الرقية الشرعية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصل اللهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن اقتدى بهداه إلى يوم الدين .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}آل عمران 102،{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}النساء1، {يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}الاحزاب 71,70 .

أما بعد عباد الله :

اتقوا الله واعلموا أن الله أباح العلاج وطلب الشفاء ومن ذلك الرقية الشرعية فقد أجاز العلماء الرقية الشرعية بثلاثة شروط : الأول أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته ، الثاني أن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره ، الثالث أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل الشافي هو الله تعالى إنما هي سبب .

ويجوز اشتراط الأجرة على الرقية لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال " إن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم فقالوا لهم : هل فيكم راق فإن سيد الحي لديغ فقال رجل منهم : نعم واشترطوا عليهم قطيعا من الغنم فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ الرجل فأعطوا قطيعا من غنم فأبى أن يقبلها وقال : حتى أذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال يا رسول الله والله ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب فقال " وما يدريك أنها رقية أقسموا واضربوا لي معكم بسهم " رواه البخاري ومسلم ، وقال " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " رواه البخاري .

ومن الوارد وضع اليد على موضع الألم والدعاء فعن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " رواه مسلم .

أما السور التي وردت قراءتها في الرقية فهي الفاتحة والمعوذتين والإخلاص وكل القرآن شفاء فيقرأ منه وكذلك يدعو الراقي بما شاء ولا سيما الوارد ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا أو أُتي به قال " أذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما " أخرجه البخاري .

عباد الله :

العين حق فربما نظر العائن إلى شخص فأصابه إذا لم يكن متحصنا بالأذكار المانعة بإذن الله من الأذى فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخزَّار من الجُحفة اغتسل سهل بن حنيف رضي الله عنه وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة رضي الله عنه وهو يغتسل فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلُبط سهل فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا رسول الله هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه وما يفيق ، قال " هل تتهمون فيه من أحد قالوا : نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه وقال : علام يقتل أحدكم أخاه هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت ثم قال له اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب ذلك الماء عليه فراح سهل مع الناس ليس به بأس " رواه الإمام أحمد وغيره بإسناد حسن .

فإذا كان العائن معلوما فيطلب منه الاغتسال ويصب الماء على المعيون ويجب على العائن الاغتسال ويحرم عليه الامتناع لأمر النبي صلى الله عليه وسلم للعائن بالاغتسال والأصل في الأمر الوجوب وإذا أخذ من ملابس العائن التي تلي جسده وغسلت بماء واغتسل به المعيون نفعت بإذن الله لأمر النبي عامر بن ربيعة بغسل داخلة إزاره وهي طرف الإزار مما يلي الجسد وإذا كان العائن غير معروف يرقى المعيون فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس رضي الله عنها " ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة ؟ قالت : لا ولكن العين تسرع إليهم ، قال : ارقيهم " رواه مسلم

والوقاية من العين بالتسلح بالأذكار والدعاء هذا هو الطريق الشرعي أما إظهار الحاجة وعدم التوفيق ونحوه فهذا من جحد نعمة الله ولم يجعله الشارع وسيلة تُتقى به العين .

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

أما بعد عباد الله :

اعلموا أن من أعظم البلاء عند الناس الإصابة بالسحر وعلاجه إذا علم مكان السحر استخرجه وأحرقه فينفك السحر عن المسحور بإذن الله وحينما سُحر النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد في دعاء ربه حتى رأى في المنام مكان السحر وإذا لم يعلم مكان السحر يلجأ المسحور إلى الرقية الشرعية والدعاء ويحرم عليه الذهاب للسحرة لفك السحر فهي من عمل الشيطان حيث يتقرب المسحور والساحر لشياطين الجن بالمحرم فيتم حل السحر عن المسحور فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النُشرة فقال من عمل الشيطان " رواه الإمام أحمد بإسناد حسن ، والنُشرة التي من عمل الشيطان هي حل السحر عن المسحور بالسحر .

وليتق الله المسحور وأوليائه فالسحر كغيره مما يبتلى به المؤمن فهو من أقدار الله " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " البقرة 102 ، فسؤال السحرة كبيرة من كبائر الذنوب لما روى الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " ، ومن أتاهم وصدقهم بما يزعمونه من علم الغيب والنفع والضر فهذا كفر مخرج من الملة فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه أحمد بإسناد صحيح .

أحبتي في الله :

النصوص في تحريم الإتيان للسحرة وسؤالهم وتصديقهم عامة لم تفرق بين مسحور وغيره فالواجب الصبر وعدم اللجوء للسحرة والعلاج من باب الحاجات وليس من باب الضرورات ولم يجعل ربنا شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها فلنتق الله إخوتي ولنتذكر قول ربنا تعالى " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا " الطلاق 2 ، 3 .

هذا وصلوا على نبيكم

اللهم صل وسلم على نبينا محمد ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم احفظ لنا ولي أمرنا وجنودنا على حدودنا وقوموا إلى صلاتكم .

1441-2-9هـ