الشتاء

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 5 ربيع الأول 1438هـ | عدد الزيارات: 1787 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، رافعِ السموات بغير عمد ترونها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، خاتمُ الأنبياء والمرسلين، وسيُد ولدِ آدمَ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِهِ ومَن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعدُ؛

عبادَ الله: إن نعمة الإيمان نعمة عظيمة لا تضاهيها نعمةٌ، ويكفي فخراً للمؤمنين عندما يدخلون الجنة يعترفون بالفضل لله الواحد القهار فيقولون (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)الأعراف:43

أحبَتِي لنقفَ مع فصلِ الشتاءِ وقفاتِ تأمُّلٍ وتَفَكُّرٍ:

الوقفة الأولى: الشتاء وعمر الإنسان: لقد أدركنا هذا العام فصلَ الشتاء، ولم يدركه غيرُنا مِمَّن رحلوا عن الدنيا، وما مَرَّ من أيامِ أعمارنا سيكون شاهداً لنا أو علينا، والمؤمنُ يقفُ دائماً مع نفسه وقفةَ محاسبةٍ، ويقولُ لها: هل قدمتِ الزادَ ليوم المعادِ قبل أن يأتيكِ الموتُ فتتحسري على ما فرطتِ في جنبِ الله؟!

فالإنسانُ في هذه الحياة مشغولٌ بالأموال والزوجاتِ والأولادِ، وغيرِ ذلك من أمور الدنيا، وإذا راجَعَ نفسَه وجدَ أنه يغفلُ عن زاد نفسِهِ الذي ينفعُه عندما يلقى ربَّه، فَتَصَرُّمُ الأيامِ وتعاقُبُ الفصولِ والأعوام تذكرةٌَ لنا لنراجع أنفسَنا، ونجتهدَ في بذل الجهد من أجل الوصولِ إلى مرضاتِ ربِّنا، ففي ذلك الفوزُ العظيمُ لنا.

الوقفة الثانية: سلامة العقيدة، فالمسلمُ الحقُّ إذا رأى المطرَ نازلاً أرجعَ الفضلَ إلى ربِّه، وقال ما قال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (مُطرنا بفضل الله ورحمته)رواه مسلم.، ففي ذلك دلالة على سلامة القلب من الشرك.

الوقفة الثالثة: من آيات الله تعالى في الشتاء المطرُ والبردُ، فقد ذكر الله جل وعلا بعض الآيات الدالة على قدرته في كتابه العزيز في كثير من سور القرآن، ومن ذلك قوله تعالى :(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) الشورى:28، وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الأعراف:57

فالمطرُ آيةٌ تحتاجُ إلى تفكُّر ٍوتأمُّلٍ، فهذا المطر الذي ينزل كيف يصل إلينا؟ وكيف يُحمل، ومن الذي يحمله، ومتى ينزل؟ فالمؤمن هو الذي يرجع الأمر إلى ربه، ويعلم أنه مسخر بقدرته، وأنه غيث يحتاج إليه العباد والبلاد، فلا حياة دون هذا الماء النازل من السماء، قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) الأنبياء:30

فهل يستطيع الناسُ العيشَ دون ماء؟ لا والله! فلابد أن نشكر الله على هذه النعمة العظيمة، ونسأله سبحانه المزيد منها ليعم الخير والبركة على الناس والبهائم والمزروعات.

وأما البرْدُ فهو أيضاً آيةٌ عظيمةٌ تحتاجُ إلى وقفة، فنحن بفضل من الله ربما لا نشعر بهذا البرد لوجود الأسباب الجالبة للدفء من ملابس وغيرها من الإمكانات التي سخرها اللهُ لنا، فهل تفكَّرْنا في نعم الله علينا وشكرناها وأدَّيْنا حَقَّ المُنْعِم ببذل المعروف لإخواننا الذين يلتحفون السماء، ويفترشون الأرض؟ هل تذكَّرْنا إخواننا المسلمين من حولنا وهم محتاجون إلى الدفء والغطاء؟ هل بذلنا لهم المستطاع مما أنعم الله به علينا حتى يحفظ الله علينا نعمه ويديمها بفضله وكرمه؟

إخواني: هذا البرد يذكرنا أيضاً بزمهرير جهنم، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا فَقالَتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشِّتَاءِ ونَفَسٍ في الصَّيْفِ، فأشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ. " رواه البخاري ومسلم

فلابد أن نتذكر مع هذا البرد شدةَ زمهريرِ جهنَّمَ أعاذنا اللهُ وإيَّاكم منه .!

ومن الآيات أيضاً: هذه الصواعق التي يسمعها الناس بآذانهم ويرونها بأم أعينهم، قال تعالى (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) الرعد:13

ومن الآيات أيضاً الرعد والبرق، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، أخبِرنا عن الرعد ما هو؟ قال (ملَكٌ من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله)، قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال (زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر)، قالوا: صدقت.صححه الألباني

الوقفة الرابعة: كان السلف رحمهم الله يفرحون بالشتاء فرحاً عظيماً لما فيه من قصر النهار للصيام، وطول الليل للقيام، فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يقول:" الشتاء غنيمة العابدين" وقال الحسن رحمه الله:" نِعم زمان المؤمن الشتاء! ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه ".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الكريم المنان، ذي الفضل والإحسان، والصلاة والسلام على نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد

عباد الله، علينا أن نستغل هذا الفصل المبارك في كثرة الصيام وطول القيام وسائر الطاعات عسى الله أن يمدنا بعونه وفضله.

اللهم إنا نحمدك على ما أنزلته علينا من الغيث، اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه. اللهم وفِّقْ وُلاةَ أمرنا لما تحب وترضى، ويسِّر لهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

عبادَ اللِه (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل:90، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

1438-03-05 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي