الدرس التاسع والعشرون باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله (3)

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 21 صفر 1434هـ | عدد الزيارات: 2015 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

قول المصنف :" ولهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه " أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ يَومَ خَيْبَرَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسوله ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ ، فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أصْبَحَوا غَدَوْا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا، فَقالَ: أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ. فقِيلَ: هو يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فأرْسَلُوا إلَيْهِ. فَأُتِيَ به فَبَصَقَ في عَيْنَيْهِ ودَعَا له، فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقالَ انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ تعالى فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ من حُمْرُ النَّعَمِ."(يَدُوكُونَ)أي يخوضون ".

ورد الحديث في صحيح البخاري بهذا اللفظ " لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، قالَ: فَباتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ يُعْطاها، فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطاها، فقالَ: أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ. فقالوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فأرْسِلُوا إلَيْهِ فَأْتُونِي بهِ. فَلَمَّا جاءَ بَصَقَ في عَيْنَيْهِ ودَعا له، فَبَرَأَ حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ، فأعْطاهُ الرَّايَةَ، فقالَ عَلِيٌّ: يا رَسولَ اللَّهِ، أُقاتِلُهُمْ حتَّى يَكونُوا مِثْلَنا؟ فقالَ: انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بساحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَواللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ." ، وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه :"كانَ عَلِيٌّ قدْ تَخَلَّفَ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، في خَيْبَرَ وَكانَ رَمِدًا، فَقالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَلَمَّا كانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتي فَتَحَهَا اللَّهُ في صَبَاحِهَا. قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ، أَوْ لَيَأْخُذَنَّ بالرَّايَةِ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسولُهُ، أَوْ قالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسولَهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عليه فَإِذَا نَحْنُ بعَلِيٍّ، وَما نَرْجُوهُ. فَقالوا: هذا عَلِيٌّ، فأعْطَاهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ الرَّايَةَ. فَفَتَحَ اللَّهُ عليه."

قوله :"ولهما" أي البخاري ومسلم.

قوله " عن سهل بن سعد" هو:أبو العباس سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي صحابي شهير(توفي عام 88هـ). وكان أبوه من الصحابة الذين توفوا في حياة النبي . كان سهل يقول: شهدت المتلاعنين عند رسول الله وأنا ابن خمس عشرة سنة. روى سهل عدة أحاديث. حدَّث عنه: أبو هريرة وسعيد بن المسيب والزهري وأبو حازم، وابنه العباس بن سهل، وعبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذباب، وابن شهاب الزهري ويحيى بن ميمون الحضرمي وغيرهم. هو آخر من مات بالمدينة من الصحابة وقد جاوز المائة.

قوله صلى الله عليه وسلم " لأُعطينَّ " هذه جملة مؤكدة بثلاث مؤكدات القسم المقدر، واللام، والنون، والتقدير: والله لَأُعْطِينَّ.
قوله صلى الله عليه وسلم "الراية" الراية بمعنى اللواء، وهو العلم الذي يحمل في الحرب وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمُقدم العسكر، روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس :"كان رايةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سوداءَ، ولواؤُه أبيضَ. " ومثله عند الطبراني في المعجم الكبير عن بريدة وعند بن عدي في الكامل عن أبي هريرة وزاد :" مكتوب فيه : لا إله إلا الله محمد رسول الله".

قوله صلى الله عليه وسلم " لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا" ، (غَدًا) يراد به ما بعد اليوم ، والأمس يراد به ما قبله ، وقد يراد بالغد ما وراء ذلك، قال تعالى: " وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ " الحشر 18 ، أي يوم القيامة .

قوله صلى الله عليه وسلم "رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، " أي يفتح الله خيبر على يديه، وفي ذلك بشارة بالنصر .

قال الراوي " فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ يُعْطَاهَا، " يَدُوكُونَ " أي يخوضون وجملة يدوكون خبر بات.

قول الراوي " فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطاها، " أي ذهبوا إليه في الغدوة مبكرين كلهم يرجو أن يعطاها.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ." كأنه صلى الله عليه وسلم استبعد غيبته عن حضرته في مثل ذلك الموطن ، لاسيما وقد قال : لأعطين الراية ..."

" فقالوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يا رَسولَ اللَّهِ،:أي من الرمد كما في صحيح مسلم من رواية سلمة بن الأكوع "كانَ عَلِيٌّ قدْ تَخَلَّفَ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، في خَيْبَرَ وَكانَ رَمِدًا،" .

قوله صلى الله عليه وسلم " فأرْسِلُوا إلَيْهِ فَأْتُونِي بهِ،" أمرهم أن يرسلوا إليه فيدعوه له.

" فَلَمَّا جاءَ بَصَقَ في عَيْنَيْهِ ودَعا له، فَبَرَأَ حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ" : أي ليس بهما أثر حمرة ولا غيرها

قوله " فبرأ " هذا من آيات الله الدالة على قدرته وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم له ذلك من بين سائر الصحابة.

فأعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقالَ عَلِيٌّ: يا رَسولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكونُوا مِثْلَنَا؟ فَقالَ: انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ،: والمعنى امش هوينا لأن المقام خطير؛ لأنه يخشى من كمين واليهود خبثاء أهل غدر .
فأعطاه الراية فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم : أي فناء أرضهم .

قوله: " ثم ادعهم إلى الإسلام " أي أهل خيبر ، " إلى الإسلام " الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
قوله " وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ " أي في الإسلام.

قوله صلى الله عليه وسلم " فَواللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ. "

قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك " ولم يقل لأن تهدي لأن الذي يهدي هو الله والمراد بالهداية هنا هداية التوفيق والدلالة.

حُمْر: بتسكين الميم: جمع أحمر، وبالضم: جمع حمار، والمراد الأول ..

وتشبيه أمور الآخرة بأمور الدنيا إنما هو للتقريب للأفهام، وإلا فذرة من الآخرة خير من الأرض بأسرها وامثالها معها.

وبالله التوفيق

21 - 2 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر