التدخين

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 28 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 2179 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي أعز أهل طاعته وأذل أهل معصيته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أما بعد

عباد الله: حديث اليوم عن منكر أصبح عند بعض من الناس معروفاً هذا المنكر يا عباد الله هو عادة التدخين الذي أصبح يتعاطاه البعض من الناس بدون تفكير ولا تعقل فقد شب عليه الصغير وشاب عليه الكبير ولكن مهما يكن من انتشاره فهذا لا يحل حرمته ولا يزيل مضرته الجسمية أو الاجتماعية ولقد حاربه المسلمون في السابق ففي الدولة العثمانية الإسلامية فرض السلطان مراد الرابع عقوبة الموت على المدخنين ويقال أنه كان يخرج بنفسه ليلاً ليفتش عن المدخنين المخالفين وقد رأيت أيام الصبا شخصاً تجلده الشرطة بجريد النخيل بأمر القاضي لشربه الدخان وذلك تعزيراً له أمام الناس وكان الجلد بجريد النخيل ووجهت تهمة إلى صاحب دكان بأنه يبيع الدخان فاستغرب الناس ففزع صبيان الحي إليه وجاءوا إليه وفتشوا الدكان وكانوا مقررين حرق الدكان ولكنهم لم يجدوا فيه شيء وكنت معهم وقد يقول قائل إن هذا ضرب من الخيال وأقول هذا حصل حقيقة ومازلت أتذكر الدكان وصاحبه إلى اليوم أما واقع الناس اليوم مع الأسف فيختلف اختلافاً كبيراً فقد ذهبت الغيرة وزالت الشيم والناس اليوم لا يشكون في حرمته ومع ذلك ترى الرجل قد طعنه الشيب وتراه يبيع الدخان في دكانه وإذا ناقشته في ذلك تعلل بالربح المادي وكأن الربح المادي أعز عليه من دينه وعقيدته فتراه يبيع دينه من أجل عرض من الدنيا وأقول لهؤلاء إنكم آثمون في بيعكم المحرم لأنكم تشجعون عليه وتأكلون ثمنه وهو محرم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "كلُّ لحمِ نبت من السُّحتِ كانتِ النارُ أوْلَى به"صححه الألباني. والسحت هو الحرام فالأولى بكم أن تحاربوه لا أن تشجعوا على شربه ببيعكم له وتوفروه للناس من قبلكم فالأولى بأصحاب المحلات أن يشترطوا على المستأجر أن لا يبيع فيه محرم كالدخان

فيا من نظر إلى الغرب نظرة إعجاب أقول له إن الغرب تطور حينما ترك دينه وذلك لأن دينه محرف ودينه ضد العلم والاختراع فقد حاربت الكنسية العلماء وأحرقت 300 من العلماء وهم أحياء من بينهم جاليليوا عالم الفلك أما الإسلام فهو لا يحارب العلماء بل يجلهم فقد قال تعالى "إنما يخشى الله من عباده العلماء"فاطر:28. فالإسلام يحث على التقدم والتطور والاختراع ولكن بشرط ألا يكون على حساب العقيدة كل ذلك في حدود مصلحة البشرية لا تدميرها فيا من نظر إلى الغرب نظرة إعجاب إن علماء الغرب قد تربوا على أيدي المسلمين في مدارس الأندلس ولكنهم سبقونا لأننا تخلينا عن عقيدتنا وأصبحنا نقلدهم في سلبياتهم لا في إيجابياتهم فها هو الكثير من المسلمين بكل تبجح يشعل سيجارته أمام أولاده وأمام المسلمين بدون حياء ظاناً ذلك أن هذا من التقدم فيا مسكين إذا أردت التقدم فاعرف دينك وما يتطلبه منك وبإذن الله تكون من خيرة المجتمع

عباد الله من الأدلة على تحريم التدخين الأتي

أولاً: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر " صححه شعيب الأرناؤوط والسيوطي ، وقال أيضاً " ما أسكر كثيره فقليله حرام " صححه الألباني ، هذه الأدلة تدل على حرمته فإنه تارة يسكر وتارة يفتر فهو يسكر إذا تركه فترة طويلة ثم عاوده

ثانياً: أنه ثبت طبياً أن التبغ يحتوي على كمية كبيرة من مادة النيكوتين السامة وأن شاربه يتعرض لأمراض خطيرة كثيرة في بدنه أولاً ثم تدريجياً فيضطرب الغشاء المخاطي ويهيج ويسيل منه اللعاب بكثرة ويتغير ويتعسر عليه هضم الطعام وأيضاً يحدث التهاباً في الرئتين وينشأ عنه سعال ويتسبب عن ذلك تعطيل للشرايين الصدرية وعروض أمراض صدرية ربما يتعذر البرء منها وما يجتمع على باطن القصبة من آثار التدخين يجتمع مثله على عروق القلب والقلب يضغط على فتحاته فيحصل عسر في التنفس ويؤثر على القلب بتشويش انتظام دقاته وربما أدى بشاربه إلى الموت فيكون شاربه قد تسبب لقتل نفسه وقتل النفس محرم من الكبائر قال تعالى "ولا تقتلوا أنفسكم"النساء:29. وقال صلى الله عليه وسلم "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم.رواه مسلم.

ثالثاً: أنه إسراف وقد حرم الله الإسراف فقال تعالى "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"الأعراف:31. وقال "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين"الإسراء:27. والتبذير هو الذي ينفقه الإنسان في غير طاعة وفيما لا منفعة فيه قال بعض العلماء الإسراف هو الإنفاق في معصية الله تعالى

رابعاً: نهى الشارع عن إضاعة المال وكم من حريق التهم أنفساً وأموالاً سببه الدخان وكم من برئ تأثر بشاربه فصار مثله وكم من ملايين من الأثمان يومياً تحرق وتتلف في هذا الدخان الخبيث الكريه فنضرب لذلك مثلاً لما يتلف يومياً من الفلوس بسبب شرب الدخان فإذا كان عدد سكان الدولة عشرين مليوناً وثلاثة أرباعهم يشربونه أي خمسة وسبعين في المائة وقلنا أدنى مصروف للواحد يومياً في الدخان ريال فمعناه أن الذي يتلف على الجميع يومياً خمس عشرة مليوناً من الريالات وفي الشهر يكون الذي يتلف في سبيل هذا الدخان أربعمائة وخمسين مليون من الريالات وفي السنة خمسة آلاف مليوناً وأربع مائة مليون من الريالات هذا إذا كان بريال فكيف إذا كان بخمس ريالات، نسأل الله العصمة من ذلك

خامساً: كون رائحته كريهة تؤذي الناس الذين لا يستعملونه وتؤذي الكرام الكاتبين وتؤذي المعقبات وبالخصوص أذيته في مجامع الناس كاجتماعهم لصلاة الجماعة فإيصال الضرر إلى المسلم حرام وأذيته حرام وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته"رواه مسلم. وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"رواه مسلم. ومن المعلوم أن رائحة الدخان لا تقل كراهتها عن كراهية رائحة الثوم والبصل والكراث

ومن أقوال العلماء في تحريمه قول الشيخ عبد الله بن محمد آل الشيخ رحمه الله: إذا شهد اثنان على ريح التتن من فم رجل جلد ثمانين جلدة

وسئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر عن التتن فأجاب: هو حرام

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين عن التنباك فأجاب بقوله: الذي نرى فيه التحريم لعلتين أحدهما حصول الإسكار فيما إذا فقده شاربه مدة ثم شربه أو أكثر منه وإن لم يحصل إسكار حصل تخدير وتفتير والعلة الثانية أنه منتن

وأجاب الشيخ خالد بن أحمد من فقهاء المالكية بقوله: لا تجوز إمامة شارب التنباك

وممن حرم الدخان الشيخ أحمد السنهوري والشيخ اللقاني والشيخ العامري والشيخ إبراهيم بن جمعان والشيخ عبد الرحمن السعدي والشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الله بن حميد والشيخ محمد بن عثيمين والشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ صالح الفوزان وغيرهم

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة على المصطفى الأمين

أما بعد

عباد الله: كل مضر حرام وسوف أسوق لكم بعض الأدلة التي تثبت ضرر التدخين

أولاً: أثبتت جمعية الصحة العامة والسرطان بأمريكا عام 1954 وأثبت المجلس الصحي الهولندي في عام 1957 وأثبت مجلس الأبحاث العلمية البريطاني في عام 1957 وأثبت مجلس الأبحاث العلمي في السويد في عام 1958، أثبت جميع هؤلاء أن التدخين هو العامل الأساسي في سرطان الرئة

ثانياً: من أهم المواد الموجودة في دخان التبغ مادة النيكوتين فهي تسبب زيادة ضربات القلب واختلالاً في انتظام هذه الضربات كذلك يضيق النيكوتين فتحة الأوعية الدموية في الأطراف وبذلك يخفف من جريان الدم فيها، ومرض تضييق الأوعية الدموية في الأطراف السفلية لا يحدث عادة إلا عند المدخنين وإذا كانت كمية النيكوتين المعطاة صغيرة يثير النيكوتين الأعصاب وإذا ازدادت الكمية المعطاة يسبب النيكوتين تسمماً في الأعصاب والنيكوتين سم من أشد السموم بحيث أنه لو وضعت نقطة منها على لسان كلب لمات في أقرب زمن مع أن الكلب أقوى تحملاً للسموم من الإنسان ومن سائر الحيوان

ثالثاً: كثف دخان التبغ وركز وجرب على جلود الفئران والأرانب فسبب سرطاناً في جلودهم وكذلك حقنت هذه المواد الدخانية تحت جلد الجرذان وسببت السرطان في مكان الحقن

رابعاً: يؤثر التدخين في الغدتين الكظريتين وفي الأعصاب الودية وكذلك على الغدة النخامية

خامساً: في أمريكا في عام 1962 تشكلت لجنة استشارية للأمين العام لوزارة الصحة واختير أعضاؤها وعددهم عشرة من بين 155 عالماً وطبيباً فجمعت هذه اللجنة كل ما كتبت في المجلات العلمية عن التدخين منذ عام 58 فتوافر لديها ستة آلاف مقال من 2200 مجلة علمية واستغرقت الدراسة مدة عام ونصف وصدر تقرير اللجنة عام 64 وفيما يلي ملخص ما جاء في التقرير

أولاً: تحكم اللجنة أن التدخين يسهم في زيادة الوفيات

ثانياً: التدخين سبب سرطان الرئة

ثالثاً: التدخين سبب التهاب القصبات المزمن

رابعاً: التدخين يزيد في نسبة الوفيات الناتجة عن تصلب الشرايين الأكليلية

خامساً: هناك علاقة سببية بين تدخين الغليون وسرطان الشفاه

سادساً: التدخين سبب سرطان الحنجرة

سابعاً: هناك علاقة بين سرطان المري والتدخين

ثامناً: هناك علاقة بين التدخين وسرطان المثانة

تاسعاً: هناك علاقة بين التدخين والقرحة المعدية

عاشراً: نسبة الوفيات بتشمع الكبد مرتفعة بين المدخنين

عباد الله: من خلال ما سمعنا يتضح لنا حرمه التدخين وأضراره الجسيمة فما هي أسباب انتشاره ولماذا لا تحاربه الدول وللإجابة على هذا السؤال أقوال

أولاً مسألة انتشاره بين الكفار هذا أمر غير مستغرب لأنهم ليس لديهم دين وعقيدة تحميهم من ذلك ونظراً لكثرة معاصيهم وللقلق النفسي لديهم فيحاولون شربه لعله يخفف عنهم ما هم فيه من القلق ولكنه يزيدهم غماً بغم

أما مسألة لماذا لا تحاربه الدول الكبرى فتعلمون أن الدول تأخذ عليه ضرائب مالية فتفضل المكسب المادي على أرواح البشر وأرواح الشعب لديهم رخيصة مقابل المكسب المادي فبريطانيا مثلاً تحصل على 900 مليون جنيه استرليني سنوياً من الضرائب المفروضة على التبغ وصناعته وهذه إحصائية قديمة جداً

أما سبب انتشاره بين المسلمين فيتلخص في الآتي

أولاً: الشعور بالنقص فإذا رأى الكافر الغربي يدخن ظن أنه سبقه ودخن مثله

ثانياً: ذوبان شخصية المسلم

ثالثاً: ضعف الإرادة

رابعاً: عدم وجود الرادع الإيماني الذي يمنعه من ارتكاب المحرم

خامساً: تشكيك بعض الناس في حرمته قياساً على كثرة شاربيه وهذا يدل على سخافة العقول

سادساً: مجالسة الأشرارا وهذا يؤدي إلى ازدياد شاربيه

نسأله الله السلامة

هذا وصلوا على نبيكم وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

1435-3-28هـ

ملحوظة : ألقيت هذه الخطبة لأول مرة عام 1405هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي