ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 122: شروط البيع 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 5 جمادى الأولى 1438هـ | عدد الزيارات: 1585 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الشرط الخامس من شروط البيع

أن يكون مقدوراً على تسليمه، لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم، فلم يصح بيعه، سواء كان المعقود عليه الثمن أو المثمن يقدر على تسليمه أي البائع والمشتري قادراً على تسلم أو تسليم ما انتقل من ملكه أو إلى ملكه لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) المائدة: 90، فبيع ما لا يقدر على تسليمه من الميسر؛ لأن المشتري مخاطر قد يحصل عليه وقد لا يحصل، فالمشتري إما غانماً لأن سعر الشراء قليل، وإما غارماً فإن قدر عليه فهو غانم لقلة السعر، وإن فاته فهو غارم وهذه هي قاعدة الميسر

وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء: 29، ووجه الدلالة أن ما يعجز عن تسليمه لا يرضى به الإنسان غالباً، ولا يقدم عليه إلا رجل مخاطر قد يحصل له ذلك، وقد لا يحصل له

ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيع الغرر، أخرجه مسلم

فإن تمكن المشتري من تسلُّمه صار غانماً، وإلا صار غارماً، وهذا هو الضرر

فما لا يقدر على تسلمه فهو غرر، إذ قد يبذل المشتري الثمن ولا يستفيد

فصار الدليل على اشتراط هذا الشرط القرآن والسنة والنظر الصحيح، فإن حصل عليه المشتري حسده البائع

لأن الثمن لا بد أن يكون أقل من المعتاد وإن لم يحصل عليه كان في قلب المشتري شيء يغبط البائع ويحسده عليه، وكل ما أدى إلى البغضاء والعداوة فإن الشرع يمنعه

وضرب المؤلف أمثلة على ذلك فقال (فلا يصح بيع آبق) لما رواه أحمد عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق

قوله (ولا شارد) الشارد هو الجمل الهارب، وكذا لو أن بقرة هربت أو شاة أو ما أشبه ذلك وعجز عنها فهي داخلة في ذلك

قوله (وطير في هواء) مثل أن يكون عند الإنسان حمام، ويبيعه وهو ليس في مكانه، فإن بيعه لا يصح؛ لأنه غير مقدور عليه، ولو ألف الرجوع، وكان من عادته أن يأتي في الليل ويبيت في مكانه فإنه لا يصح بيعه؛ لأنه قد يُرمى وقد يهلك، إذ ليس بين أيديهما عند البيع

وقوله (وسمك في ماء) لأنه غرر لا يصح بيعه كالسمك في البحر أو في النهر

أما إن كان يسهل أخذه كالسمك في برك البساتين فيصح لأنه يسهل أخذه

وقوله (ولا مغصوب من غير غاصبه أو قادر على أخذه) المغصوب ما أخذ من مالكه قهراً، أي: لا يصح بيع مغصوب من المالك، فلو أن مالك المغصوب باعه على طرف ثالث فإنه لا يصح؛ لأنه غير مقدور على تسليمه، إلا أن المؤلف استثنى وقال (من غير غاصبه أو قادر على أخذه) فإن كان من غاصبه بأن قال المالك للغاصب: اشتر مني ما غصبتني، فاشتراه فهذا صحيح؛ لأن العلة هي القدرة على التسليم وهي موجودة؛ لأن هذا المغصوب عنده فيصح البيع بشرط ألاَّ يمنعه إياه بدون البيع، فإن منعه الغاصب إياه إلا بالبيع فالبيع غير صحيح؛ لأنه بغير رضا ومن شرط البيع الرضا، بأن قال الغاصب: أنا لا أرده عليك وأريد أن تبيعه علي، فالمالك باعه عليه اضطراراً؛ فلا يصح البيع، وإن بذل الغاصب ثمناً أكثر من قيمته أضعافاً مضاعفة، وباعه المالك عليه فلا يصح البيع ما دام لم يرض؛ لأنه يريد أن يتشفى منه، وهو يعرف أنه لو أخذ هذه القيمة اشترى عشرة من جنس ما أخذ منه، لكن يريد أن يحول بين الغاصب وبين جشعه وطمعه، فيقول: أنا لا أبيع أبداً، لذا لا يصح البيع ولو كان بأضعاف مضاعفة

قوله (أو قادر عليه) أي: أخذه من الغاصب، مثل أن يغصبه شخص، فيبيعه المالك على عم هذا الشخص القادر على أخذه منه، أو على أبيه فإنه يصح؛ لأن علة صحة البيع هي القدرة على أخذه وهي موجودة، فإن كان المشتري اشتراه بناء على أنه قادر على أخذه ولكنه عجز فيما بعد، فله الفسخ؛ لأنه تعذر الحصول على مقصودهم

الشرط السادس من شروط البيع: أن يكون معلوماً برؤية أو صفة

أي: أن يكون المبيع معلوماً عند المتعاقدين وهما البائع والمشتري، فلا يكفي علم أحدهما، لأن جهالة المبيع غرر، والجهل إما أن يكون منهما جميعاً، أو من البائع وحده أو من المشتري وحده، وفي كل الصور الثلاث لا يصح البيع

والدليل على أنه لا بد أن يكون معلوماً عند المتعاقدين، حديث أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيع الغرر)والمجهول بيعه غرر لا شك

ونهي عن بيع الغرر لما يحصل به من العداوة والبغضاء والكراهية؛ لأن المغلوب منهما سوف يكره الغالب فلذلك نهي عن بيع الغرر

قوله (وأن يكون معلوماً برؤية أو صفة) لم يشترط أن تكون الرؤية للجميع، وعلى هذا فإذا كانت رؤية بعضه دالة على الجميع اكتفي بها ولا بد من هذا؛ لأن كومة الطعام كالتمر أو البر مثلاً لا نرى كل حبة منها لكن نرى بعضها الدال على بقيتها، ورؤية البعض الدال على الكل تكون عند العقد، أو قبل العقد بزمن لا يتغير فيه المبيع تغيراً ظاهراً بعد الرؤية، فلو رأى بطيخاً قبل يومين لا يصح العقد عليه اليوم؛ لأنه يتغير خلال هذه المدة

إذاً الرؤية وقتها عند العقد، أو قبله بزمن لا يتغير فيه المبيع

قوله (أو صفة)

وهذا طريق العلم بالوصف، والموصوف ينقسم إلى قسمين

أحدهما: أن يكون معيناً

الثاني: أن يكون في الذمة

مثال المعين: أن تقول: بعتك سيارتي الفلانية التي صفتها كذا وكذا

مثال الذي في الذمة: أن تقول: بعتك سيارة صفتها كذا وكذا، فالسيارة هنا غير معينة

وكلاهما صحيح ولكن يشترط أن تنطبق الصفة

ودليل الاكتفاء بالوصف، حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) أخرجه البخاري ومسلم

فالعلم بالمسلم فيه هنا بالوصف؛ لأنه يسلف السنة والسنتين في الثمار، وهي لم تخلق الآن، إذاً يكون العلم بالوصف، لكن لا بد من شرطين

الأول: أن يكون الموصوف مما يمكن انضباطه بالصفة

الثاني: أن يضبط بالصفة

فالبيع بالصفة أضيق من البيع بالرؤية أو ما يشبهها

أما ما لا يمكن انضباطه بالصفة، كالجواهر واللآلئ وما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن يباع بالوصف؛ لأنه يختلف اختلافاً عظيماً، فرب خرزة من اللؤلؤ تساوي مثلاً ألف ريال، وأخرى لا تساوي عشرة ريالات فلا يمكن ضبطها، ويمكن انضباط المصنوعات، ومن أضبط ما يكون الأباريق والفناجيل والأقلام

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

20-04-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر