في وجوب احترام نعم الله

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 16 ذو الحجة 1434هـ | عدد الزيارات: 4598 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، وعد الشاكرين لنعمه المزيدَ، وتوعَّدَ من كفر بها بالعذاب الشديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أعظمُ الخلق شكراً لله وطاعةً له صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.

أما بعدُ

أيها الناس: اتقوا الله عباد الله بين أيديكم نعم كثيرة، أنتم محاسبون عليها ومسؤولون عن شكرها فأحسنوا التصرف فيها تكون عوناً لكم على طاعة الله، ولا تسيؤوا في استعمالها تكن استدراجاً لكم من حيث لا تعلمون فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخشى على أمته الفقر وإنما يخشى عليها من الغنى أن تبسط عليها الدنيا كما بسطت على من كان قبلها من الأمم فيحصل التنافس والهلاك ونخشى أن نكون اليوم قد وقعنا فيما تخوفه الرسول صلى الله عليه وسلم علينا فقد بسطت علينا نعم الله كثيرة وأساء الكثير منا استعمالها وتفاخروا في الإسراف فيها وإنفاقها في غير وجوهها

لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على احترام الطعام وتوقير النعمة وعدم إهدارها فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعيب طعاماً قط بل إن اشتهاه أكله وإلا تركه، وعن أنس رضي الله عنه قال: "مَرَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ، فقالَ: لَوْلا أنْ تَكُونَ مِن صَدَقَةٍ لَأَكَلْتُها." صحيح البخاري

فأخْبَرَ أنَّه لَولا خوفه أنْ تَكونَ هذه التَّمرةُ السَّاقطةُ مِن تَمْرِ الصَّدقةِ لَأكَلَها، فتَرَكَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ تَنزُّهًا لأجْلِ هذه الشُّبْهةِ.

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إنَّ الشَّيْطانَ يَحْضُرُ أحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شيءٍ مِن شَأْنِهِ، حتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعامِهِ، فإذا سَقَطَتْ مِن أحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ، فَلْيُمِطْ ما كانَ بها مِن أذًى، ثُمَّ لِيَأْكُلْها، ولا يَدَعْها لِلشَّيْطانِ، فإذا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أصابِعَهُ؛ فإنَّه لا يَدْرِي في أيِّ طَعامِهِ تَكُونُ البَرَكَةُ. "رواه مسلم.

كل هذا من حفظ النعمة وتوقيرها وتوفيرها عن الضياع وابتعاداً عن التكبر وإذا قارنت بين هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وبين ما عليه غالب الناس اليوم من امتهان للنعمة وإسراف في عمل الأطعمة وإهداره تبين لك الفرق العظيم، وخِفْت على الناس من العقوبة العاجلة، فترى كثيراً من الناس في حفلات الزواج وغيرها يضعون الولائم الكبيرة من الأطعمة واللحوم، ثم لا يؤكل منها إلا القليل، وأكثرها يهدر ويلقى في المزابل وينتج عن ذلك مفسدتان عظيمتان

الأولى: مفسدة الإسراف وإفساد المال وقد قال الله تعالى "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"الأعراف:31. وقال تعالى "وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً"الإسراء:26-27.

والمفسدة الثانية: أن في هذه الولائم إهانةَ النعمةَ وإلقاءَها مع القاذورات، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى رفع كسرة الخبز وأخذ التمرة من الطريق وأمر بأخذ اللقمة إذا سقطت وإزالة ما عليها من الأذى ثم أكلها، وأمر بلعق الأصابع ولعق الصحفة؛ لئلا يضيع شيء من نعم الله أو يمتهن فكيف بالذي يهدر الأكوام من الطعام واللحوم وقد يلقيها مع الزبالة إنها لجريمة عظيمة ومنكر ظاهر تخشى عواقبه الوخيمة ثم هذه الذبائح الكثيرة التي تذبح في هذه الولائم من أجل الأكل لأن ذابحها يعلم أنها لن تؤكل، وإنما يذبحها للرياء والسمعة والتفاخر وهي جريمة أخرى تذهب فيها الحيوانات هدراً، والحيوان المباح لا يجوز ذبحه إلا للحاجة ؛لما روى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِنَفَرٍ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَتَرَامَوْنَهَا، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟! إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا.رواه مسلم

جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه

وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات الذكر الحكيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً .
عباد الله: ليحذرْ هؤلاء الذين يأتون بالقطعان من الأغنام، ويذبحونها في الولائم، ثم يلقون لحومها تذهب هدراً وربما ترمى في الزبالة مع القاذورات والأنجاس ألم يكونوا في الأمس القريب فقراء عالةً لا يجدون في بيوتهم إلا القوت الضروري أو لا يجدون شيئاً أأمنوا زوال النعم ألم يعلموا ما حل بالبلاد المجاورة لهم من الحروب والمجاعات ألا يرونهم يأتون إلى بلادكم طلباً للقمة العيش.

فاتقوا الله عباد الله واسمعوا قول الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ.فاطر:5.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادنا أو أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم، اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيما إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك ، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1434-12-16 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 5 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي