الدرس 125: موانع البيع 1

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 5 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 2379 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قوله (فصل) المؤلف رحمه الله لما ذكر شروط صحة البيع ذكر بعد ذلك موانع البيع، لأن الأشياء لا تتم إلا باجتماع الشروط وانتفاء الموانع، فإذا تمت الشروط ولم تنتف الموانع لم تصح العبادة ولا المعاملة، وكذلك لو عدمت الموانع ولم تتم الشروط لا تصح، مثال ذلك الابن يرث أباه لكن إذا وجد فيه مانع من موانع الإرث لم يرث كالقتل العمد أو اختلاف الدين

قوله (ولا يصح البيع) ولا الشراء، وهو القبول

قوله (ممن تلزمه الجمعة) وهو الذي يوجه له الخطاب في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الجمعة: 9

فأمر بالسعي إلى ذكر الله، وهي الخطبة والصلاة، والمراد بالسعي هنا مجرد الانطلاق بدون ركض، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الإسراع فيمن أتى إلى الصلاة في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم

ولو وقع القبول بعد النداء والإيجاب قبل النداء فلا يصح البيع لأن النهي في قوله (وذروا البيع) يقتضي الفساد

قوله (بعد ندائها الثاني) أفادنا المؤلف رحمه الله أن للجمعة ندائين، أولاً وثانياً، والثاني هو الموجود على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم حين يصعد الإمام المنبر ويسلم على الناس فيؤذن المؤذن فحملت الآية عليه، لأنها نزلت في وقت لا يوجد فيه إلا أذان واحد وهو الثاني، فالحكم معلق به

وأما الأذان الأول فإنما حدث في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حين اتسعت المدينة وبعد الناس، جعل للجمعة نداءين من أجل أن يتهيأ الناس إلى الحضور فيمكنهم من حضور الإمام، كما في الحديث الذي خرجه البخاري ومسلم عن السائب بن يزيد رضي الله عنه

وإحداث عثمان رضي الله عنه للأذان الأول يعتبر من سنة الخلفاء الراشدين، لأن عثمان رضي الله عنه منهم، وللخلفاء الراشدين سنة متبعة بسنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقد قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) أخرجه أحمد

وأيضاً عثمان رضي الله عنه لم يسنه إلا لسبب لم يكن موجوداً في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو سعة المدينة وتباعد الناس

وقد عُلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم شرع أذاناً في آخر الليل ليس لصلاة الفجر، بل من أجل إيقاظ الناس، وإرجاع القائم، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) أخرجه البخاري

فقوله (لا يصح البيع) يقتضي الفساد، والدليل على الفساد، نهي الله عز وجل لأن قوله (وَذَرُوا الْبَيْعَ) الجمعة: 9، أي: لا تبيعوا، ويستثنى من ذلك ما يتعلق بالصلاة فإذا لم يكن على وضوء ووجد مع إنسان غير مكلف كمن لا تجب عليه الجمعة ماء فإنه يجوز لهذا أن يشتري الماء ليتوضأ به، مع أن الآية عامة (وَذَرُوا الْبَيْعَ) إلا أن الحكمة من النهي من أجل المحافظة على الصلاة، لقوله (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) ومن المحافظة عليها أن نأتي بواجباتها، ومن واجباتها الوضوء، وهذا قادر على أن يأخذ ماء ويتوضأ، لكن عن طريق الشراء بعد أن نودي للصلاة النداء الثاني

قوله (ويصح النكاح) أي: يصح عقد النكاح بعد أذان الجمعة الثاني، لأن الله إنما نهى عن البيع، وأما النكاح فلم ينه عنه، ولأن البيع عقد معاوضة يكثر تناوله بين الناس بخلاف النكاح وهذا على قول المؤلف، والصحيح أنه لا يصح

قوله (وسائر العقود) كالقرض والرهن والضمان والإجارة، وإمضاء بيع الخيار، والإقالة وغير ذلك، والصواب أن جميع العقود لا تصح وأنها حرام وإنما المؤلف في هذه المسألة أخذ بمذهب أهل الظاهر، وهو الاقتصار على لفظ النص فقط (وَذَرُوا الْبَيْعَ)

قوله (ولا يصح بيع عصير ممن يتخذه خمراً) لقول الله تعالى (وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فإذا غلب على الظن أن هذا الرجل يشتري العصير ليتخذه خمراً حرم بيعه، لأن بيعه من باب التعاون على الإثم والعدوان، والله سبحانه نهى عن ذلك، وإلا فالأصل الصحة، وعدم المنع

قوله (ولا سلاح في فتنة) كذلك لا يصح بيع سلاح في فتنة بين المسلمين، فلو حصل فتنة وقتال بين المسلمين، وجاء رجل يشتري سلاحاً، وغلب على الظن أنه يشتريه ليقاتل المسلمين، فإنه يحرم بيعه

وكذلك لا يجوز بيع رجل سلاحاً ليصطاد به صيداً في الحرم، وكذلك لا يصح بيع أوان لمن يسقي بها الخمر كصاحب مطعم يأتيه الناس يشربون عنده الخمر، وجاء ليشتري أواني لذلك فلا يجوز بيعه

وكذا لا يجوز بيع حلاق أمواساً لحلق اللحى، ويعرف أنه اشتراها لذلك، لأن هذا تعاون على الإثم والعدوان

فلا يجوز بيع السلاح بين المسلمين أثناء الفتنة لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك قاله أحمد قال: وقد يُقتل به ولا يقتل به وكذا بيعه لأهل حرب أو قطاع طريق لأنه إعانة على معصية

قوله (ولا عبد مسلم لكافر) العبد المسلم لا يجوز بيعه على كافر، لأن السيد له سُلطة وإمرة على عبده، فإذا بيع المسلم على الكافر سُلط الكافر عليه، فأذله وإذلال المسلم حرام

أما بيع العبد الكافر على الكافر فصحيح

قوله (إذا لم يعتق عليه) أي: على الكافر، فإن عتق على الكافر بالشراء صح بيعه عليه، والذي يعتق على مشتريه هو ذو الرحم المحْرم لحديث سمرة مرفوعاً ( من ملك ذا رحم محْرم فهو حر) أخرجه أحمد. أي: ابنه، وابن بنته، وأخوه، وعمه، وخاله، وابن أخيه وما أشبه ذلك، فكل من بينهما رحم محرم إذا ملك أحدهما الآخر عتق عليه، لأنه بمجرد ما يقول المشتري: قبلت يكون العبد حراً، وهذا فيه مصلحة للعبد، وهو التعجيل لحريته، ولا يبقى ملك الكافر عليه ولا لحظة

وكذلك لو كان يعتق عليه بالتعليق، بأن يقول: هذا الكافر إذا ملكت هذا العبد فهو حر، فبمجرد ما يملكه يكون حراً

قوله (وإن أسلم في يده أُجبر على إزالة ملكه) أي: إن أسلم في يد الكافر أجبر الكافر على إزالة ملكه، لأنه لا يمكن أن يكون للكافر ولاية وسلطة على مسلم

فلا بد أن نخرجه من ملكه بالعتق، أو بالبيع على مسلم أو الهبة على مسلم أيضاً، فإن باعه على كافر فالبيع حرام ولا يصح لقوله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) سورة النساء: 141

قوله (ولا تكفي مكاتبته) أي: لو أن الكافر الذي أسلم عبده قال: أنا أكاتبه، والمكاتبة أن يبيع السيد عبده على نفسه، كما في قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) النور: 33

فبيع نفسه عليه لا يكفي، لأن المكاتبة لا تخرج ملك السيد عن العبد حتى يوفي تماماً، ولو قال: أنا أبيعه لكن أريد أن أشترط الخيار لي لمدة شهر فلا يكفي، لأنها لم تنقطع علاقته به، فربما يقول: أنا فسخت البيع

قوله (وإن جمع بين بيع وكتابة أو بيع وصرف صح في غير الكتابة) هذا الجمع بين العقدين، فإذا جمع بين عقدين فإن كان بشرط فالعقد غير صحيح، مثال ذلك

قال: بعت عليك بيتي هذا بمائة ألف، بشرط أن تؤجرني بيتك بعشرة آلاف، قال: قبلت، فالعقد غير صحيح لا البيع ولا الإجارة، لأنه شرط عقد في عقد فلا يصح، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع) أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. وهذا هو مذهب أحمد بن حنبل والصحيح أنه جائز إذا لم يتضمن محذوراً شرعياً، والحاجة داعية لذلك فقد يقول: أنا لا أحب أن أبيع عليك بيتي حتى أضمن أنني ساكن في بيت آخر، فيقول: بعت عليك البيت بمائة ألف، بشرط أن تؤجرني بيتك بعشرة آلاف فلا مانع

أما قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم (ولا شرطان في بيع) فالعبارة مطلقة فتحمل على المقيد، وهما الشرطان اللذان يلزم منهما الوقوع في محذور شرعي

لكن إذا كان بغير شرط فجمع بين بيع وكتابة، أو بيع وصرف، أو بيع وإجارة، أو بيع ومهر، فالعقد صحيح

وقوله (بين بيع وكتابة) أي: قال لعبده: بعتك هذه السيارة وكاتبتك بعشرة آلاف، فالثمن واحد والصفقة واحدة، فيقول المؤلف: لا يصح البيع، لأنه باع ملكه على ملكه، فهذا العبد الذي كاتبه لم يخرج عن ملكه حتى يؤدي

وقال بعض الفقهاء: إنه يصح الجمع بين البيع والكتابة ولا مانع من أن يجتمع الشرط مع المشروط، لأن المحذور أن يتأخر الشرط عن المشروط، أما إذا اقترن به فلا حرج، وهذا هو الصحيح

قول المؤلف (صح في غير الكتابة) أي: صح البيع في غير ما إذا جمع مع الكتابة، فإذا جمع بين بيع وإجارة قال: بعتك بيتي هذا بمائة ألف، وأجرتك البيت الثاني بعشرة آلاف، فهذا صحيح

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

04-07-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي