الربا

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 19 ذو الحجة 1434هـ | عدد الزيارات: 1554 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستهديه ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلى اللهم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً

أما بعد

عباد الله: اتقوا الله تعالى واحذروا أسباب سخطه وعقابه احذروا ما حذركم الله منه إن كنتم مؤمنين واحذروا الربا فإنه من أسباب لعنة الله تعالى ومقته وإن الربا من أكبر الكبائر التي حذر الله تعالى عنها في كتابه وحذر رسول الله صلى الله علهي وسلم عنها في سنته وأجمع المسلمون على تحريمها ، اسمعوا قول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله"البقرة:278. اسمعوا قول الله تعالى "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم"البقرة:275-276. افهموا هذه الآية العظيمة وما تتضمن من التحذير من الربا والوعيد عليه وافهموها وعوها ونفذوها فإن لم تفهموها فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون أو طالعوا ما قاله المفسرون فيها إن كنتم تقدرون لقد قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: ذكر الله الظالمين أهل الربا والمعاملات الخبيثة وأخبر أنهم يجازون بحسب أعمالهم فكما كانوا في الدنيا في طلب المكاسب الخبيثة كالمجانين عوقبوا في البرزخ بأنهم لا يقومون من قبورهم أو يوم بعثهم ونشورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي من الجنون والصرع

ولقد صدق رحمه الله تعالى فإن المرابين كالمجانين لا يعون موعظة ولا يرعون عن معصية نسأل الله لنا ولهم الهداية

عباد الله: اسمعوا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء" رواه مسلم

اسمعوا ما صح عنه من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "رأى في منامه نهرا من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رماه الرجل الذي على شط النهر بحجر في فمه فرده حيث كان فجعل الرجل الذي في نهر الدم كلما جاء ليخرج رماه الرجل الذي على شط النهر بحجر في فمه فيرجع كما كان فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل الذي رآه في نهر الدم فقيل هذا آكل الربا" رواه البخاري

واسمعوا ما جاء في الحديث "الربا ثلاثة وسبعون بابا وأيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " رواه ابن ماجه والحاكم وصححه الألباني

واعلموا يا عباد الله أن المداينة أقسام منها ما هو حلال ومنها ما هو رباً حرام

القسم الأول: أن يحتاج إلى شراء سلعة وليس عنده ثمن حاضر ينقده، فيشتريها إلى أجلٍ معلومٍ بثمن زائد على ثمنها الحاضر فهذا جائز مثل أن يشتري سيارة بعشرة آلاف يدفع القيمة بعد سنة، وتكون قيمته لو بيع نقداً تسعة آلاف وهذا داخل في قوله تعالى "يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ"البقرة:282.

القسم الثاني: أن يشتري السلعة إلى أجل لقصد الاتجار مثل أن يشتري قمحاً بثمن مؤجل زائد على ثمنه الحاضر ليتجر به إلى بلد آخر أو لينتظر به زيادة السوق فهذا جائز أيضاً لدخوله في الآية السابقة

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذين القسمين أنهما جائزان بالكتاب والسنة والإجماع. ذكره ابن قاسم في مجموع الفتاوى ص499 ج29

القسم الثالث: أن يحتاج إلى دراهم فيأخذها من شخص بشيء في ذمته مثل أن يقول لشخص أعطني خمسين ريالاً بخمسة وعشرين صاعاً من البُرِّ أسلِّمها لك بعد سنة، فهذا جائز أيضاً، وهو السَلمُ الذي ورد به الحديث الثابت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قَدمَ النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة وهم يسلِفُونَ في الثمار السنة والسنتين فقال صلى الله عليه وسلّم "مَن أسلف فليُسْلِف في كيلٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم"

القسم الرابع: أن يكون محتاجاً لدراهم فلا يجد من يقرضه فيشتري من شخص سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها على صاحبها الذي اشتراها منه بثمن أقل منه نقداً، فهذه مسألة العينة، وهي حرام لقوله صلى الله عليه وسلّم "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه أبو داود وصححه الألباني

ولأن هذه حيلة ظاهرة على الرِّبا، فإنه في الحقيقة بيعُ دراهم حاضرة بدراهم مؤجلة أكثر منها دخلت بينهما سلعة، وقد نص الإمام أحمد وغيره على تحريمها

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا

أما بعد

القسم الخامس من المداينات: أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد مَن يقرضه فيشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، فهذه هي مسألة التورق وهي جائزة

القسم السادس: طريقة المداينة التي يستعملها كثير من الناس اليوم، وهي أن يتفق المستدين والدائن على أخذ دراهم العشرة بأحد عشر أو أقل أو أكثر، ثم يذهبا إلى الدكان فيشتري الدائن منه مالاً بقدر الدراهم التي اتفق والمستدين عليها، ثم يبيعه على المستدين، ثم يبيعه المستدين على صاحب الدكان بعد أن يخصم عليه شيئاً من المال يسمونه السعي، وهذا حرام بلا ريب

وقد نصَّ شيخ الإسلام ابن تيمية في عدَّة مواضع على تحريمه، ولم يحك فيه خلافاً

حماني الله وإياكم من الربا

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

ملحوظة : ألقيت هذه الخطبة عام 1418هـ

1434-12-18هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي