الدرس الثامن والعشرون باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 20 صفر 1434هـ | عدد الزيارات: 1952 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

قول المصنف:" وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا بعثَ معاذاً إلى اليمن قال له : " إنَّكَ تَأْتي قَوْمًا من أهْلَ الكِتَابٍ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله " " ، وفي رواية " إلى أن يوحدوا الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالهم واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " أخرجاه".

ورد الحديث في صحيح البخاري بهذا اللفظ "قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إلى اليَمَنِ: إنَّكَ سَتَأْتي قَوْمًا أهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إلى أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فَإِيَّاكَ وكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ."

وفي صحيح مسلم:" بعثني رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: إنَّكَ تَأْتي قَوْمًا مِن أهْلِ الكِتابِ، فادْعُهُمْ إلى شَهادَةِ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيائِهِمْ فَتُرَدُّ في فُقَرائِهِمْ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فإيَّاكَ وكَرائِمَ أمْوالِهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَها وبيْنَ اللهِ حِجابٌ. وفي رواية: إنَّكَ سَتَأْتي قَوْمًا."

قوله: " لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ "هو معاذ بن جبل، صحابي وفقيه وقارئ القرآن وراوي للحديث النبوي من الأنصار من بني أدّى من بني جشم بن الخزرج، أسلم وهو ابن 18 سنة، وشهد بيعة العقبة الثانية، ثم شهد مع النبي المشاهد كلها، واستبقاه في مكة بعد فتحها ليُعلّم الناس القرآن ويفقههم، ثم بعثه إلى اليمن قاضيا وواليا سنة عشر قبل حجة الوداع.وبقي بها حتى قدم المدينة في عهد أبي بكرالصديق رضي الله عنه.ثم شارك في الفتح الإسلامي للشام، وتوفي سنة 18هـ في الأردن في طاعون عمواس.

قوله:"حِينَ بَعَثَهُ إلى اليَمَنِ"أي أرسله على صفة المعلم والحاكم والداعي وبعثه في ربيع الأول سنة عشر من الهجرة قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المشهور، وبعثه هو وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما ، بعث معاذا إلى صنعاء وما حولها وأبا موسى إلى عدن وما حولها وأمرهما " أن اجتمعا وتطاوعا ولا تفترقا، ويسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا "رواه البخاري

قوله صلى الله عليه وسلم: " إنَّكَ سَتَأْتي قَوْمًا أهْلَ كِتَابٍ، " قال ذلك مرشدا له وهذا دليل على معرفته صلى الله عليه وسلم بأحوال الناس وما يعلمه من أحوالهم فله طريقان :

الأول : الوحي
الثاني : العلم والتجربة
قوله صلى الله عليه وسلم " إنَّكَ سَتَأْتي قَوْمًا أهْلَ كِتَابٍ " المراد بالكتاب التوراة والإنجيل فيكون المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى وهم أكثر أهل اليمن في ذلك الوقت وإن كان في اليمن مشركون لكن الأكثر اليهود والنصارى ولهذا اعتمد الأكثر وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لأمرين :
الأمر الأول: أن يكون بصيرا بأحوال من يدعو.
الأمر الثاني: أن يكون مستعدا لهم لأنهم أهل كتاب وعندهم علم .
قوله صلى الله علي وسلم " فإذا جئتهم فَادْعُهُمْ إلى أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ الله".

قوله " أنْ يَشْهَدُوا "الشهادة هنا العلم والنطق باللسان،
قوله " لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، " ، " لا " أي لا معبود ، فـ " إله " بمعنى مألوه فهو فعال بمعنى مفعول.

وفي قوله: "لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " نفي الألوهية لغير الله وإثباتها لله ولهذا جاءت بطريق الحصر.

وكانوا يقولون: لا إله إلا الله ، ولكنهم جهلوا معناها الذي دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه، فكان قولهم: لا إله إلا الله ، لا ينفعهم.

قوله :"وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ الله. " فمعناها: طاعتُه فيما أمر، وتصديقُه فيما أخبر، واجتنابُ ما عنه نهى وزَجَر، وألاَّ يُعبَدَ اللهُ إلا بما شرع.فلابد للمسلم من تحقيقِ أركان تلك الشهادة؛ لأن مَن يَشهَدُ برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم لا يُبالي بأمره ونهيِه، أو يتعبَّد اللهَ بغير شريعته - غيرُ صادق في شهادته، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)، رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَن أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ)؛ رواه البخاري ومسلم.

قوله:"فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ"أي شهدوا وانقادوا لذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم:" فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ،" فيه دليل على أن المشرك لا يطالب بفعل الصلاة إلا إذا أسلم بتركه الشرك ظاهرا وباطنا ، فالإسلام شرط لصحة العبادة، والصلاة بعد التوحيد والإقرار بالرسالة أعظم الواجبات وأحبها.

قوله:"فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ،" فيه أن الزكاة لا تنفع إلا من وحد الله، وصلى الصلوات الخمس، بشروطها وأركانها وواجاتها، والزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله؛ لقوله تعالى:"وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ "(البينة 5)،

قوله:"فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فَإِيَّاكَ وكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ،" تحذير له من أن يتجاوز ما شرعه الله ورسوله في الزكاة، وهو أخذها من أوساط المال؛ لأن ذلك سبب لإخراجها بطيب نفس، ونية صحيحة، وكل ما زاد عن المشروع فلا خير فيه.

قوله:"واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ." ، يدل على أن العامل إذا زاد عن المشروع صار ظالما لمن أخذ ذلك منه، والمظلوم ليس بينه وبين الله حجاب يمنع قبول دعوته

وبالله التوفيق

20 - 2 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر