تربية الأولاد

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 18 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 1798 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي من علينا بنعمة الأولاد وفتح لنا من أسباب الهداية كل باب ورغب في طرق الصلاح وحذر من طرق الفساد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكريم الوهاب وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الخلق بلا ارتياب صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب وسلم تسليما

أما بعد

أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الأولاد واعلموا أن هذه النعمة إما فتنة للعبد واختبار وإما منحة تكون قرة عين في الدنيا والآخرة سرور للقلب وانبساط للنفس وعون على مكابد الدنيا وصلاح يحدوهم إلى البر في الحياة وبعد الممات اجتماع في الدنيا على طاعة الله واجتماع في الآخرة في دار كرامة الله "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ"الطور:52. وإن من أسباب هذه المنحة أن يقوم كل من الوالدين على أولاده بما يجب عليه من رعاية وعناية وتربية صالحة ليخلف بعده ذرية صالحة تنفعه وتنفع المسلمين فإن العبد متى أصلح ما بينه وبين ربه أصلح الله له ما بينه وبين الخلق ومع حسن النية والاستعانة بالله وكثرة دعائه واللجوء إليه يحصل الخير الكثير يقول الله تعالى في وصف عباده "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"الفرقان:74. فوالله ما سألوا ذلك وقعدوا عن فعل الأسباب فإن العقل والشرع كل منهما يقتضي أنك إذا سألت الله شيئا فلا بد أن تفعل ما تقدر عليه من أسبابه فإن كل أحد لو سأل الله رزقا لسعى في أسبابه لأنه يعلم أن السماء لا تمطر ذهبا ولو سأل الله ذرية لسعى في حصول الزوجة لأن الأرض لا تنبت أولادا وهكذا إذا سأل الله صلاح ذريته وأن تكون قرة عين له فلا بد أن يسعى بما يقدر عليه من أسباب ذلك لتكون نعمة الأولاد منحة

أما الشطر الثاني من نعمة الأولاد فتكون محنة وعناء وشقاء وشؤما على أهلهم ومجتمعهم وذلك فيمن لم يقم بما أوجب الله عليه لهم من رعاية وعناية وتربية صالحة أهملهم فلم يبال بهم أضاع حق الله فيهم فأضاعوا حق الله فيه لم يحسن إليهم بالتربية فلم يحسنوا إليه بالبر جزاء وفاقا ففاته نفعهم في الدنيا والآخرة وأصبح من الخاسرين وليكونن من النادمين"قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ"الزمر:15. لقد ضل أقوام اعتنوا بتنمية أموالهم ورعايتها وصيانتها وحفظها فأشغلوا أفكارهم وأبدانهم وانشغلوا بها عن راحتهم ومنامهم ثم نسوا أهلهم وأولادهم وما هي قيمة هذه الأموال بالنسبة للأهل والأولاد أليس من الأجدر بهؤلاء أن يخصصوا شيئا من قواهم الفكرية لتربية أهلهم وأولادهم حتى يكونوا بذلك شاكرين لنعمة الله ممتثلين لأمره حيث يقول جل وعلا "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"التحريم:6.لقد جعل الله لكم الولاية وحملكم مسئولية الأهل أمركم بأن تقوا أنفسكم وأهليكم تلك النار المزعجة لم يأمركم أن تقوا أنفسكم فحسب بل أنفسكم وأهليكم ومن العجب أن هؤلاء المضيعين لأمر الله في حق أولادهم وأهليهم لو أصابت نار الدنيا طرف من ولده أو كادت لسعى بكل ما يستطيع لدفعها وهرع إلى كل طبيب للشفاء من حرقها أما نار الآخرة فلا يحاول أن يخلص أولاده وأهله منها

عباد الله: إن على كل واحد منا أن يراقب أهله وأولاده في حركاتهم وسكناتهم في ذهابهم وإيابهم في أصحابهم وأخلائهم حتى يكون على بصيرة من أمرهم ويقين في اتجاهاتهم وسيرهم فيقر ما يراه من ذلك صالحا وينكر ما يراه فاسدا ويكلمهم بصراحة ويأخذ منهم ويرد عليهم ولا يغضب فيعرض عنهم فإن ذلك يزيد من البلاء والفساد

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد

عباد الله: إن الإنسان إذا لم يقم على مراقبة أهله وأولاده وتربيتهم تربية صالحة فمن الذي يقوم عليها ؟ هل يقوم عليها أباعد الناس ومن لا صلة له فيهم ؟ أو يترك هؤلاء الأولاد والأغصان الغضة تعصف بها رياح الأفكار المضللة والاتجاهات المنحرفة والأخلاق الهدامة فينشأ من هؤلاء جيل فاسد لا يرعى لله ولا للناس حرمة ولا حقوقاً جيل فوضوي متهور لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا متحرراً من كل رق إلا من رق الشيطان منطلقا من كل قيد إلا من قيد الشهوة والطغيان نعم لا بد أن تكون هذه هي النتيجة إلا أن يشاء الله

إن بعض الناس يقول معتذراً أنا لا أستطيع تربية أولادي إنهم كبروا وتمردوا علي وجوابنا على هذا أن نقول لو سلمنا هذا العذر جدلاً أو حقيقة واقعة ثم فكرنا لوجدنا أنك أنت السبب في سقوط هيبتك من نفوسهم لأنك أضعت أمر الله فيهم في أول أمرهم فتركتهم يتصرفون كما يشاؤن لا تسألهم عن أحوالهم ولا تأنس بالاجتماع إليهم لا تجتمع معهم على غداء ولا عشاء ولا غيرهما فوقعت الجفوة بينك وبين أولادك فنفروا منك ونفرت منهم فكيف تطمع بعد ذلك أن ينقادوا لك أو يأخذوا بتوجيهاتك ولو أنك اتقيت الله في أول أمرك وقمت بتربيتهم على الوجه الذي أمرت لأصلح الله لك أمر الدنيا والآخرة

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.الأحزاب:70-71.

اللهم أصلح لنا في ذرياتنا وقادتنا وولاة أمرنا واحفظ جنودنا على حدودنا واعفر اللهم لنا ولوالدين ولجميع المسلمين .

وصلى الله على نبينا محمد

1435-3-18

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي