الدرس السادس والعشرون باب الخوف من الشرك 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 19 صفر 1434هـ | عدد الزيارات: 2469 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

قول المصنف:" ولمسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"مَن لَقِيَ اللَّهَ لا يُشْرِكُ به شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن لَقِيَهُ يُشْرِكُ به شيئا دَخَلَ النَّارَ".

ورد الحديث في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه بهذا اللفظ :" مَن لَقِيَ اللَّهَ لا يُشْرِكُ به شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن لَقِيَهُ يُشْرِكُ به دَخَلَ النَّارَ. ".

قوله :"ولمسلم" هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري، من أبرز علماء الحديث عند اهل السنة والجماعة. ولد في نيسابور عام 206 هـ، ونشأ في بيت علم وفضل حيث كان أبوه الحجاج من المشيخة. أقبل الإمام مسلم منذ صغره على سماع الحديث وحفظه، وكان أول سماع له عام 218 هـ وعمره آنذاك اثنتا عشرة سنة. أخذ العلم أولاً عن شيوخ بلاده وسمع الكثير من مروياتهم، وكانت له رحلة واسعة في طلب الحديث طاف خلالها البلاد الإسلامية عدة مرات، فرحل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج والسماع من أئمة الحديث وكبار الشيوخ، وزار المدينة النبوية ومكة المكرمة ورحل إلى العراق فدخل البصرة وبغداد والكوفة ورحل إلى الشام ومصر والري، فمكث قرابة الخمسة عشرة عامًا في طلب الحديث، لقي فيها عددًا كبيرًا من الشيوخ، وجمع ما يزيد على ثلاثمائة ألف حديث. أثنى عليه علماء عصره ومن بعدهم، واعترفوا له بإمامته وبالتقدم والإتقان في علم الحديث، ومن أقوال العلماء فيه:

  • قال فيه شيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء: «كان مسلم من علماء الناس وأوعية العلم».
  • وقال ابن الصلاح: «فرفعه الله تبارك وتعالى إلى مناط النجوم، وصار إماماً حجّة، يبدأ ذكره ويعاد في علم الحديث وغيره من العلوم».
  • وقال أحمد بن سلمة: «رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما».
  • وقال النووي: «هو أحد أعلام أئمة هذا الشأن، وكبار المبرزين فيه، وأهل الحفظ والإتقان، والرحالين في طلبه إلى أئمة الأقطار والبلدان، والاعتراف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان». وغير ذلك كثير.

توفي الإمام مسلم بن الحجاج في نيسابور عشية يوم الأحد الخامس والعشرين من رجب عام 261هـ عن عمر يناهز خمسًا وخمسين سنة. وترك العديد من المؤلفات أغلبها في علوم الحديث، وصلنا بعضها ولا يزال بعضها مفقوداً، ومن أهم مؤلفاته المطبوعة:

- كتاب الصحيح.

- التمييز.

- الكنى والأسماء.

- المنفردات والوحدان.

  • الطبقات.
  • قوله :"عن جابر بن عبد الله" هوجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام صحابي أنصاري من بني غنم بن كعب بن سلمة أحد بطون قبيلة الخزرج، ولأبيه عبد الله بن عمرو بن حرام الذي قُتل في غزوة أحد أيضًا صُحبة، وأمه نسيبة بنت عقبة بن عدي الأنصارية. كنيته أبو عبد الله، أسلم جابر صغيرًا حين شهد بيعة العقبة الثانية مع أبيه.

    ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، كان جابر من أنصار النبي الذين التفّوا حوله، إلا أنه لم يشهد غزوة بدر ولا غزوة أحد، حيث منعه أبوه من المشاركة فيهما لأجل أن يرعى أخواته التسع، ولكن بعدما قُتل أبوه في أُحد، لم يتخلّف جابر عن غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، كما شهد بيعة الرضوان، وقد مرض جابر ذات مرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فعاده النبي، واشتكى له أنه إن مات فسيورث كلالة، فنزلت آية الكلالة: Ra bracket.png يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ La bracket.png (النساء 176)، لتوضح للمسلمين كيفية التوريث في تلك الحالة.

    وبعد وفاة النبي ، شارك جابر في الفتح الإسلامي للشام، وكان في جيش خالد بن الوليد الذي حاصر دمشق، تفرّغ جابر للجلوس في المسجد النبوي يعلّم الناس، وكان من المكثرين في رواية الحديث النبوي، فكانت له حلقة في المسجد يلتفّ فيها الناس ليسمعوا من الحديث النبوي وليستفتونه، حيث كان مفتي المدينة في زمانه. كما كان لا يتورع أن يرتحل ليتأكد من صحة الأحاديث، فقد رُوي أنه رحل في آخر عمره إلى مكة ليتأكد من صحة أحاديث سمعها، كما رُوي أنه رحل إلى مصر؛ ليسمع حديث القصاص من عبد الله بن أنيس.

    الأرجح أن وفاته كانت سنة 78 هـ، لما ذكره الذهبي عن أنه عاش بعد عبد الله بن عمر بن الخطاب بأعوام. وكان آخر أصحاب النبي محمد موتًا بالمدينة، . كما أنه آخر من مات بالمدينة المنورة ممن شهد بيعة العقبة.

قوله:(مَنْ) شرطية تفيد العموم وفعل الشرط (لقي) وجوابه قوله : (دخل الجنة) وهذا الدخول لا ينافي أن يعذب بقدر ذنوبه إن كانت عليه ذنوب لدلالة نصوص الوعيد على ذلك وهذا إذا لم يغفر الله له لأنه داخل تحت المشيئة .
قوله " شيئا " نكرة في سياق الشرط فيعم أي شرك حتى ولو أشرك مع الله أشرف الخلق وهو الرسول صلى الله عليه وسلم دخل النار فكيف بمن يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من الله فيلجأ إليه عند الشدائد ولا يلجأ إلى الله بل ربما يلجأ إلى ما دون الرسول صلى الله عليه وسلم

و يلزم من دخول النار الخلود فيها لمن مات على الشرك الأكبر لا الشرك الأصغر كما دلت على ذلك النصوص.

قول المصنف: "فيه مسائل :
"الأولى :
الخوف من الشرك لقوله " إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ " (النساء 48) ، ولقوله " وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ " (إبراهيم 35)

" الثانية: أن الرياء من الشرك"؛ لحديث " إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ، قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ؛. " ،أخرجه أحمد وصححه شعيب الأرنؤوط .

" الثالثة :أنه من الشرك الأصغر "؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنه قال :"الرِّياءُ"، فسماه شركا أصغر.

" الرابعة: أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين "، تؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ"

" الخامسة: قرب الجنة والنار"؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" مَن لَقِيَ اللَّهَ لا يُشْرِكُ به شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن لَقِيَهُ يُشْرِكُ به دَخَلَ النَّارَ. "

"السادسة : الجمع بين قربهما في حديث واحد "؛ للحديث السابق .

"السابعة: أنه من لقيه لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ولو كان من أعبد الناس"؛ تؤخذ من العموم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن لَقِيَ اللَّهَ "؛ لأن (مَنْ) للعموم.

"الثامنة: المسألة العظيمة :سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام"؛ تؤخذ من قوله تعالى:" وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ "(إبراهيم 35)" .

"التاسعة: اعتباره بحال الأكثر ؛ لقوله :"رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "(إبراهيم 36)،هناك اشكال ؛ حيث استخدم المصنف رحمه الله لفظ (الأكثر) بينما الاستشهاد بالآية كان بلفظ(كثير) وإنما كان الاشكال ؛ لأن الأكثر هو اسم تفضيل يدل على الأغلب ، قال تعالى " أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا "(الكهف 34) بينما (كثير)صفة مشبهة تدل على مجرد العدد الكثير لكنه ليس الغالب قال تعالى" وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ" (المائدة 81)، ومن ثَمَّ فَيُحمل كلامُ الشيخ هُنا على أن مرادَه من الأكثر أي الكثير.

"العاشرة: فيه تفسير : (لا إله إلا الله)، كما ذكر البخاري"، تؤخذ من جميع الباب؛ لأن : لا إله إلا الله فيها نفي وإثبات.

" الحادية عشرة: فضيلة من سلم من الشرك"؛ لقوله تعالى:"وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ "(النساء 48)

وبالله التوفيق

19 - 2 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر