلغ الدية لكن هذا الأمر أصبح يُؤرق المجتمع لما فيه من تكليف النفس ما لا تطيق وكذلك تكليف المجتمع بما لا يطيق .

وسبب ذلك الجهل بأهمية العفو والصفح والتسامح وضعف اليقين بما عند الله من الأجر والمثوبة لمن عفى عن أخيه المسلم .

عباد الله

لقد كفل الإسلام لأولياء الدم التنازل عن حق القصاص نظير مقابل مالي يتم الاتفاق عليه مع ذوي الجاني ، وأن القصاص من الجاني على النفس وما دونها من الجراحات حق خاص للمجني عليه أو للورثة إلا أن ما طرأ على هذا الأمر من المبالغات والمزايدات قد حرفته عن مساره .

إن المبالغة في طلب تعويض الديات يتنافى مع مقاصد هذه العقوبة وتحويلها لأبشع أنواع التجارة وهي مخالفة لمقاصد الشريعة من التسامح والعفو الذي من أجله شُرعت الدية .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

اتقوا الله عباد الله واعلموا أن بيان فضيلة خُلق العفو وتذكير الناس بذلك وبالنصوص الحاثة عليه يعود بأثر إيجابي كبير وكذلك أيضا بذل الجاه والشفاعات للعفو ابتغاء وجه الله أو الرضا بالدية الشرعية المحددة أو الصلح على مال غير مبالغ فيه مبالغة فاحشة وكذلك تفعيل دور لجان العفو وإصلاح ذات البين في جميع المناطق وفي كل ذلك خير كثير .

ويمكن أيضا العمل على تكريم المتنازلين عن القصاص دون مقابل والاحتفاء بهم في المناسبات لتشجيع غيرهم على الاقتداء بهم وحثِّ رجال الأعمال والمقتدرين لدعم لجان إصلاح ذات البين وفي ذلك أجر عظيم .

وإن من الخصال الحميدة والأخلاق الكريمة التي ينبغي على كل مسلم أن يتحلى بها صفة العفو وهي التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه لأن الله عفو يحب العفو .

هذا وصلوا وسلموا على الخليل المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " الأحزاب 56 .

اللهم صل وسلم عليه ، اللهم احفظ لنا ديننا وأمننا واجتماع كلمتنا ووحدة صفنا إنك وليُّ ذلك والقادر عليه ، اللهم احفظ لنا ولي أمرنا وجنودنا على حدودنا ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، اللهم صل على محمد .

1441-2-14هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي