ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 127: موانع البيع 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 7 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 1247 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

من مسائل العينة التحايل على الربا وهو ما يفعله بعض الناس اليوم، يحتاج إلى سيارة، فيذهب إلى تاجر، ويقول: أنا أحتاج السيارة الفلانية في المعرض الفلاني، فيذهب التاجر ويشتريها من المعرض بثمن، ثم يبيعها بأكثر من الثمن على هذا الذي احتاج السيارة إلى أجل، فهذه حيلة ظاهرة على الربا؛ لأن حقيقة الأمر أنه أقرضه ثمن السيارة الحاضرة بزيادة؛ لأنه لولا طلب هذا الرجل ما اشتراها وهذه حيلة واضحة

وكذلك أيضاً يأتي الفقير إلى شخص فيقول: أنا أحتاج ألف ريال، فيذهب التاجر إلى صاحب دكان، عنده أكياس أرز، فيشتري التاجر الأكياس من صاحب الدكان مثلاً بألف ريال، ثم يبيعها على المحتاج بألف ومئتين، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يباع قبل قبضه، فكيفية القبض عندهم أن يمسح على الأكياس بيده، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) أخرجه البخاري ومسلم، فهل هذا قبض، هذا يسمى عداً لا قبضاً، ثم يبيعها الفقير على صاحب الدكان الذي عنده هذه الأكياس بأقل مما اشتراها منه التاجر لأن الفقير يريد دراهم لا أكياس أرز فيبيعها بـ 900 ريال، فيُؤكل الفقير من الجانبين، من جانب التاجر الأول ومن صاحب الدكان، فصاحب الدكان أخذ منه مائة ريال، والتاجر أخذ مئتين زائداً على الألف، وهذه سماها شيخ الإسلام رحمه الله المسألة الثلاثية، لأنها مكونة من ثلاثة أشخاص، ومسائل الربا لا تحل بالحيل

وكلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثاً، فالمُحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وخداع الرب عز وجل والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، (إنما الأعمال بالنيات) أخرجه البخاري ومسلم

قوله (لا بالعكس لم يجز) مثال ذلك: بعت على هذا الرجل سيارة بعشرين ألفاً إلى سنة، ثم عدت واشتريتها منه بعشرين ألفاً نقداً، فهذا يجوز؛ لأنه لا يوجد فيه ربا

وكذلك لو بعتها بعشرين واشتريتها بخمسة وعشرين، فهذا جائز؛ لأن هذا ليس فيه ربا، لأنك إذا أعطيته أكثر مما بعت به فهذا من مصلحته، والربا الأصل فيه الظلم، وهذا ليس فيه ظلم، بل فيه فضل

قوله (وإن اشتراه بغير جنسه) جاز ذلك، أي اشترى الذي باعه مؤجلاً بنقد غير جنس النقد الذي باعه به، مثل أن يكون باعه بذهب فيشتريه بفضة، بإن ذلك جائز؛ لأن التفاضل بين الذهب والفضة جائز، لأننا منعنا فيما إذا اشتراه بأقل مما باعه نسيئة واشتراه نقداً

وظاهر كلام المؤلف ولو كان جنسه مما يجري ربا النسيئة فيه بينه وبين الثمن، فإنه يجوز

مثاله: بعت هذا البيت بمئة دينار تساوي ألف درهم مؤجلاً ثم رجعت إليه واشتريته بثمانمئة درهم نقداً، فيجوز على كلام المؤلف، لأن التفاضل بين الذهب والفضة جائز ولا يجري بينهما ربا الفضل، ولكن الصحيح أنه لا يجوز إذا اشتراه بثمن يجري ربا النسيئة بينه وبين الثمن الذي باعه به

لكن لو أنك بعت البيت بمئة درهم إلى سنة ثم اشتريته بمئتي كيلو تمر نقداً، فهذا جائز، لأن التفاضل والنسيئة بين الدراهم والتمر جائزان

قوله (أو بعد قبض ثمنه) أي: لو اشتراه بعد قبض ثمنه بأقل، فلا بأس، وكذلك لو اشتراه بأكثر أو بمساو

مثاله: باع السيارة بعشرين ألفاً إلى سنة، ولما تمت السنة قبض الثمن، ثم اشتراها من المشتري بخمسة عشر ألفاً، فهذا جائز؛ وكذا لو اشتراها بأقل مما باعها به بعد قبض الثمن فلا بأس، لأن الحيلة منتفية هنا
قوله (أو بعد تغير صفته) مثاله: أن أبيع عليه بقرة سمينة بمئة درهم إلى ستة أشهر، وبعد مضي ثلاثة أشهر هزلت البقرة، فأصبحت لا تساوي إلا نصف القيمة، فاشتراها البائع بنصف قيمتها، فلا بأس بذلك؛ لأن النقص هنا ليس في مقابل الأجل، بل في مقابل تغير الصفة، لكن ينبغي أن يقيد هذا بما كان الفرق بين الثمنين، هو ما نقصت به العين بسبب التغير، لا من أجل التأجيل والنقد، فمثلاً إذا قدرنا هذه البقرة هزلت وصارت بعد أن كانت تساوي مئتين إلى أجل، لو بعناها الآن لكانت تساوي مئة وثمانين، فاشتراها بهذا السعر، فهذا جائز؛ لأن النقص مقابل نقص الصفة، لكن لو كانت لم تنقص إلا عشرين باعتبار الصفة، وهو اشتراها بمائة وستين، وفرق العشرين هذه من أجل الفرق بين التأجيل وبين النقد فهذا حرام؛ لأن هذه هي مسألة العينة

مثال آخر: باع السيارة بعشرين ألفاً إلى سنة، وبعد مضي ثلاثة أشهر اشتراها بثمانية عشر ألفاً، والسيارة الآن تغيرت فصار فيها صدمات ومشت مسافة أكثر، فإذا كان نقص الألفين بمقدار نقص الصفة، فهذا جائز، ولكن إن كان أقل ونقص من أجل النقد، فهذا لا يجوز

قوله (أو من غير مشتريه) أي: إذا اشتراها بأقل من غير مشتريها، مثاله: إذا باع السلعة بثمن مؤجل، ثم إن الذي اشتراها باعها على آخر، ثم اشتراها البائع الأول من الآخر بثمن منقود أقل، فهذا جائز؛ لأن محذور الربا هنا بعيد، إذ إن التعامل صار مع طرف ثالث

مثال آخر: بعت هذه السيارة بمئة ألف إلى سنة، ثم إن صاحبها باعها إلى شخص آخر بما شاء من قليل أو كثير، أو وهبها له، ثم اشتريتها أنا من الثاني بثمانين ألفاً نقداً، فهذا جائز؛ لأن المعاملة هذه مع طرف ثالث، ليست مع الطرف الذي بعت السيارة عليه

مثال ثالث: بعت هذه السيارة بمئة ألف إلى سنة، ثم مات المشتري وانتقلت السيارة إلى وارثه، فاشتريتها من وارثه بثمانين ألفاً نقداً، فهذا جائز؛ لأني اشتريتها من غير مشتريها، فمحذور الربا بعيد

قوله (أو اشتراه أبوه) أي: أبو البائع، مثاله: باع زيد سيارته بمئة ألف على شخص إلى سنة، ثم إن أبا زيد اشترى هذه السيارة ممن اشتراها من ابنه بثمانين ألفاً نقداً، فهذا لا بأس به؛ لأن المعاملة الآن مع طرف ثالث، إلا إذا كان الأب شريكاً في هذه السيارة فإنه لا يجوز؛ لأنها ستعود إلى الطرف البائع أولاً

قوله (أو ابنه جاز) إذا اشتراها ابنه، بأن باع زيد هذه السيارة على شخص بمئة ألف إلى سنة، ثم إن ابنه اشتراها من الذي باع عليه أبوه بثمانين نقداً، فإن هذا لا بأس به؛ لأن المعاملة صارت مع طرف ثالث، ولهذا قال جاز، ولكن بشرط أن لا يكون شريكاً فيها

قوله في الروض المربع حاشية ابن قاسم (ومن احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مئة بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس وتسمى مسألة التورق)

يقول (ومن احتاج إلى نقد) مثاله: إنسان يريد أن يتزوج وليس عنده أموال فاشترى ما يساوي مئة بأكثر، أي: اشترى سيارة تساوي مئة بأكثر مؤجلة ليتوسع بثمنه، بأن يبيعها نقداً لغير من باعها عليه بأقل مما اشتراها به مؤجلاً فلا بأس وتسمى مسألة التورق، لأن هذه السلعة قد يشتريها الإنسان لغرض مقصود بعين السلعة، كرجل اشترى سيارة من أجل أن يستعملها، أو يكون الغرض قيمة السيارة، فاشتراها لأجل أن يبيعها ويتوسع بالثمن، فهذا جائز على رأي الإمام أحمد في رواية عنه، وعلى هذا لا بد أن يكون الباعث لها الحاجة لقوله (ومن احتاج) فلو كان الباعث لها الزيادة والتكاثر فهذا حرام، فلا بد أن يتعذر القرض لتحليلها أو السَلم أيضاً، والسلم هو تعجيل الثمن وتأخير المبيع، أي: آتي للشخص وأقول: أنا محتاج عشرين ألف ريال، أعطني عشرين ألف ريال أعطيك بدلها بعد سنة سيارة صفتها كذا وكذا، أو أعطيك بدلها براً أو أرزاً، ويصفه فهذا يسمى السلم، ويسمى السلف، وهو جائز فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون ذلك السنة والسنتين في الثمار، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) أخرجه البخاري ومسلم

الشرط الثاني لجواز التورق: أن تكون السلعة عند البائع، فإن لم تكن عنده فقد باع ما لم يدخل في ضمانه، وإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيع السلع في مكان شرائها حتى ينقلها التاجر إلى رحله. أخرجه البخاري ومسلم

فهذا من باب أولى؛ لأنها ليست عنده

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

06-07-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي