الدرس 184: حد الردة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 12 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 1908 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الردة هي: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر والردة تحصل بالقول والفعل والشك والترك

والردة بالقول: كسبّ الله تعالى أو سبّ رسوله صلى الله عليه وسلم

والردة بالفعل: كالسجود للصليب أو الصنم أو الذبح للقبور أو امتهان المصحف

والردة بالشك: كالشك في صحة دين الإسلام أو صدق النبي صلى الله عليه وسلم

والردة بالترك: كالإعراض عن دين الإسلام لا يتعلمه ولا يعمل به ونحو ذلك

وعقوبة المرتد عن دين الإسلام هي القتل قال الله تعالى "وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" البقرة آية 217

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من بدَّلَ دينه فاقتلوه" رواه البخاري

ومعنى الحديث: من انتقل عن دين الإسلام إلى غيره واستمر على ذلك ولم يتب فإنه يقتل وثبت أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة" رواه البخاري

وهذا التشديد في عقوبة المرتد لأمور عديدة منها

أولاً: أن هذه العقوبة زجر لمن يريد الدخول في الإسلام مصانعة أو نفاقا وباعث له على التثبت في الأمر فلا يقدم إلا على بصيرة وعلم بعواقب ذلك في الدنيا والآخرة فإن من أعلن إسلامه فقد وافق على التزامه بكل أحكام الإسلام برضاه واختياره ومن ذلك أن يعاقب بالقتل إذا ارتد عنه

ثانياً: من أعلن إسلامه فقد دخل في جماعة المسلمين ومن دخل في جماعة المسلمين فهو مطالب بالولاء التام لها ونصرتها ودرء كل ما من شأنه أن يكون سببا في فتنتها أو هدمها أو تفريق وحدتها والردة عن الإسلام خروج على جماعة المسلمين ونظامها الإلهي وجلب للآثار الضارة إليها والقتل من أعظم الزواجر لصرف الناس عن هذه الجريمة ومنع ارتكابها

ثالثا: أن المرتد قد يرى فيه ضعفاء الإيمان من المسلمين وغيرهم من المخالفين للإسلام أنه ما ترك الإسلام إلا عن معرفة بحقيقته وتفصيلاته فلو كان حقا لما تحول عنه فيتلقون عنه حينئذ كل ما ينسبه إليه من شكوك وكذب وخرافات بقصد إطفاء نور الإسلام وتنفير القلوب منه فقتل هذا المرتد إذا هو الواجب حماية للدين الحق من تشويه الأفاكين وحفظا لإيمان المنتمين إليه وإماطة للأذى عن طريق الداخلين فيه

رابعاً: إذا كانت عقوبة القتل موجودة في قوانين البشر المعاصرة حماية للنظام من الاختلال في بعض الأحوال ومنعا للمجتمع من الانسياق في بعض الجرائم التي تفتك به كالمخدرات وغيرها فإذا وجد هذا لحماية قوانين البشر فدين الله الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي كله خير وسعادة وهناء في الدنيا والآخرة أولى وأحرى بأن يعاقب من يعتدي عليه ويطمس نوره ويشوه نضارته ويختلق الأكاذيب نحوه لتسويغ ردته وانتكاسه في ضلالته

ومن دخل في دين الإسلام فقد أطاع الله سبحانه في تحقيق العبودية له وإخلاص الدين له الذي يجب على كل مكلف من الجن والإنس الاستجابة له والإيمان به وهذا هو حق الخالق على مخلوقه قال تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" وقال سبحانه "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" وقال جل وعلا "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

ومن ارتد عن دين الإسلام ورجع إليه تائبا نادما فلا يجوز أن يقام عليه الحد لأن الحد يقام على المصر المستمر على ردته أما التائب فإن توبته تجب ما قبلها كما دل على ذلك الكتاب والسنة

من قال بجواز الزنا بالمرأة غير المتزوجة فهو كافر بإجماع المسلمين لعموم نص القرآن للأمرين ولتصريح السنة بتحريم كل منهما وتسميته زنا وبيان عقوبة كل منهما قال تعالى "وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا" وقال صلى الله عليه وسلم "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" رواه مسلم، قلت هذا الحديث منسوخ بالأحاديث الأخر التي توجب الرجم فقط

وحد الرجم ثابت بالآية التي نسخ لفظها وبقي حكمها من سورة الأحزاب: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم

ونفذ الصحابة حد الردة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم "فعن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه قال قدم علي معاذ وأنا باليمن فكان رجل يهودي فأسلم ثم ارتد عن الإسلام فلما قدم معاذ قال لا أنزل عن دابتي حتى يقتل قال وكان قد استتيب قبل ذلك" رواه البخاري ومسلم

وعن عكرمة قال : أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تعذبوا بعذاب الله" ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من بدل دينه فاقتلوه" رواه البخاري

وتفضيل الدولة العلمانية على الدولة الإسلامية هو تفضيل للكفر على الإيمان قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا

ومن زعم أن الشريعة الإسلامية لا تصلح في هذا الزمان وأن أنظمة البشر أصلح منها فهو كافر لأنه مكذب لله ولرسوله في كمال الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان قال تعالى "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ" إلى قوله: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

والله سبحانه وتعالى كفر اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا

ومن شكك بحفظ القرآن من التغيير والتبديل فهو كافر لأنه مكذب لله في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك

وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين

1435-3-12 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر