محبة محمد في اتباعه

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 2 ربيع الأول 1438هـ | عدد الزيارات: 1679 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة بشيراً ونذيرًا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرًا، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد ولد آدم، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين وسلَّم تسليماً كثيرًا

أما بعد

عباد الله: نِعَم الله على عباده لا تعد ولا تحصى، وأعظمها بعثته صلى الله عليه وسلم إلى هذه الأمة بالهدى، فأخرجهم به من الظلمات إلى النور؛ وأوجب عليهم محبته محبة تفوق محبة كل مخلوق كما قال صلى الله عليه وسلم: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.رواه البخاري.

ومحبته صلى الله عليه وسلم إنما تكون باتباعه والسير على نهجه، قال الله عز وجل( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) آل عمران: 31

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.رواه مسلم.

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ . رواه أبو داود وصححه الألباني .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)رواه مسلم. وفي رواية (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)رواه مسلم. فحديث عائشة قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم في رد كل البدع

عباد الله إن من جملة هذه البدع ما ابتدعه بعض الناس في شهر ربيع الأول من بدعة عيد المولد النبوي؛ يجتمعون في الليلة الثانية عشرة منه فيصلُّون على النبي صلى الله عليه وسلم بصلوات مبتدعة، ويقرؤون مدائح للنبي صلى الله عليه وسلم تخرج بهم إلى حد الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأضاعوا الزمن، وأتعبوا الأبدان فيما لم يشرعه الله ورسوله ولا عمله الخلفاء الراشدون ولا الصحابة ولا المسلمون في القرون المفضلة ولا التابعون لهم بإحسان ولو كان خيراً لسبقونا إليه

فهذه البدعة أول من أحدثها العُبَيْدِيُّون؛ وهم من الرافضة الباطنية الذين قال فيهم الباقلاني: هم قوم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض

عباد الله إنَّ كثيراً ممن يقيمون هذه الموالد يرون أن ذلك من تمام محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه؛ وهذا ليس بصحيح، إذ إن محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه لا تكون بمخالفة هديه صلى الله عليه وسلم والابتداع في الدين الذي قد أكمله الله لأمته، وإنما تكون محبته وتوقيره بلزوم طاعته، واتباع أمره، والأخذ بهديه، والعض على سنته بالنواجذ، واجتناب سائر المحدثات التي حذَّر منها وأخبر أنها شر وضلالة

أيها الأحبة: إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أشد الناس محبةً للنبي صلى الله عليه وسلم وأشدهم تعظيماً له وكانوا أحرص على الخير؛ ومع هذا لم يكونوا يحتفلون بالمولد ويتخذونه عيدًا، ولو كان في إقامة المولد أدنى محبة للرسول صلى الله عليه وسلم لكانوا أحرص الناس عليه وأسبقهم إليه

أحبتي في الله: هؤلاء هم الصحابة الذين قال الله فيهم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس) آل عمران: 110، وقال فيهم رسوله صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) أخرجه البخاري ومسلم

ما أقاموا هذا المولد ولا فعلوه ولا فعله تابعوهم بإحسان؛ وهم أشد الناس محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وأحرصهم على تطبيق سنته وأبعدهم عن البدع والمنكرات

وقد أحسن من قال

وكل خيرٍ في اتباع من سَلَفْ *** وكل شر في ابتداع من خَلَفْ

وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الأنعام: 153

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين القائل في محكم تنزيله (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة: 128، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين وسلَّم تسليماً كثيرًا

أما بعد

اتقوا الله وأطيعوه، واحمدوه على أن جعلكم من أتباع هذا الرسول الكريم، واحذروا من الوقوع فيما نهى عنه لتنالوا بذلك محبته ولتكونوا حقيقةً من أهل طاعته

أيها الأخوة: قد يقول قائل إن الذين يقيمون المولد قصدهم حسن، وهم لم يريدوا إلا رضا الله وإظهار محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بإقامة هذا المولد

والجواب إن القصد الحسن لابد فيه أن يكون مطابقاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم

ولذا لما دخل ابن مسعود رضي الله عنه في المسجد ورأى فيه قوماً حِلَقاً جلوساً ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل يقول كبِّروا مائة فيكبرون، فيقول هلِّلوا مائة فيهلِّلون، فيقول سبِّحوا مائة فيسبِّحون، فقال لهم ابن مسعود رضي الله عنه ما هذا الذي أراكم تصنعون؟! قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح، قال (فعدُّوا سيئاتكم، ويحكم يا أمة محمد إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم، أوَمفتتحو باب ضلالة)، قالوا والله ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه .قال الألباني إسناده صحيح"

إخواني: قال بعض من يرى جواز بدعة المولد مستدلاً على جوازه إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر، فأهل الإسلام أوْلى بالتكريم وأجدر فهذا اعتراف منهم بأن إقامة المولد إنما كان لأجل مشابهة النصارى في اتخاذهم عيداً لمولد المسيح، وفي هذا مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ)رواه مسلم. إذاً ففِعل المولد تشبُّه بالنصارى بشهادة بعض من يستحسنه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ.رواه ابن حبان وصححه ابن حجر.

فاحذروا عباد الله من الاغترار بمثل هذه البدع والوقوع فيها (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور: 63

وصلُّوا وسلِّموا يا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب: 56

وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا.رواه مسلم.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد

وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين

اللهم فرج كرب إخواننا الأراكانيين

وقوموا إلى صلاتكم

1438-03-02 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي