الدرس الثامن والثلاثون باب ما جاء في الرقى والتمائم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 26 صفر 1434هـ | عدد الزيارات: 1958 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

قال المصنف "في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري ، رضي الله عنه : أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرْسَلَ رَسولًا أنْ: لا يَبْقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِن وتَرٍ، أوْ قِلَادَةٌ إلَّا قُطِعَتْ ".

قوله:" في الصحيح" أي في الصحيحين البخاري ومسلم، فقد ورد الحديث في صحيح البخاري بلفظ :"أنَّهُ كانَ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أسْفَارِهِ، قَالَ عبدُ اللَّهِ: حَسِبْتُ أنَّه قَالَ: والنَّاسُ في مَبِيتِهِمْ، فأرْسَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَسولًا أنْ: لا يَبْقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِن وَتَرٍ، أوْ قِلَادَةٌ إلَّا قُطِعَتْ."، ومثله في مسلم باختلاف يسير.
قوله: "باب ما جاء في الرقى والتمائم"، يعني باب ما جاء فيها من الأحاديث والآثار الدالة على تحريم التمائم، و(التمائم) شيء يعلق على الأولاد يتقون به العين، ولكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف ، وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود رضي الله عنه .و(الرقى) هي التي تسمى العزائم، فقد رخص فيها الرسول صلى الله عليه وسلم من العين والحُمَّة، وإن كانت رقية معروفة بالآيات والدعوات المعروفة فلا بأس، بشروط ثلاث :

الأول:أن تكون بلسان معروف المعنى، ليس فيه جهالة.

الثاني: أن يكون ذلك المعنى سليما لا يخالف الشرع المطهر.

الثالث: أن لا يعتمد عليها بذاتها، بل يعتقد أنها سبب من الأسباب.

قوله:"عن أبي بشير الأنصاري"، اسمه قَيْسُ بن عُبَيْد بن الحُرَيْر بن عُبَيْد بن الجَعْد بن عَوْف بن مَبْذُول بن عَمْرو بن غَنْم بن مَازِن بن النجار، له صحبة ورواية، عن النّبي صَلَّى الله عليه وسلم‏.‏ روى عنه عباد بن تميم، وعمارة بن غزية، وضمرة بن سعيد، وسعيد بن نافع، شهد الخندق، مات بعد أن جاوز المائة.
قوله:"في بعض أسفاره"، السفر مفارقة محل الإقامة.

قوله:"فأرسل رسولا"هو زيد بن حارثة رضي الله عنه.

قوله صلى الله عليه وسلم: أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت

قوله " قلادة من وتر، أو قلادة " شك من الراوي، والأولى أرجح؛ لأن القلائد كانت تتخذ من الأوتار، ويعتقدون أن ذلك يدفع العين عن البعير، وهذا اعتقاد فاسد لأنه تعلق بما ليس بسبب.

أما إذا كانت هذه القلادة من غير وتر، وإنما تستعمل للقيادة كالزمام فهذا لا بأس به لعدم الاعتقاد الفاسد، وكان الناس يعملون ذلك كثيرا من الصوف أو غيره .
قوله صلى الله عليه وسلم " أن لا يبقين في رقبة بعير " ذكر البعير لأن هذا هو الذي كان منتشرا حينذاك فهذا القيد بناء على الواقع عندهم فيكون كالتمثيل، وليس بمخصص . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال" : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " "رواه أحمد وأبو داود ". الحديث صححه الألباني.
قوله صلى الله عليه وسلم " إن الرقى " جمع رقية، وهذه ليست على عمومها، بل هي عام أريد به خاص، وهو الرقى بغير ما ورد به الشرع، أما ما ورد به الشرع فليست من الشرك، فعن أبي سعيد الخدري :" انْطَلَقَ نَفَرٌ مِن أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حتَّى نَزَلُوا علَى حَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فأبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ شيءٌ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لو أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شيءٌ، فأتَوْهُمْ، فَقالوا: يا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ، فَهلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنكُم مِن شيءٍ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَما أَنَا برَاقٍ لَكُمْ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ علَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَما به قَلَبَةٌ، قالَ: فأوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الذي صَالَحُوهُمْ عليه، فَقالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقالَ الذي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حتَّى نَأْتِيَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَنَذْكُرَ له الذي كَانَ، فَنَنْظُرَ ما يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرُوا له، فَقالَ: وَما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ، ثُمَّ قالَ: قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري .

فائدة: القوم الذين لم يضيفوا الصحابة كانوا كفاراً ومع ذلك رقاهم الصحابة فهذا دليل على أنه يجوز رقية الكافر .

قوله صلى الله عليه وسلم" إن الرقى " المراد بالرقى في الحديث ما كان فيه شرك.

قوله :"والتمائم" والتمائم جمع تميمة وهي ما يعلق على المريض أو على الأطفال من الودع والخرزوالعظام والطلاسم وغير هذا مما يعلقه الناس في الجاهليه، وهكذا بعض الناس في الإسلام يعلقونه؛ ظنا منهم أنه يدفع العين أو يدفع الجن وقد دلت الدلائل الشرعية على تحريم التمائم، وأنه لا يجوز تعليها على الأولاد ولا على المرضي بل يجب ترك ذلك.

قوله: والتولة، قال المصنف: هي شيء يصنعونه يزعمون أنه يحببب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته" وأكثر من يتعاطاها النساء.يصنعون أشياء بواسطة الجن والشياطين ، يسمونها الصرف والعطف، وهو نوع من السحر، والسحر كله كفر وضلال .

قوله: شرك" شرك أكبر أو أصغر بحسب اعتقاد الإنسان؛ فإن اعتقد بأن المسبب لهذا هو الله فهذا شرك أصغر وإن اعتقد أنها تفعل بنفسها فهو شرك أكبر.

وبالله التوفيق.

26 - 2 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر