توديع العام

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 3 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2054 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله النافذِ أمرُه الدائمِ برُه الشديدِ بطشُه وقهرُه الواجبِ حمدُه وشكرُه لا يرجى إلا نفعُه ولا يخاف إلا ضرُه فتبارك اسمُه وجلَّ ذكرُه وسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته تُسَبِّحْهُ سماؤه وأرضُه وبَرُه وبحرُه وجِنُّه وإنسُه وملائكته.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الليلَ والنهارَ آيتين فمبصرة وممحوة لتعلموا عدد السنين والحساب وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله سيد الخليقة ومسك ختام النبوة اللهم صل وسلم على رسولنا الموصوف بأشرف الصفات.

عباد الله: تمر الشهور وتمضى السنون ونحن في سبات غافلون عن الممات ومن علم أن الموت سنة الله في العالمين فكيف يطمع في البقاء وهو يرى كثرة الراحلين.

ومالك لا تستعد للرحيل أيها المسكين وأنت تعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عن ابن عمر "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " رواه البخاري

أيها الناس: نحن في بداية العام فهنيئاً لمن أحسن واستقام وويل لمن أساء وارتكب الإجرام والمجرمون معروفون بسيماهم موعودن بالانتقام "يوم يؤخذ بالنواصي والأقدام . " الرحمن:41.

هلمَّ نتساءل عن العام المنصرم وكيف قضيناه وتعال نتباحث عما سلف من العمر وكيف أمضيناه ولنفتش كتاب أعمالنا وكيف طويناه فإن كان خيراً حمدنا الله وشكرناه وإن كان شراً تبنا إلى الله واستغفرناه وعملنا من الحسنات ما يأتي على السيئات فيمحها كم ولد ومات فيه من عظيم وكم ولي فيه وعُزِلَ من كريم ولئيم وكم غني فيه من فقير وافتقر فيه من غني ، وكم عز من ذليل وذل من عزيز، وحوادث الزمان لا تحصى وربك الرحمن كلَّ يوم هو في شأن فعَّالٌ لما يريد وهو الحكيم العليم، يرفع قوماً ويضع آخرين فيؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الموت والحياة والتأخير والتقديم.

حوادث الدهر كثيرة والناس عنها مشغولون وعِبَرُ الأيامِ جمَّةٌ ونحن عنها غافلون ومدائن تعمر وأخرى تدمر وإذا أراد الله أمراً فإنما يقول له كن فيكون.البقرة:117. وهذه الدار للفناء وسكانها للموت والبلاء.

كيف ينظر المرء ما أقبل من دهره ويتمنى لقبض المرتب تمام شهره وهو يعلم أن ذلك ينقص من عمره وأنها مراحل يقطعها من سفره وصفحات يطويها من دفتره فهل يُسرُّ أحدٌ بوصوله إلى قبره ومفارقته لما له وأهله ومعشره إلا عبداً استعد للقدوم على الله بامتثال أمره واتخذ الدنيا طريقاً إلى مقره فأحسن فيما آتاه الله من صحة ومال وعلم وعقل ومكانة عالية في أهل عصره وراقب الله في فعله وتركه وسره وجهره

وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"لا يَأْتي علَيْكُم زَمَانٌ إلَّا الذي بَعْدَهُ شَرٌّ منه، حتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ "رواه البخاري ، وقال عليه الصلاة والسلام " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك"رواه الترمذي ، وصححه الألباني.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الأعراف:54.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الأيام والليالي مراحل الآخرة وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد

عباد الله : من الملاحظ أن التاجر في آخر العام يصفي حسابه ليعرف مدى ربحه وخسارته في الدنيا فقط غير آبه بمعرفة نسبة الحلال والحرام في ماله الذي حصل عليه خلال هذا العام ويستمر على هذا إلا من رحمه الله حتى يقول الناس مات فلان فيتحسر في قبره ويتمنى زيادة حسنة تنفعه ولكن هيهات أن ينفعَ الندم

والأولى مراجعة حساباته ، وأن يقف وقفات طويلة في هذه الأيام يقف ليعرف مقدار الذنوب والخطايا التي ارتكبها خلال العام المنصرم فإن كانت تتعلق بحقوق الآدميين ردها عليهم وإن كانت تتعلق بحقوق الله سبحانه استغفر وجدد التوبة مع بداية العام الجديد.

عليه أن يقف طويلاً أمام الأموال التي حصل عليها خلال العام المنصرم فإن كانت قد وصلت إليه عن طريق الحرام فليعلم أنها ستكون وبالاً عليه يوم القيامة وعليه أن يسارع باسترجاع ما أمكنه ذلك

وعليه أن يقف وقفة تأمل عند أمواله ليعرف مدى استفادة المسلمين منها هل للمسلمين نصيب منها؟!، هل كان للفقراء والمساكين نصيب؟!، هل ساهم في المشاريع الخيرية التي تعود عليه بالخير العميم يوم القيامة؟!

وعليه أن يقف مخاطباً نفسه هل أعطى كل ذي حق حقه؟!، هل أعطى أسرته ما يجب عليه نحوها من تعليم أمور الدين وحثها على المحافظة على ما يقربها من ربها؟!، هل أنفق على أسرته دون إسراف ولا تقتير وأعطى زوجته وأولاده حقهم من الجلوس معهم والمبيت كذلك ؟!.

هل حافظ على أولاده من جلساء السوء وأقنعهم بمخاطر ذلك عليهم وعلى المجتمع

عليه أن يعرف مدى علاقته بجيرانه ووالديه وأقاربه هل أعطى كل ذي حق حقه من النصيحة والزيارة الهادفة التي يراد بها وجه الله

وعليه أن يقف وقفة صادقة مع نفسه هل كان محافظاً على الصلاة في وقتها مع الجماعة في المسجد ولا ينس بأن تارك الصلاة كافر وأن أول ما يوضع في الميزان الصلاة فإن صلحت صلح سائر العمل وإن ردت رد سائر العمل.

ولا ينسى هل صام رمضان فإن كان قد أفطر بعذر فعليه المسارعة بالقضاء وإن كان قد أفطر بدون عذر فعليه بالمسارعة بالقضاء كذلك والندم على ما فات والتوبة النصوح

ولا ينسى هل هو يزكي ماله أم لا إذا حال عليه الحول أي مضى سنة وبلغ النصاب سواء كان هذا المال من عروض التجارة أم ماله الذي يحتفظ به للحاجة وليعلم أن مقدار ذلك ربع العشر أي في كل أربعة آلاف مائة ريال.

ولا ينسى زكاة الذهب الذي تلبسه النساء كذلك

وعليه أن يقسم المبلغ على (40) لمعرفة مقدار الزكاة.

وعلى المسلم إذا كان يعمل براتب شهري أن يحاسب نفسه هل هو يعمل بإخلاص بحيث يستحق مرتبه أم لا سواء كان يعمل موظفاً للدولة لخدمة مصالح المسلمين أو يعمل على حساب شركة أو مؤسسة .

عباد الله : أذكركم مرة ثانية أنكم في هذه الأيام قد ودعتم عاماً ماضياً شاهداً لكم أوعليكم واستقبلتم عاماً جديداً فليت شعري ماذا أودعتم في العام الماضي وماذا تستقبلون به العام الجديد فليحاسب العاقل نفسه ولينظر في أمره فإن كان قد فرط في شيء من الواجبات فليتب إلى الله وليتدارك ما فات وإن كان ظالماً لنفسه بفعل المعاصي والمحرمات فليقلع عنها قبل حلول الأجل والفوات وإن كان ممن من الله عليه بالاستقامة فليحمد لله على ذلك وليسأله الثبات عليها إلى الممات.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة وجازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وإحسانا واجمعنا بهم في جنات النعيم.ووفق وليَّ أمرنا ووليَّ عهده لما تحب وترضى وانصر جنودنا على حدودنا.

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1435-1-3هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي