الدرس السادس والعشرون: باب الأذان والإقامة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 23 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2406 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الأذان في اللغة: الإعلام قال تعالى "وأذان من الله ورسوله" أي إعلام

وقال تعالى "وأذن في الناس بالحج " أي أعلمهم به يقال أذن بالشيء يؤذن أذاناً وتأذينا

إذا أعلم به فهو اسم مصدر وأصله من الأذن وهو الاستماع لأنه يلقى في آذان الناس ما يعلمهم به وأذن المؤذن بالصلاة أعلم بها

وقال ابن قتيبة من الأذن بالضم كأنه أودع ما علمه أذن صاحبه

وفي الشرع: التعبد لله بالإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص

قال القرطبي وغيره الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك ثم إثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد ثم أعاد ما أعاد توكيداً

ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الجماعة وإظهار شعائر الإسلام

متى فرض الأذان ؟

فرض في السنة الأولى من الهجرة

ومن الأحاديث الدالة على الأذان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. أخرجه البخاري

ومعنى يشفع الأذان يأتي بألفاظه شفعاً يعني مثنى مثنى ويستثى من ذلك كلمة التوحيد التي آخره فإنها مفردة

وسبب مشروعيته

لما عسر معرفة الأوقات عليهم: تشاوروا في نصب علامة لها فأريه عبد الله بن زيد في المنام وأقره الوحي وذلك ما روى محمد بن إسحاق قال:حدثني محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال حدثني أبي عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ فقال وما تصنع به قلت ندعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت له بلى فقال تقول الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على صلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال إنها رؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله الحمد. رواه الأثرم وأبو داود وذكر الترمذي آخره بهذا الإسناد وقال هو حديث حسن صحيح

فائدة: عدد جمل الأذان خمس عشرة جملة وفي الفجر سبع عشرة جملة والإقامة احدى عشرة جملة والملاحظ أن في بعض الدول يجعلون عدد جمل الإقامة بمقدار عدد جمل الأذان فيكررون ألفاظ الشهادتين والهيعلتين مرتين وهذا غير صحيح والصحيح أنه في الإقامة يكبر مرتين ثم الشهادتين والهيعلتين مرة واحدة ثم التكبير مرتين ثم يقول قد قامت الصلاة مرتين ويختم بكلمة لا إله إلا الله إضافة إلى أن فعلهم مخالف للنص الذي عمد به الرسول صلى الله عليه وسلم بلال بموجب رؤية عبد الله بن زيد

سؤال:كم مؤذنوه صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: خمسة بلال وابن أم مكتوم وأبو محذوره وسعد القرظ وأخو صداء والمشهور منهم بلال وابن أم مكتوم فهما مؤذنا الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وأبو محذورة في مكة

وجزم النووي أنه صلى الله عليه وسلم أذن مرة

أما الإقامة في اللغة مصدر أقام من أقام الشيء إذا جعله مستقيماً

أما في الشرع فهي التعبد لله بالقيام للصلاة بذكر مخصوص والفرق بينهما وبين الأذان أن الأذان إعلام للصلاة للتهيؤ لها

والإقامة للدخول والإحرام بها

وهما مشروعان بالكتاب والسنة وإجماع الأمة قال تعالى "وإذا ناديتم إلى الصلاة " وقال: يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة

مسألة: اختلف العلماء أيهما أفضل الأذان أم الإمامة

فروي أن الإمامة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه وكذلك خلفاؤه ولم يتولوا الأذان ولا يختارون إلا الأفضل ولأن الإمامة يختار لها من هو أكمل حالاً وأفضل واعتبار فضيلته دليل فضيلة منزلته وأنا أميل إلى هذا الرأي، والثانية الأذان أفضل وهو مذهب الشافعي

ولما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين. أخرجه أبو داود والنسائي

وهذا اختيار القاضي وابن أبي موسى وجماعة من أصحاب ابن قدامه. انظر المغني

وقال شيخ الإسلام الأذان أفضل من الإمامة وهو أصح الروايتين عن أحمد واختيار أكثر الصحابة

ما حكم الأذان والإقامة ؟

الجواب: سنة في حق المنفرد فرض كفاية في حق الجماعة وذلك للرجال لا للنساء والدليل على أنها فرض كفاية في حق الجماعة ما في الصحيحين عن مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم

الجمهور غير أحمد سنة، ابن تيمية وابن باز فرض كفاية للجماعة

ويقاتل أهل بلد تركوهما والذي يقاتلهم الإمام إلى أن يؤذنوا وهذا من باب استباحة دمائهم ولهذا لا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يغنم لهم مال ولا تسبى لهم ذرية لأنهم مسلمون وإنما قوتلوا تعزيراً ودليل ذلك أن الأذان والإقامة هما علامة بلاد الإسلام فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوماً أمسك حتى يأتي الوقت فإن سمع أذاناً كف وإلا قاتلهم

ويحرم أن يعقد عليها عقد إجارة بأن يستأجر شخصاً يؤذن أو يقيم لأنها قربة من القرب وعبادة من العبادات والعبادات لا يجوز أخذ الأجرة عليها لقوله تعالى" من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون* أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون" ولأنه إذا أراد بأذانه الدنيا بطل عمله ولم يكن أذانه صحيحاًً قال صلى الله عليه وسلم "من عمل عملاً ليس عليه أمرناً فهو رد" أما الجعالة بأن قال من أذن في هذا المسجد فله كذا وكذا بدون عقد وإلزام فهذه جائزة لأنه لا إلزام فيها فهي كالمكافأة لمن أذن ولا بأس بالمكافأة لمن أذن

ولا يحرم أن يعطى المؤذن والمقيم عطاء من بيت المال وهو ما يعرف في وقتنا بالمكافئة لأن بيت المال إنما وضع لمصالح المسلمين والأذان والإقامة من مصالح المسلمين إلا أن يوجد متطوع

قال محمد بن إبراهيم مفتي المملكة سابقاً في فتواه لا يكره ولا يحرم أي أخذ الرزق من بيت المال الذي هو الفيء مصرفه مصالح المسلمين

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -22

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر