ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 126: موانع البيع 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 6 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 1322 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قوله (ويحرم بيعه على بيع أخيه) المسلم كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك مثلها بتسعة لقوله صلّى الله عليه وسلم (لا يبع بعضكم على بيع بعض) رواه البخاري ومسلم، والحكمة من التحريم لأن ذلك عدوان على أخيه، ويوجب العداوة والبغضاء والتقاطع، وكل ما أوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين فإنه محرم، وهذه قاعدة عامة لقوله تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ) المائدة: 91

ثم إن هذا الدين دين التآلف والأخوة والمحبة، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) أخرجه البخاري ومسلم

ويحرم أيضاً (شراؤه على شرائه) كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة عندي فيها عشرة لأنه في معنى البيع عليه المنهي عنه

والشراء نوع من البيع ولما فيه من العدوان على أخيه وإحداث للعداوة والبغضاء

وقوله (على بيع أخيه) المراد: أخوة الدين؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم (المسلم أخو المسلم) رواه البخاري ومسلم، وتقييد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالأخ بناء على الأغلب والعطف على أخيه أيضاً إذ أنه يحرم البيع على بيع المعصوم، سواء كان مسلماً أو كافراً أو ذميّاً؛ لأن العدوان على الكافر الذمي حرام لا يحل؛ إذ إنه معصوم الدم والعِرض والمال

وهذا البيع والشراء في زمن الخيار ليفسخ ويُبطل العقد فيها وهو لا يملك الفسخ إلا زمن الخيار فأما بعد زمن الخيار فلا يملك الفسخ

مثاله: في زمن خيار المجلس

لو كنا في مجلس فباع زيد على عمرو سلعة بتسعة فقال أحد الحاضرين أنا أعطيك عشرة بعد أن أوجب البيع عليه فهذا شراء على شرائه في زمن الخيار فيحرم وهنا يتمكن البائع من الفسخ وكذلك لو كان في زمن خيار الشرط بأن باعه سلعة بعشرة وجعل لنفسه الخيار يومين فجاء إنسان في اليوم الثاني وقال أنا أعطيك فيها أحد عشر فلا يحل لأنه في هذه الحال يتمكن من فسخ البيع والعقد الثاني، أما إذا لم يكن هناك خيار فيحرم أيضاً، مثال ذلك

باع زيد على عمرو سلعة بعشرة واستلم الثمن وذاك استلم السلعة وتفرقا وانتهى كل شيء فجاء إنسان إلى المشتري وقال: أنا أعطيك مثلها بتسعة أو خيراً منها بعشرة فهذا يسمى بيعاً على بيع ولا يجوز لعموم الحديث (لا يبع أحدكم على بيع أخيه) فهذا عام ليس فيه تقييد

وأيضاً ربما تحيل على الفسخ بأي سبب من الأسباب كأن يدعي عيباً أو ما أشبه ذلك مما يمكنه من الفسخ

كما أنه يؤدي إلى العداوة بين البائع الأول والمشتري لأنه سيقول: غبنني ويكون في قلبه شيء عليه

فالبيع على بيع أخيه حرام، سواء كان ذلك في زمن الخيارين أو بعد ذلك، إلا إذا كانت المدة طويلة يتعذر فيها محاولة الرد فلا بأس به مثل شهر أو ما أشبه ذلك

مثال ذلك: جاء رجل وقال للمشتري: أنا أعطيك مثل هذه السلعة بتسعة وهو قد اشتراها قبل شهر بعشرة فهنا لا بأس به؛ لأن محاولة الرد في مثل هذه الصورة بعيد جداً

قوله (ليفسخ ويعقد معه) كلمة (ليفسخ) تعليل للتحريم أي: لو كان على غير هذا الوجه، بأن كان المشتري يريد سلعاً كثيرة واشترى من فلان عشر سلع على عشرة، ولكنه ما زال يطلبها من الناس، فقال له إنسان: أنا أعطيك بتسعة وهو يعلم أنه لن يفسخ العقد الأول؛ لأنه يريد سلعاً كثيرة فهذا لا بأس به على قول المؤلف؛ لأنه في هذه الحال ليس فيه إغرار، على ما مشى فيه المؤلف، لكن صحيح أنه لن يفسخ العقد، ولكن ربما يجد في نفسه شيئاً على البائع الأول؛ لكونه غبنه، فالتحرز عن هذا مطلقاً أولى، وهو الموافق لظاهر الحديث، وهو الأبعد عن حلول العداوة والبغضاء بين المسلمين

قوله (ويبطل العقد فيهما) يعني في البيع على بيعه، والشراء على شرائه، والدليل النهي عن ذلك، والنهي عن الشيء بعينه يقتضي الفساد؛ لأننا لو صححناه لكان في ذلك مضادة لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم، ولهذا لو صام الإنسان يوم العيد فصومه حرام وباطل؛ لأنه منهي عنه، وكذلك إذا باع على بيع أخيه فالبيع حرام وباطل

وقوله (ويبطل العقد) لمنع العدوان على الناس، إذ أن البيع على بيعه والشراء على شرائه باطل، وكذا لو استأجر على استئجار أخيه الحكم واحد لأن الإجارة بيع منافع

وكذا لو خطب على خطبة أخيه لا يجوز أيضاً حتى يأذن أو يترك كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم والذي ينهى عن ذلك

قوله (ومن باع ربوياً بنسيئة) أي: بثمن مؤجل

قوله (واعتاض عن ثمنه) أي: ثمن ذلك الربوي

قوله (ما لا يباع) نائب الفاعل يعود على الربوي

فقوله (به نسيئة) أي: شيئاً لا يباع بالذي باعه نسيئة فإنه لا يصح. والربويات ستة: (الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح)، فالبر ربوي: باع مائة صاع بر بمئتي ريال مؤجلة إلى سنة، فحين حل الأجل جاء البائع إلى المشتري، وقال له: أعطني الدراهم، قال: ليس عندي إلا تمر، فلا يجوز لأنه لا يباع التمر بالبر نسيئة أي بدون تقابض، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) أخرجه مسلم

إذاً لا يجوز أن يأخذ بدل الدراهم تمر؛ لأن التمر لا يباع بالبر نسيئة، فإن فعل فقد اعتاض عن ثمنه بما لا يباع به نسيئة فيكون حراماً؛ لأنه قد يتخذ حيلة على بيع البر بالتمر مع عدم التقابض، فيقول مثلاً: بعتك براً بمئتي ريال إلى أجل ثم يقضيه تمراً، فيتحيل على بيع البر بالتمر مع تأخر قبض الثمن، والحيل ممنوعة شرعاً؛ لأنها خداع لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم؛ ولأنها من دأب اليهود، قال الله تعالى في الذين اعتدوا في السبت وتحيلوا عليه (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) البقرة، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم (إنما الأعمال بالنيات) أخرجه البخاري ومسلم

مثال آخر: باع براً بدراهم، واعتاض عن الدراهم دنانير فهذا يجوز؛ لأن بيع البر بالدنانير يجوز نسيئة، فهذا الرجل مثلاً: باع مئة صاع بر بمئتي درهم، وعند حلول الأجل قال المشتري: ليس عندي شيء من الدراهم، لكن عندي دنانير، فهذا يجوز؛ لأن بيع البر بالدراهم أو الدنانير يجوز نسيئة وليس فيه محظور، ولكن اشترط النبي صلى الله عليه وسلم شرطين

الأول: أن يكون بسعر يومها

الثاني: أن يتقابضا قبل التفرق

لأن ابن عمر رضي الله عنهما استفتاه فقال: (يا رسول الله كنت أبيع الإبل بالدراهم، وآخذ الدنانير، وأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، فهل يجوز ذلك. قال: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء) رواه ابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي

قوله (أو اشترى شيئاً نقداً بدون ما باع به نسيئة) مثاله: بعت على زيد سيارة بعشرين ألفاً إلى سنة، فهذا بيع نسيئة، ثم اشتريتها منه بثمانية عشر ألفاً، فهذا حرام لا يجوز؛ لأنه يتخذ حيلة إلى أن أبيع السيارة بيعاً صورياً بعشرين ألفاً، ثم عدت فأشتريها بثمانية عشر ألفاً نقداً، فيكون قد أخذ مني ثمانية عشر ألفاً وسيوفيني عشرين ألفاً وهذا ربا، لا يجوز؛ لأنه حيلة واضحة، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما (دراهم بدراهم وبينهما حريرة) أخرجه ابن حزم معلقا وصححه ابن القيم

وهذه تسمى مسألة العِينة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

05-07-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي